مذكرات الدكتور عبد القادر فضيل (1932-……) [الجزء الثاني]

إعداد أ. عيسى عمراني/ مهندس التعليم الأساسي بعد أن ذكر الكاتب ثلاثة أحداث مهمة عاشها في حياته، يضيف في موضع آخر أن أهم المراحل التي مرت به، كانت أواخر العشرية الثانية بعد الاستقلال، وبداية العشرية الثالثة، حيث عيّن فيها مديرا للتعليم الأساسي بوزارة التربية الوطنية، في عهد الوزير الأسبق « محمد الشريف خروبي» الذي كان …

سبتمبر 17, 2025 - 18:04
 0
مذكرات الدكتور عبد القادر فضيل  (1932-……) [الجزء الثاني]

إعداد أ. عيسى عمراني/

مهندس التعليم الأساسي
بعد أن ذكر الكاتب ثلاثة أحداث مهمة عاشها في حياته، يضيف في موضع آخر أن أهم المراحل التي مرت به، كانت أواخر العشرية الثانية بعد الاستقلال، وبداية العشرية الثالثة، حيث عيّن فيها مديرا للتعليم الأساسي بوزارة التربية الوطنية، في عهد الوزير الأسبق « محمد الشريف خروبي» الذي كان يثق فيه كثيرا، فعهد إليه بهذه المهمة الكبرى، وكان يقول له كلما حاوره: «إني أعتمد عليك وأثق في آرائك وأعتز بها، فلا تبخل علي بالرأي السديد، والنصح الرشيد»، وهذا بغرض الشروع في تطبيق الإصلاح التربوي، واتباع السياسة التعليمية الوطنية التي أقرتها أمرية 76 .
انطلق الرجل في العمل المكلف به، متمثلا في تطبيق نظام التعليم الأساسي، الذي أصبح جزءا من سياسة الدولة، ولكن معالي الوزير، سرعان ما بدأت نظرته تتغير نحوه وتفتر، إذ بدا له أنه متشدد في الدفاع عن قناعاته، وهو الذي يبحث عن مدير مساند له، كون الوزير منفذا للقرارات، لا صانعها – كما قال- مما جعله يستغني عنه، الأمر الذي جعل الدكتور يفكر في الانسحاب نهائيا، من كل الأعمال المتعلقة بالمشروع، لولا أن ثمة من أشار إليه بمواصلة العمل، مقدما المصلحة العامة للوطن وجعلها فوق كل اعتبار، فاستجاب وواصل مسيرته منجزًا الكثير، ابتداء من فكرة النظام التربوي الجديد، حتى لقب بـ»مهندس التعليم الأساسي».

خاصيات التعليم الأساسي
بذل الدكتور فضيل جهودا كبيرة من أجل إنجاح تجربة التعليم الأساسي الذي يعدّه الحصن الحصين للنظام التربوي، وقاعدته الصلبة التي بني عليها، ويحصر مميزاته في جملة من الخاصيات:
1- وضوح الاتجاه الفكري والتربوي الذي بني النظام على أساسه.
2- دقة الأهداف التي حددها الاتجاه التربوي ووضّح معانيها.
3- تمديد فترة التعلّم الإلزامي، وضمان توفيره للجميع مدة تسع سنوات.
4- تكامل الجانب المعرفي الذي تقدمه المدرسة، مع الخصوصية الوطنية وحاجات البلاد.
5- الاهتمام بالمعرفة العلمية، وارتباطها بالجانب العملي (الذي يوظف المعرفة).
ويذكر أن المرحلة التأسيسية تميزت بالوضوح في الاتجاه، والتنوع في المعارف، والدقة في التفكير، والانسجام في المبادئ والأبعاد.

