نص مغمور لمولود قاسم نايت بلقاسم حول «إلياذة الجزائر»

أ.د. مولود عويمر/ كنت أتصفح مجموعة من أعداد قديمة لمجلة المجاهد الأسبوعي، فعثرت على نص للأستاذ مولود قاسم نايت بلقاسم، المتوفى في 27 أوت 1992، لم يسبق لي قراءته من قبل. وقارنته بعد ذلك بنصوص أخرى مشابهة في الموضوع المدروس: «إلياذة الجزائر»، فتأكدت أنه فعلا كان نصا منسيا، لم ينشره ضمن أعماله، ولم تنشره مؤسسات …

سبتمبر 2, 2025 - 15:17
 0
نص مغمور لمولود قاسم نايت بلقاسم حول «إلياذة الجزائر»

أ.د. مولود عويمر/

كنت أتصفح مجموعة من أعداد قديمة لمجلة المجاهد الأسبوعي، فعثرت على نص للأستاذ مولود قاسم نايت بلقاسم، المتوفى في 27 أوت 1992، لم يسبق لي قراءته من قبل. وقارنته بعد ذلك بنصوص أخرى مشابهة في الموضوع المدروس: «إلياذة الجزائر»، فتأكدت أنه فعلا كان نصا منسيا، لم ينشره ضمن أعماله، ولم تنشره مؤسسات ثقافية وعلمية أخرى اهتمت بجمع آثاره.

الفكرة والمشروع
لقد روى مولود قاسم في مقدمة الطبعة الأولى وكذلك في مقدمة جديدة للطبعة الثانية قصة هذه الإلياذة من بدايتها إلى طبعها. وبدأت الفكرة في عام 1971 حينما قرر مولود قاسم نايت بلقاسم وزير الشؤون الدينية آنذاك مساهمة وزارته في العام القادم في الاحتفال بالعيد العاشر لاستعادة الاستقلال والذكرى الألفية لتأسيس مدينة الجزائر.
ولم يجد الأستاذ مولود قاسم أفضل طريقة لإحياء هاتين المناسبتين من تخليد تاريخ بلادنا عبر محطاته الكبرى في نص شعري يحفظه الناس بسهولة ويستذكرونه دائما. وهكذا اتصل بالشاعر المعروف مفدي زكريا ليحقق له حلم إلياذة الجزائر.
نظم الشاعر مفدي زكريا قصيدته الطويلة المعروفة بـ»إلياذة الجزائر» بمساعدة الأستاذين مولود قاسم نايت بلقاسم والمؤرخ التونسي عثمان الكعاك فيما يتعلق بالأحداث التاريخية التي تضمنتها الإلياذة. ولقد وقع الاختيار على الأستاذ الكعاك لأنه كان من رواد الكتابة التاريخية حول الجزائر، فقد أصدر في عام 1926 كتابا بعنوان «موجز التاريخ العام للجزائر»، وكان يحضر في كل عام أعمال ملتقيات الفكر الاسلامي بالجزائر، ويقدم محاضرات حول تاريخ المدن التي انعقد فيها الملتقى. ومات في 16 جويلية 1976 في مدينة عنابة التي احتضنت الملتقى العاشر للفكر الاسلامي.

