رمضان.. شهرُ الصبرِ في غزة
د.خديجة عنيشل/ سيشفعُ الصيامُ لأهلِ غزة يوم القيامة بإذن الله؛ سيقولُ الصيامُ: ربي إني منعتُهُم الطعامَ والشرابَ والشهواتِ بالنهار وإنهم صاموني إيماناً واحتساباً برغمِ الحصارِ والألمِ والتجويعِ وتكالبِ الأعداء عليهم. وسيقولُ الصيامُ أيضاً: ربي إنَّ أمَّةَ المليارَيْ مسلمٍ منعتْ أهلَ غزةَ الماءَ والغذاءَ والحاجةَ أكثرَ من عامٍ كامل فهل لهم من صيامٍ وهل لهم من …

د.خديجة عنيشل/
سيشفعُ الصيامُ لأهلِ غزة يوم القيامة بإذن الله؛ سيقولُ الصيامُ: ربي إني منعتُهُم الطعامَ والشرابَ والشهواتِ بالنهار وإنهم صاموني إيماناً واحتساباً برغمِ الحصارِ والألمِ والتجويعِ وتكالبِ الأعداء عليهم. وسيقولُ الصيامُ أيضاً: ربي إنَّ أمَّةَ المليارَيْ مسلمٍ منعتْ أهلَ غزةَ الماءَ والغذاءَ والحاجةَ أكثرَ من عامٍ كامل فهل لهم من صيامٍ وهل لهم من شفاعة؟؟!! هل نُدركُ معنى أن ندّعي الصيامَ وإخوةٌ لنا يتضوّرونَ جوعاً وألماً؟؟ !! لماذا نصمتُ أمامَ سياسةِ تجويعٍ تمارسها دولةُ الصهاينة في حق إخواننا الغزيّين؟؟ كيف نشهدُ زوراً أننا أمةٌ واحدة وأننا صائمون إيماناً واحتساباً؟؟ هل من الإيمان أن أرى أخي يفترسُهُ الجوعُ والعطش وأدّعي الصيام؟ هل من الإيمان أن أرى أخي يُعذَّبُ بالقهرِ والتجويعِ وأواصلُ حياتي دون أن اكترث؟ ليس لله حاجةٌ في أن تدعَ أمةُ المليارَيْ مسلم الطعامَ والشرابَ وأهلنا يتجرَّعون أسى الخذلان وحُزنَ الفقد وألمَ الجوع والعطش. إلى متى تظلُّ هذه الأمةُ مثلَ نعامةٍ تدُسُّ رأسَها في التراب؟ إلى متى نظلُّ نشهدُ زوراً إننا أمةٌ واحدة وفي شهر الصيام نرى إخوانَنا جوعى مُحاصَرين: معابرُ مغلقة وغذاءٌ مقطوع وماءٌ ممنوع !! أين مُروءَةُ العرب؟ وأين تضامنُ المسلمين؟
عجزنا حتى عن رفعِ الصوتِ بالشجب والإدانة، عجزت أمةُ المليارَيْ مسلم أن تكون مثلَ جريدةٍ من ورق!! فقد طالبت صحيفة «فايننشال تايمز» في افتتاحيتها إدارةَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالضغط على حكومة النتن ياهو للسماحِ بوصولِ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مُتّهمةً حكومةَ الاحتلال بأنها تستخدمُ المساعداتِ كأداةِ حرب. ومثلها فعلت صحيفةُ نيويورك تايمز في تقريرٍ لها عن حالِ الفلسطينيين في رمضان حيث قالت: «إن الفلسطينيين الذين أُجبِروا على النزوحِ من منازلهم .. يواجهون وضعا يائساً في شهر رمضان، و«اقتصر صخبُ أسواقِ رمضان على عددٍ قليلٍ من المتسوقين الكئيبين». لقد عجزنا عن إيصالِ صوتِ إخوانِنا الصائمين الذين تُعذّبُهم دولةُ الاحتلالِ المجرمة بالتجويع وإغلاقِ المعابر ومنعِ المساعدات، ونشاركها نحنُ بالصمتِ المطبق والجُبن الشديد!!
