رحلة بني صاف بالغرب الجزائري
أ د. عمار طالبي/ إنها رحلة ساحلية، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، غرب وطن الجزائر، أذن بهذه الرحلة المباركة وزير المجاهدين ومساعدوه للاستراحة في مركز الراحة للمجاهدين في ساحل رشقون وقد أخبرني الأستاذ الكبير الأخ عبد الحفيظ بورديم في زيارة لي أنها كانت تسمى في الأصل بـ: أرشقول وهي الاسم الأمازيغي الأصلي ثم وقع تحريفه، …

أ د. عمار طالبي/
إنها رحلة ساحلية، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، غرب وطن الجزائر، أذن بهذه الرحلة المباركة وزير المجاهدين ومساعدوه للاستراحة في مركز الراحة للمجاهدين في ساحل رشقون وقد أخبرني الأستاذ الكبير الأخ عبد الحفيظ بورديم في زيارة لي أنها كانت تسمى في الأصل بـ: أرشقول وهي الاسم الأمازيغي الأصلي ثم وقع تحريفه، وهو ساحل جميل تحيط به جبال صخرية، وبه جزيرة صغرى تبدو للناظر عن قرب، ويحكى أنها كانت بها مواش ويبدو أنها معز لرجل أسباني، وفكر بعض الشباب الجزائري في أن يقضوا على ماشيته فأخذوا ذئبا وأنزلوه بالجزيرة، فما كان منه إلا أن بقر بطونها ولم يبق منها معزة واحدة، فأفلس الرجل وقرر الرحيل من هذه الجزيرة نهائيا. وهذه من حيل الشعوب حين يقاومون الاستعمار والمحتلين.
فهذا الساحل رشقون كما يسمى الآن ذو جمال طبيعي أخاذ، وبه فندق ولكن تنقصه النظافة، وهذا نلاحظه في بقية السواحل، التي زرناها ويبدو أن البلديات لا اهتمام بها بنظافة البيئة وهذا ما يزهد الناس في السياحة في هذه السواحل الجميلة في طبيعتها ولكن الفضلات وأكياس البلاستيك المتناثرة شوهت هذا الجمال الذي خلقه ذو العزة والجمال والجلال فهذه المرتفعات التي تعلو البحر وتعانقه تجعل الزائر يسبح ذا الجلال، البديع في خلقه، فلا يظهر في خلقه فساد ولا قبح إلا بما كسبت أيدي الناس في البر والبحر.
ولعل مناهج التربية عندنا وأسرنا أيضا لا تعنى بالتربية الجمالية والذوق الجمالي، ولطالما نبه القرآن إلى مباهج الطبيعة، والحيوانات {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} حدائق ذات بهجة، والنخل باسقات، وطلح منضود، وماء مسكوب، وجنات وعيون، وأمم من الطيور والحيوانات، ونظام أمة النمل والنحل لقوم يعقلون ويتأملون.
زارني إخوة لي من تلمسان مرة أولى، كان قد زارني الأستاذ العزيز الأديب عبد الحفيظ بورديم بجامعة تلمسان ونور الدين الموثق الكريم، فزرنا عدة مواقع وبلديات من بني صاف، وهو ميناء قديم، ومدينة كبرى منها ما هو منخفض مع البحر ومنها ما هو مرتفع عن البحر ويطل عليه فرأينا الناس تسبح في شاطئه وآخرين يتاجرون بالأسماك في الميناء.
وزارني مرة ثانية الشيخ الفاضل شيخ تلمسان بن يونس آيت سالم حفظه الله، وعبد الله بن منصور، ونصر الدين الواد ومعهم الأستاذ عبد الحفيظ بورديم مرة ثانية.
وهذه المرة زرنا المدينة وجلسنا في مقهى تقع أعلى المدينة وتطل على البحر، وتشعر بجمال نسيمه وأمواجه الهادئة في موقع شبه خليج، واستمتعنا بنسيم هذا الموقع الجميل وزارنا شباب جمعية تاشفين وكلهم أدب، ونشاط.
ومن جملة المعالم التي زرناها مسجد المدرسة، وهي المدرسة التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كان يديرها الشيخ رضا بن الشيخ الحسين رحمه الله. وذلك يوم الاثنين 21 جويلية 2025 وصلينا بها صلاة المغرب، وأخذت لنا صورة تذكارية هنالك وبعدها اتجهنا إلى شاطئ رشقون عائدين.
إلا أننا قبل ذلك في زيارتنا الأولى والثانية زرنا قرية الزوائف وهي قريبة تعلو البحر ويقع البحر أسفل منها وبه خليج صغير، وترى الناس ينزلون إليه زرافات ووحدانا مع عمق الطريق إليه ومررنا على قرية بن غانم، وسيقا، وكان هناك ضريح الأمير النوميدي وهو سيفاكس، وقد نصب له تمثال، وكنا وددنا أن نقف على ضريحه ولكن لم يسعفنا الوقت وتبعد عن شاطئ رشقون مرسى هنين، وطن الخليفة الموحدي الكومي الندرومي عبد المؤمن ابن علي الذي أسس مع ابن تومرت دولة الموحدين العظمى، ويكثر أثناء الاحتلال الاسبان المعمرون والفرنساويون في هذه المنطقة، احتلوا مزارعها والأراضي الخصبة بها، وترى آثار المعمرين الفرنسيين.
ويبدو أن الجفاف أصاب هذه المناطق في الغرب الجزائري فترى الأشجار ذابلة، والحقول غير محروثة في كثير من المواطن، وبعضها مهمل يحتاج إلى فلاحين شباب، يستثمرون في وطنهم ويعملون بدل أن يغامروا وينتحروا في البحر للوصول إلى أوروبا، وبلادهم في حاجة إليهم وهم في حاجة إليها، وما أغنى هذا الوطن العزيز بأرضه ومعادنه وتله وصحرائه.
ولكن غفل عن هذا كله شبابنا الذي يزهد زهدا عجيبا في العمل الفلاحي، وهو الإقلاع الاقتصادي الحقيقي، ويبدو أنه قد تفطن أولو السلطة اليوم إلى هذا فأخذوا يشجعون الاستثمار في الصحراء الولود، ولعل هذا الاهتمام وهذا السعي يؤهلنا أن نصل إلى الأمن الغذائي، ونستغني عن الخارج في استيراد القمح ثم الحبوب والبقول والحليب ومشتقاته. وفقنا الله لخير البلاد واستثماره.
وينبغي أن نشير إلى أننا وجدنا في زيارتينا لمدينة مستغانم أنها كانت نظيفة وجميلة في مدينتها وفي شاطئها، وهذا ما سرّنا جدا وجعلنا نتمنى العودة إليها.