صمتُنا مجزرة
لم يترك الصهاينة، في حرب الإبادة التي يشنّونها منذ قرابة سنة ونصف على الفلسطينيين، جُرما قديما أو حديثا إلا واقترفوه، حتى تعددت المجازر وتكاثرت وتشابهت، ولم يتركوا طريقة لاستفزاز الأمة العربية والإسلامية، إلا ومارسوها علنا، بكثير من التحدي والإصرار والعنجهية، حتى إنهم أنهوا الحرب، ثم عادوا إليها، وهم يعلنون صراحة أنهم لن يتوقفوا حتى يمسحوا […] The post صمتُنا مجزرة appeared first on الشروق أونلاين.


لم يترك الصهاينة، في حرب الإبادة التي يشنّونها منذ قرابة سنة ونصف على الفلسطينيين، جُرما قديما أو حديثا إلا واقترفوه، حتى تعددت المجازر وتكاثرت وتشابهت، ولم يتركوا طريقة لاستفزاز الأمة العربية والإسلامية، إلا ومارسوها علنا، بكثير من التحدي والإصرار والعنجهية، حتى إنهم أنهوا الحرب، ثم عادوا إليها، وهم يعلنون صراحة أنهم لن يتوقفوا حتى يمسحوا فلسطين من جغرافية العالم وتاريخه.
في زمن الحروب التقليدية بين الكيان الغاصب والعرب من دير ياسين إلى قانة، كنّا نعدّ المجازر المقترَفة في فلسطين ولبنان وسوريا ومصر، ونذرف الدموع على ذكراها، ونتوعد بالرد، ولكن هذه المرة اختلطت المجازر وكثُر الشهداء من الأطفال والمرضى، فما عاد بمقدورنا تذكّر ما فعله العدو بنا من مجازر، فكيف الردّ إذن؟
على قلة المظاهرات والاستنكار والتهديد والوعيد في بداية الحرب العالمية الإرهابية على غزة، كنا نرى الأمر أشبه بالاستسلام والانبطاح والخنوع، لكن مع عودة الصهاينة إلى جرائمهم، بدا الأمر وكأننا تجاوزنا الاستسلام إلى اللامبالاة والصمت الذي نظنُّه مجزرة لا يختلف عما يرتكبه الصهاينة في أرض غزة.
لقد أصبح صمت البشرية إزاء تصفية العرق الفلسطيني، مهينا للإنسان الذي قدَّم على مدار قرون، مواثيق سلم واتفاقيات أخلاقية، وأنتج منظمات حقوقية ودولية وأممية وسنّ قوانين تمنع قطع الشجر وقهر الحيوانات، فما بالك بعملية إبادة لعرق بشري، لم يحدث مثيلٌ لها إلا مع الإنسان الأبيض، عندما أباد الهنود الحمر في القارة الجديدة، وبنى على أشلائه حضارة مزيَّفة.
لكن صمت الأمة الإسلامية وهي تُصبح وتُمسي، على المجازر وتتابع بالعين والأذن الانتهاكات التي تطول بيت المقدس، وتدرك أنها ستُؤكل عندما يؤكل “الثور الأبيض”، هو المصيبة الكبرى التي منحت للشر والباطل القوة، وجرّدت الخير والحق من الدعم ولو بأضعف الإيمان.
الذي يتهم الأنظمة العربية ويحمّلها لوحدها هذا الصمت المجزرة، والذي يهرب إلى سجوده، ليقدِّم لأطفال فلسطين الأدعية المأثورة فقط، ثم يزعم أنَّ قلبه معهم، والذي يذرف الدموع ويتذكَّر انتصارات الأمة في غزوات الماضي، من دون أن يفكِّر في غزوة الغزوات، هو بالتأكيد هارب إلى الأمام، وطال المسار أم قصُر، فسيلتقي هناك مع صانعي المجزرة، هم يقتلون إرهابا بالحديد والنار، وهو يقتل بالصمت الرهيب.
يفرض الرئيس الأمريكي عبر رسومه الجمركية، الجزية على البشرية لتبقى الإمبراطورية الأمريكية لسنوات أخرى طويلة، وبقدر ما يأخذ من الأمم الأخرى، فهو يقدِّم للمشروع الصهيوني الكبير، الذي لا يريد للآخرين البقاء، حتى ولو ارتضوا أن يكونوا عبيدا للإمبراطورية الأمريكية، التي صارت لا تغرب عنها الشمس، ولا يغيب عنها السحاب الممطر بالثراء.
وإذا تواصلت الإبادة والمجازر والتجويع الجهنمي وتواصل صمتنا المارق، فإن غزة ستكون حلقة أولى من مسلسل لن ينتهي إلا بنهايتنا جميعا.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post صمتُنا مجزرة appeared first on الشروق أونلاين.