عجزنا نحن أمةَ المليارَيْ مسلم عن أن نُقدِّمَ محتوى إعلامياً يتساوقُ مع آلامِ إخوانِنا في غزة وفلسطين فظهرت شاشاتُنا التلفزية في رمضان مُفرغةً من قيمِ رمضان الحقيقية التي على رأسها الإحساسُ بوَجعِ أهلِنا هناك والشعورُ بمعاناتهم . جاء رمضانُ ليجدَنا في نفسِ دَرَكِ الهوان والخذلان، وفي ذاتِ وضعِ الذلّةِ والصَّغار نصومُهُ عادةً لا عبادة، فإن التعبُّدَ لله بالصيام يقتضي أن نرفعَ الظلمَ عن المظلومين، وأن نجهرَ بالحقِّ في وجهِ الغاصبين، وإن لم نستطعْ ذلك فلا أقلَّ من إعلامٍ هادرٍ ينقلُ معاناةَ إخواننا في غزة إلى العالَمِ أجمع لتتحرك موجاتُ الشجبِ والرفضِ والإدانة لدولةِ الكيانِ المارقةِ المجرمة. ولا أقلَّ من دراما حقيقية تعيدُ للقضيةِ الفلسطينيةِ وهَجَها، وتُرسِّخُ في الأذهانِ قيمَ المقاومةِ والكفاح من أجلِ الأقصى الشريف والعرضِ العفيف فإنَّ تغييبَ غزة عن دراما رمضان هذا العام، وتحييد فنّ المقاومة لَهو خذلانٌ آخر يُضافُ إلى متتاليةِ الخذلانِ العربيِّ المرّ والمهين.
جاء رمضانُ ليجدَنا كُسالى نائمين نتابعُ دراما الشذوذِ والعنفِ والفحشِ في القولِ والعمل، وسكاتشاتِ التفاهةِ والبذاءةِ والترفيهِ الأعمى .. ووالله لا شيء يُضحِكُ إلا وضعُنا المُخجِل البئيس الذي جعلنا أضحوكةَ الدنيا ومسخرةً للعالمين.
إن رمضانَ هو عبادةُ التَّرك تركُ الشهوة فلماذا لم نتعلم كيف نتركُ مواضعَ الدنيّة والعار، وإن رمضانَ هو عبادةُ التخلّي .. التخلي عن المُفطرات فلماذا لم نتعلم كيف نتخلّى عن لَبوسِ الهَوان والضَّعَة، وإن رمضانَ هو عبادةُ الرفض .. رفضُ نوازعِ الشر فلماذا لم نتعلم كيف نرفضُ الظلمَ المُسلّط على رقابِ إخواننا في غزة وفلسطين؟ لماذا لم نتعلم كيف نرفضُ الذل والخنوع لإرادةِ العدو الذي نراهُ كلَّ ساعةٍ يُمعنُ في ذبحِ أهلِنا أهلِ الرباط والجهاد؟؟
يجيءُ رمضانُ هذا العام ليشهدَ أننا لم نصمهُ إيماناً فإيمانُنا منقوصٌ مَجذوذ، ولم نصمهُ احتساباً فإننا لم نكن سوى مُضربينَ عن الطعام. يجيءُ رمضانُ هذا العام ليشهدَ لأهلِ غزة – الذين هم أهلُ الله وخاصّتُه- بأنهم صاموهُ إيماناً حقيقياً واحتساباً فعلياً وسيشفعُ لهم يومَ الحسابِ العظيم يوم لا ينفعُ مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم وسيتقدّمهم بإذنِ الله إلى جناتِ النعيم حيثُ الخلودُ الأبديُّ والراحةُ العظمى، وليشهدَ أن أهلَ غزة مربوطونَ بحبلِ السماء يدعون ربَّهم: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ فَفَتَحنَا أَبوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءࣲ مُّنهَمِرࣲ﴾.