المعركة اللغوية في الجزائر
عرفت الجزائر المستقلة صراعا لغويا بين المدافعين عن اللغة العربية الوطنية الرسمية في البلاد، ودعاة الفرنسة، فتأسست لجنة التعريب من قبل حزب جبهة التحرير الوطني
(الحزب الوحيد آنذاك)، وكان الدكتور «فضيل» أحد أعضائها، ونائب رئيسها، وهي التي جعلت نشاطها منصبا على بث الوعي، والإفصاح عن قيم الأمة، والتعبير عن شخصية المجتمع، وخصائصه الحضارية، فهيأت الندوة الوطنية للتعريب التي تم عقدها في 12 ماي 1975م اهتمام المسؤولين، وحمّسهم موضوعها، وأبدى الرئيس «هواري بومدين» كذلك اعتناءه بها، وأشرف على تنظيمها وعلى مناقشتها، وأشاد بأهميتها، داعيا المشاركين فيها إلى إيلاء العناية اللازمة لموضوعها، فاتخذت عقبها قرارات لتنفيذ توصياتها، وشرع في تعريب الحالة المدنية، ومختلف المصالح التي تتعامل مع الجمهور، والدعوة إلى مراجعة الخطة السياسية في المجال التعليمي، عملا بما ورد في تقرير الإصلاح للعام 1969م، الذي يرمي إلى إنهاء العمل بنظام التعليم الموروث المطبق آنذاك، وتعويضه بنظام وطني خالص، وحدد هذا التوجه بعد عام من عقد ندوة التعريب، أي العام 1976م. ومنه انطلق إجراء الإصلاح الشامل، الذي صدرت نصوصه في تلك السنة، وقد هيأت له وزارة التربية من قبل، ابتداء من العام 1971م.

– لقاءات واجتماعات
شارك الدكتور فضيل في لقاءات واجتماعات عدة طيلة مساره المهني-التربوي، داخل الوطن وخارجه.
فمن الاجتماعات الهامة التي كان يشارك فيها كثيرا في الوطن العربي بإسهاماته، تلك التي كانت تنظمها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( الألسكو) في البلدان العربية، وتخص عالم التربية، وهو يومها إطار بالوزارة.
كانت اللقاءات تتم في دولة البحرين، ومصر، وليبيا، في الفترة الأولى،
وفي المملكة العربية السعودية، والكويت، وقطر، والمملكة المغربية، في الفترة الثانية.
وبعد انتقال المنظمة إلى تونس، عرف نشاطها تطورا بيّنا، حرصت خلالها دول المغرب العربي – خاصة تونس والجزائر والمغرب – على توحيد الجهود المدرسية، وتنظيم سياسة الاستعمال اللغوي في المدارس، منها ضبط الرصيد اللغوي الأساسي للتلاميذ.
كما قام بزيارة خاصة إلى الصين العام 1991م، مرافقا لوزير الثقافة، استفاد منها في مجال العناية بالجانب الشكلي للكتاب وحمايته من التلف.
ومن الاجتماعات التي تم تنظيمها بالجزائر، وشارك فيها، يخص بالذكر ثلاثة، تدور موضوعاتها حول اللغة العربية، في مجال التعليم خاصة، ولقاءات أخرى كان يسهم فيها بالمناقشة وإبداء الرأي، على غرار الملتقيات الفكرية، والندوات العلمية والجلسات الدينية، التي كانت تنظمها هيئات رسمية وأخرى غير رسمية.

مع الشخصيات
كانت للدكتور فضيل سوانح التقى فيها بشخصيات ذات وزن سياسي وثقافي وفني، وطنيا وعربيا وعالميا، جاء ذكر بعضها مبثوثا في ثنايا المذكرات.
1- مع الرئيس الراحل «هواري بومدين»: استقبل الدكتور فضيل الرئيس الراحل «هواري بومدين» بقصر الأمم العام 1975م، بمناسبة انعقاد الندوة الوطنية للتعريب، التي كان رئيسا لها ومسيرا لأعمالها، وألقى الرئيس بومدين كلمة ثم انصرف، فطلب منه ‘فضيل» العودة في الجلسة المسائية فوافق، وقبْل الجلسة قال له: « حاول أن تلقي كما خططت»، وبقي بالقاعة من الثالثة مساء إلى الثامنة، كان يتدخل حينها بين الفينة الأخرى، مؤكدا على أهمية الموضوع، واستُغلت كلمته في توجيه جهود الندوة، واستثمار أعمالها.
2- مع الملك الحسن الثاني: على هامش الاجتماع الرابع للمنظمة العربية للتربية، المنعقد بالرباط، حضر الدكتور فضيل أحد الدروس الحسنية، وكان له لقاء مع الملك الحسن الثاني، والتقطت له صورة تذكارية معه، ويرجّح أن هذا اللقاء تم بعد إحالته إلى التقاعد، وقد زار هذا البلد مرات قبلها.

