في عالم التحولات الكبرى.. الجزائر تصوغ موقعها بدبلوماسية ذكية

في هذا اليوم، الثامن من أكتوبر، الذي يوافق اليوم الوطني للدبلوماسية الجزائرية وذكرى انضمام الجزائر إلى منظمة الأمم المتحدة سنة 1962، تحتفل الجزائر بالذكرى الثالثة والستين لهذا الحدث التاريخي، مستحضرةً مسارها الطويل من النضال إلى الريادة، ومن الدفاع إلى المبادرة في السياسات العالمية. إنه يوم يتجاوز حدود التذكير بالحدث، ليجدد عهد الجزائر مع رسالتها الدبلوماسية [...] ظهرت المقالة في عالم التحولات الكبرى.. الجزائر تصوغ موقعها بدبلوماسية ذكية أولاً على الحياة.

أكتوبر 8, 2025 - 17:13
 0
في عالم التحولات الكبرى.. الجزائر تصوغ موقعها بدبلوماسية ذكية

في هذا اليوم، الثامن من أكتوبر، الذي يوافق اليوم الوطني للدبلوماسية الجزائرية وذكرى انضمام الجزائر إلى منظمة الأمم المتحدة سنة 1962، تحتفل الجزائر بالذكرى الثالثة والستين لهذا الحدث التاريخي، مستحضرةً مسارها الطويل من النضال إلى الريادة، ومن الدفاع إلى المبادرة في السياسات العالمية.

إنه يوم يتجاوز حدود التذكير بالحدث، ليجدد عهد الجزائر مع رسالتها الدبلوماسية التي جعلت من صوتها مرجعًا في عالمٍ مضطرب، صوتٍ يؤمن بأن القوة لا تُقاس بالسلاح، بل بقدرة الكلمة على إقناع الضمير الإنساني وصناعة التوازن في زمن الأزمات.

بهذه الروح، تواصل الجزائر تموقعها الذكي في عالمٍ متعدد الأقطاب، مستندةً إلى قوةٍ ناعمةٍ تصنع التأثير لا الصدام، وإلى فكرٍ يجعل من العدالة مقاومةً، ومن الأخلاق سياسةً.

لقد أثبتت الجزائر أن الدبلوماسية ليست مجرد أداةٍ لتسيير العلاقات بين الدول، بل نهجٌ إنساني قائم على الحوار، والكرامة، والسيادة.

فمن المرافعة إلى المبادرة، تتجلى الدبلوماسية الجزائرية كأداةٍ للتأثير، إذ استطاعت أن تجمع بين الواقعية السياسية والمثالية الأخلاقية، لتصوغ بذلك المعادلة الجزائرية الفريدة: التمسك بالمبدأ دون الانفصال عن الواقع، والإيمان بالعدالة دون التفريط في السيادة.

لقد أصبحت القوة الهادئة عنوان السياسة الخارجية الجزائرية في زمن الأزمات، حيث تؤمن الجزائر بأن القيادة لا تُمارس بالضجيج، بل بالثبات في الموقف، وبالقدرة على صناعة التوازن في عالمٍ مضطرب.

الأمن الجماعي.. رؤية جزائرية لتوازنٍ مستدام

وقد برز هذا التوجه الإنساني والسياسي بوضوح خلال جلسات مجلس الأمن، حيث لفتت الجزائر الأنظار بمرافعاتها القوية بشأن المأساة الإنسانية في غزة.

فقد أدان الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع، الصمت الدولي المطبق تجاه معاناة المدنيين، وخصوصًا الأطفال، قائلاً بوضوح: “السكوت عن تجويع الطفولة جريمة ضد الإنسانية.”

وفي جلسة أخرى، قدّم السفير الجزائري مداخلة مؤثرة استحضر فيها أسماء ضحايا المجازر في غزة، وفي مقدمتهم مريم أبو دقة، الأم الشابة ذات الثلاثة والثلاثين عامًا، والتي قُتلت تحت القصف الإسرائيلي، لتصبح رمزًا للبراءة المغتالة وصرخةً مدوية في وجه اللامبالاة الدولية.

في مشهد مؤثر، عرض بن جامع صورًا لأطفال فلسطينيين استُشهدوا بسبب المجاعة التي يفرضها الاحتلال على سكان غزة، مؤكدًا أن الضمير العالمي لا يمكن أن يظل غائبًا أمام هذه الفظائع.

وأشار إلى أن خمسة صحفيين على الأقل تم اغتيالهم خلال العدوان، بينهم مريم أبو دقة، مشددًا على أن هؤلاء الضحايا لا يجب أن يُعاملوا كأرقام، بل كأرواح تحمل رسائل، ومآسي يجب أن تُحمّل العالم مسؤوليته الأخلاقية والسياسية تجاهها.

الجزائر وإفريقيا.. مشروع نهضة من الداخل

في العمق الإفريقي، تواصل الجزائر استعادة الفعل الحقيقي للقارة في صنع القرار الدولي، انطلاقًا من قناعةٍ راسخةٍ بأن النهضة الإفريقية لا تُمنح، بل تُصنع من الداخل.

فالجزائر وإفريقيا ترتبطان بمصيرٍ مشتركٍ، يقوم على مبادئ السيادة، والتكامل، والعدالة الاقتصادية.