إلياذة الجزائر ذخيرة التاريخ الجزائري
ألقى مفدي زكريا قصيدته المكوّنة من 610 بيتا في قصر الأمم بالصنوبر البحري يوم 24 جويلية 1972 أمام الرئيس هواري بومدين وجمع كبير من المسؤولين السياسيين والعلماء والأدباء والشعراء والطلبة. وكانت فرصة للتصالح بين الرئيس بومدين والشاعر مفدي زكريا بعد سنوات من الخلاف والخصومة، وذلك بفضل وساطة الأستاذ مولود قاسم.
وواصل مفدي زكريا عمله حتى بلغت القصيدة 1001 بيتا. وطبعت عدة مرات في كتاب ووزعت على المؤسسات التربوية والجامعية والثقافية في الجزائر والخارج. وكان مولود قاسم الذي يعرف قيمة هذا العمل حريصا على إيصاله إلى كل قارئ في العالم، وأشرف على ترجمته إلى اللغة الفرنسية بقلم الشاعر محمد الطاهر بوشوشی، رئیس قسم الترجمة بجامعة الجزائر .
اهتمت الصحافة والكُتاب بـ «إلياذة الجزائر»، وأثنوا على هذا العمل الثقافي الجبار الذي يعتبر حدثا استثنائيا في الأدب العربي إذ لم يعرف التاريخ الانساني إلا إلياذة هوميروس التي تحكي القصص والأساطير اليونانية. وعلى هامش هذا الاحتفاء، كتب ناقد أدبي وهو الأستاذ عبد النبى بن ديلة ملاحظات على هذه الالياذة في مجلة «المجاهد» الأسبوعية بعد أن أثنى على هذا العمل وتأسف لعدم توزيعها بشكل واسع.
ورد الأستاذ مولود قاسم على تلك الملاحظات النقدية في نفس المجلة. ونظرا للمعلومات الجديدة التي تضمنها خاصة الاحصائيات المتصلة بطبع الالياذة وتوزيعها، قررت إعادة نشره هنا. وأتمنى أن يقوم المشرفون على الطبعات القادمة لهذه الإلياذة بإضافة هذا النص إليها.

دفاع مولود قاسم عن الإلياذة
«الأخ مدير مجلة المجاهد الغراء، بعد التحية،
نشرتم في العدد 1377 الصادر في 26/12/1986م كلمة طيبة جدا، مضمونا وروها وعنوانا للأستاذ عبد النبى بن ديلة عن الياذة الجزائر لفقيدنا الكبير المرحوم مفدى زكرياء، أوافق الأستاذ عبد النبي كل الموافقة على ما جاء فيها إلا في نقاط ثلاث، إحداها شكلية راجعة لاشك ليس إلى النسيان وإنما إلى إغفال لدى الطبع، وأخرى بسبب سهو هي أيضا، ولكــــــن واحدة منها، وهي الأولى في المقال، كبيرة جدا، لعلها راجعة إلى غياب طويل للأستاذ عبد النبي عن الجزائر، وانقطاع عن تتبع – أو وصول- أخبار الجزائر.
فلنبدأ بها حسب ذكرها هنا في هذه الرسالة، لا حسب تتابعها في مقال الأستاذ:
(1) جاء في آخر العمود الأول وبدء الثاني من المقال، في تعليل انعدام الملحمة في الشعر العربي القديم، قوله : «ورغم أن هناك تحولات اجتماعية كبيرة حدثت في المجتمع العربي، إلا أنها لم توجد ملحمة عربية نتيجة المحافظة على عمود الشعر العربي»، ولكن الشعر العمودي لا ذنب له اطلاقا فى هذا، ويكفينا دليلا على هذا انتصاب الياذة الجزائر لمفدى بأخذها قوام الشعر العمودى بالضبط والتدقيق، الشعر الفحل الجزل، وفي هذا يقول مفدى في الإلياذة، مقارنا بينها والياذة هوميروس:

وران على البعض حمق وجهل *** وأغرقهم في السخافات وحل
وقالوا: قصيدك شعر قديم  *** يكبله بالتفاعيل غل
وما حيلتي وإن يك شعرهم *** دخيلا وشعري يزكيه أصل
وان يكن شعر الخنافيس خنثى *** فشعري صريح الرجولة، فحل
وقالوا : مدحت به الحاكميـــن ***  ومدح ذوي الحكم يجفوه عقل
ولو أنصف الغشم قالوا : وصفت ***  ووصف البطولات فضل وعدل
ولن ينكر المجد إلا الجبان ***  ولن يجحد الفضل إلا العتل
وقالوا : انحرفت بالياذة ***  تلوم الشباب ومثلك يعلو
هوميروس أرخ .. لم ينتقد ***  وشهنامة الفرس بالوصف تغلو
فقلت: وشعر الخرافات يفنى! ***  وشعر البطولات لا يضمحل
شغلنا الورى، وملأنا الدنا 
بشعر نرتله كالصلاة
تسابيحه من حنايا الجزائر