3- مع الأستاذ الديبلوماسي عبد الحميد مهري: اشتغل الدكتور فضيل مع الأستاذ «مهري» أستاذا بمعهد المعلمين ببوزريعة بالجزائر العاصمة ومفتشا، حيث كان «مهري» مديرا له، وقد تأثر بأفكار «الحكيم» الوطنية ونظرته السياسية.
كما رشحه – مهري- للعمل معه حين أصبح رئيسا للهيئة المغاربية الهادفة إلى تطوير وضع اللغة العربية في المدرسة المغاربية، فأسهم في ضبط الرصيد اللغوي الأساسي للمدارس المغاربية، والعمل بلجان الحصيلة اللغوية الخاصة بتأليف كتب السنوات الثلاث في أقطار المغرب العربي.
أرفق الدكتور فضيل مذكراته بكلمة تأبينية عنه عنوانها « العظماء لا يموتون» عدّد فيها مناقب الرجل، من استقامة فكرية، وتواضع خلقي، وآراء واضحة، وإسهام كبير في مختلف أنواع النضال، إبان الفترة الاستعمارية، وفي الجزائر المستقلة…

4- مع المفكر «مالك ابن نبي» : ألقى الطالب «فضيل» العام 1966 قصيدة بمعهد الدراسات العربية بالعاصمة، أمام المفكر «مالك ابن نبي»- المدير العام للتعليم العالي وقتئذ – بمناسبة اختتام الموسم الدراسي، وإغلاق المعهد في تلك السنة، فتوجه إليه فيلسوف الجزائر، وشكره عليها، وعلى الأفكار التي تضمنتها.

5- مع الأستاذ مولود قاسم: وزير التعليم الأصلي والشؤون الدينية سابقا.
نظم الشاعر «فضيل» حوارا شعريا غزليا، عنوانه: «إنّ هذا ليس بالأمر الحرام»، استوحاه من صورة قدمت له، لعالم من اليمن كان يحضر ملتقيات التعرف على الفكر الإسلامي، التقطت له مع فتاة فرنسية بفندق بالجزائر، فطلب منه الأستاذ « مولود قاسم» أن يلقيها على مسامع الحاضرين المشاركين في الملتقى المنعقد بمدينة عنابة العام 1976م، فتردد قائلا:» ربما ليست مناسبة للمقام»، فقال له الوزير : «الشعر، كل الظروف مناسبة له»، وبقي يلح عليه حتى قدّمها.(أدرجت أبيات منها بالحلقة الأخيرة).

6- مع الشيخ أحمد حماني: الرئيس الأسبق للمجلس الإسلامي الأعلى، أحد تلاميذ الإمام ابن باديس.
كان لهذا الرجل الفضل – بعد الله- في دخول الدكتور فضيل إلى معهد الدراسات العربية دون حصوله على شهادة البكالوريا قائلا له : « ظنّ خيرًا يا بني»، ذلك أنه عرف مستواه، بعد أن اطلع على قصائده وأبدى رأيه فيها، خاصة القصيدة التي بعث بها للمشاركة في مسابقة تجديد النشيد الوطني.( أدرج مقتطفا منها).

7- مع نجوم فيلم الرسالة:
على هامش اجتماع انعقد بليبيا من قبل مؤتمر التعريب، حضره وزير الإعلام الليبي، ورئيس لجنة التعريب الجزائري» عبد القادر حجار» ونائبه الدكتور «فضيل»، تزامن ذلك مع وجود فريق فيلم «الرسالة» أيام تصويره بليبيا ما بين سنتي(1974م، 1975وم)، فكان لهم لقاء وحوار معهم، تعرفوا من خلاله على الممثل المصري، «عبد الله غيث» الذي أدى دور «حمزة بن عبد المطلب» في الفيلم، و»أنطوني كوين» ممثل الدور نفسه في النسخة الإنجليزية، وغيرهما…

مع الدبلوماسي الجزائري «الأخضر الإبراهيمي»

 

مع الرئيس الراحل «هواري بومدين» سنة 1975

 

مع الممثل المصري «عبد الله غيث»