فالموقف لا يُستعار، والدبلوماسية الجزائرية تصنعه بقدرتها على الجمع بين الثبات والرؤية، بين المبدأ والمصلحة، وبين الحزم والإنسانية.

معرض التجارة البينية الإفريقية.. الاقتصاد كجسرٍ دبلوماسي

ومن أبرز الإنجازات الدبلوماسية-الاقتصادية التي ميّزت هذه المرحلة، معرض التجارة البينية الإفريقية المنعقد بالجزائر، الذي شكل نقطة تحول في مسار التكامل القاري.

فقد جمعت الجزائر في هذا الحدث أكثر من 40 دولة إفريقية ومئات المؤسسات الاقتصادية، لتؤكد أن الاقتصاد هو لغة التكامل الإفريقي الجديد.

لم يكن المعرض مجرد تظاهرة تجارية، بل منصة دبلوماسية استراتيجية أعادت التأكيد على أن النهضة الإفريقية تمر عبر التعاون لا التبعية. وأن العدالة الاقتصادية هي الوجه الآخر للسيادة السياسية.

وفي هذا السياق، صرح وزير الدولة للشؤون الخارجية أحمد عطاف أن قيمة عقود الشراكة الموقعة بلغت 48.3 مليار دولار، منها 11.4 مليار دولار للشركات الجزائرية. فيما تصل القيمة الكاملة لحصتها إلى 23 مليار دولار، بحسب معطيات البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير.

وأضاف أن المبادرة التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون بتأسيس صندوق لتمويل المؤسسات الناشئة، موجهة خصيصًا للشباب الإفريقي. لتجعل من الجزائر شريكًا في بناء المستقبل الاقتصادي للقارة.

وأكد عطاف أن طبعة الجزائر للتجارة الإفريقية البينية حققت نجاحًا استثنائيًا، بمشاركة قادة دول وأكثر من 40 وزيرًا، و49 دولة إفريقية و21 دولة من خارج القارة. فيما شهد الحدث حضور 112 ألف زائر، وهو رقم قياسي مقارنة بالتوقعات الأولية البالغة 35 ألفًا.

بهذا، لم يكن المعرض مجرد مناسبة اقتصادية، بل رسالة دبلوماسية في التنمية والسيادة الاقتصادية. تُبرز أن إفريقيا باتت تتاجر وتستثمر مع إفريقيا، وأن الجزائر تتصدر هذا التحول التاريخي كجسرٍ يوصل بين الطموح والإنجاز.

جيل دبلوماسي جديد.. من الخطاب إلى المبادرة

تشهد الدبلوماسية الجزائرية في السنوات الأخيرة بروز جيلٍ جديدٍ من الكفاءات في المحافل الدولية والإقليمية، وعلى رأسها مجلس الأمن.

جيلٌ يجمع بين التكوين الأكاديمي العميق والخبرة الميدانية. ويؤمن بأن الجزائر يجب أن تبقى في موقع المبادرة لا التبعية.

هذا الجيل من الدبلوماسيين الشباب لا يكتفي بتكرار المواقف الرسمية. بل يقدّمها بلغة تحليلية متطورة، تستند إلى بيانات دقيقة ورؤية واقعية.

لغتهم حديثة، منفتحة على قضايا العصر مثل الرقمنة، الأمن السيبراني، العدالة الاقتصادية، والمناخ. مما يجعل صوت الجزائر مسموعًا ومؤثرًا أكثر في النقاشات العالمية.

لقد أصبح حضورهم في مجلس الأمن نموذجًا جديدًا للدبلوماسية الجزائرية المتجددة، التي تمزج بين روح الثورة ووعي العصر، بين المبدأ والحنكة، وبين التاريخ والرؤية المستقبلية. وأصبحوا يجسدون مدرسة جزائرية جديدة في العمل الدبلوماسي، تُخاطب العالم بلسان ثابت وواثق، وتضع مصالح الوطن والإنسان في صميم كل مرافعة.

وتبرز الجزائر، في هذا اليوم الثامن من أكتوبر، بهذه المناسبة كدولةٍ اختارت نهج الدبلوماسية الهادئة والمسؤولة. القائمة على الدفاع عن العدالة والسيادة والتعاون الدولي المتوازن، من خلال دبلوماسيتها النشطة والمتوازنة، التزامها الثابت بمبادئ العدالة، والسيادة، والتعاون المتكافئ بين الأمم.

وهي إذ تواصل مسارها كقوة سلام واستقرار. فإنها تجدد تمسكها بنهج الحوار كوسيلة لحل النزاعات، والتكامل كرافعة للتنمية، والإنسان كغاية لكل سياسة.

إن الجزائر، وهي تواكب تحولات العالم الراهن، تبقى وفيةً لرسالتها التاريخية في الدفاع عن القضايا العادلة. ونصرة الشعوب المظلومة، وترسيخ نظامٍ دولي أكثر إنصافًا وشمولًا.

فهي اليوم لا تكتفي بصناعة التوازن في عالمٍ مضطرب. بل تسعى إلى صناعة الأمل في عالمٍ يحتاج إلى العدالة أكثر من أي وقتٍ مضى.

ظهرت المقالة في عالم التحولات الكبرى.. الجزائر تصوغ موقعها بدبلوماسية ذكية أولاً على الحياة.