إشارة واضحة إلى أن الياذة الجزائر تمتاز عن غيرها بكونها وصفا لحقائق، وتسجيلا لوقائع، مع التحذير من مغبات وقعت فيها أمم في قمة التقدم ونحن في أولى درجات السلم من جديد.
(2) الملاحظة الثانية: جاء في آخر العمود الثاني ما يأتي:
«عندما تصدى الشعب الجزائرى لكل الغزاة من وندال ورومان وفينيقيين واسبان»، فذكر الفينيقيين بعد الوندال، ونسي البيزنطيين فهنا خطأ في الترتيب الزمني من جهة، وإغفال أو نسيان، من جهة ثانية وأكثر من هذا كله: نسي أقرب استدمار إلينا في الزمان وأعتاه وألعنه: الفرنسي!
(3) والثالثة، وهي كبراها.. وليسمح لي الأستاذ أن أنبِّهه إليها برفق وعتاب: وهي الفقرة الأولى من مقاله، إذ كتب: «ها هي إلياذة الجزائر لشاعر الثورة مفدي زكرياء تخرج إلى النور بعد أن كانت مخزونة في الأدراج». ويكتب هذا في ديسمبر 1986م! والحقيقة أن إلياذة الجزائر لمفدي زكرياء كانت قد نشر نصفها الأول كملحق لمجلة «الأصالة» في خمس وعشرين ألف نسخة شهرا بعد انشادها منه في افتتاح الملتقى السادس للفكر الاسلامي في قصر الأمم سنة 1392ه/ 1972م، ثم نشرت كاملة: ألف بيت وبيت، في الجزء الأول من كتاب الملتقى السادس للفكر الاسلامي في خمس وعشرين ألف نسخة وزع أغلبها مجانا في الملتقى السابع للفكر الاسلامي في تيزي وزو وبعد الملتقى. ثم نشرت في خمس وعشرين ألف نسخة أخرى في ترجمتها إلى الفرنسية بقلم الأستاذ الشاعر محمد الطاهر بوشوشی، رئیس قسم الترجمة بجامعة الجزائر، أي في الجملة وزعت الإلياذة بأكثر من خمس وسبعين ألف نسخة قبل 1974م.
وأخيرا طبعتها سنة 1986م وزارة الإعلام، كما تقولون، ووزارة التربية أخيرا، ووزارة الشؤون الدينية، التي هي بصدد طبعها من جديد! فالإلياذة لم تخرج إذن لأول مرة إلى النور في ديسمبر 1986م، بعد أن كانت مخزونة فى الأدراج، إذ خرجت في وقتها، وبعد شهر من إنشاد نصفها – الأول، في صيف 1972م !
وأضيف للأخ عبد النبي أن الإلياذة قد صدرت أخيرا، في طبعة وزارة الثقافة كاملة في ثلاث أسطوانات كبيرة وكاملة في ستة أشرطة كاسيطات، في طبعة ودادية الجزائريين في أوروبا، بالعربية، وهي بصدد الطبع كاملة في كاسيطات بالفرنسية في طبعة الودادية أيضا، بطلب كثير من أبناء جاليتنا في أوروبا!
والإلياذة تستحق كل هذا وأكثر فهي كما سبق لي أن كتبت في غير هذا المكان، أشمل وأجمل كتاب تاريخ للجزائر الخالدة، والخلود لله وأنتم أيضا، يا أستاذ عبد النبي ومجلة «المجاهد»، تستحقان الشكر على إشادتكما بها وعلى دفعنا إلى خربشة هذه الكلمات بإثارتكما الموضوع!».