لمثل هذا يذوب القلبُ من كَمَدٍ… !
أ. عبد الحميد عبدوس/ رغم خطورة الأوضاع العربية، وتفاقم الأخطار على مستقبل الأمة الإسلامية، فقد كانت القمة الاستثنائية العربية الإسلامية التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، يوم الاثنين 22 ربيع الأول 1447هـ الموافق 15 سبتمبر 2025م، مجرد رقم جديد في سلسلة القمم والتظاهرات البروتوكولية العربية الإسلامية التي ترد على الهمجية والاعتداءات الإسرائيلية بالخطب والبيانات الإنشائية، …

أ. عبد الحميد عبدوس/
رغم خطورة الأوضاع العربية، وتفاقم الأخطار على مستقبل الأمة الإسلامية، فقد كانت القمة الاستثنائية العربية الإسلامية التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، يوم الاثنين 22 ربيع الأول 1447هـ الموافق 15 سبتمبر 2025م، مجرد رقم جديد في سلسلة القمم والتظاهرات البروتوكولية العربية الإسلامية التي ترد على الهمجية والاعتداءات الإسرائيلية بالخطب والبيانات الإنشائية، التي يطويها النسيان قبل أن يجف حبرها. لقد أثبتت دولة الاحتلال الصهيوني منذ قمة بيروت سنة 2002 التي طرحت مبادرة السلام العربية، أنها لا تريد عقد معاهدة سلام مع العرب، ولكنها تسعى لفرض صفقة استسلام عليهم. يمكن القول اليوم أن الكثير من الأنظمة العربية لم تعد ترى حرجا في الخضوع لهذه الرغبة الإسرائيلية.
دور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم يكن خافيا أو ملتبسا، في الهجوم الإسرائيلي الغادر على الدوحة، عاصمة قطر. الهجوم الذي وصفه بيان القمة بـ «الجبان وغير الشرعي» حيث تعمدت إسرائيل، بتواطؤ ومشاركة أمريكية، قصف الوفد الفلسطيني المفاوض، ومن ثمة تدمير مسار المفاوضات حول إيقاف النار في غزة، وإطلاق الأسرى. بيان القمة لم يشر تلميحا ولا تصريحا إلى غدر وغطرسة رئيس الإدارة الأمريكية، بل إن بيان القمة الختامي نص على: «دعم الجهود التي تبذلها الدول التي تقوم بدور الوساطة، وفي مقدمتها دولة قطر وجمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية، من أجل وقف العدوان على قطاع غزة». إدارة الطاغية، دونالد ترامب، الذي نصب نفسه حاميا للمصالح الإسرائيلية، ومدافعا عن جرائمها، رفضت في انتهاك مخز لأخلاق الضيافة واستهتار صارخ بسمعة الأمم المتحدة، منح تأشيرات دخول لممثلي دولة فلسطين لحضور الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستعقد في نيويورك في 22 سبتمبر الجاري. كما لم تتورع إدارة الطاغية، دونالد ترامب، عن استعمال حق النقض (الفيتو) يوم الخميس الماضي (18 سبتمبر الجاري)، بعد ثلاثة أيام من صدور بيان القمة العربية الإسلامية، لإجهاض مشروع قرار مجلس الأمن الدولي الذي طالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة ورفع القيود الإسرائيلية على إيصال المساعدات إلى القطاع، وأيضاً الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين. حصل مشروع القرار الأممي الذي شاركت الجزائر في صياغته، على دعم 14 عضواً من مجلس الأمن، وتفردت الولايات المتحدة الأمريكية بمعارضته. إنه لشيء مرعب حقا، أن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدعي حماية القانون الدولي وحقوق الإنسان وقيم الحضارة الإنسانية على استخدام حق الفيتو للمرة السادسة على مطلب إيقاف جرائم قتل وتجويع المدنيين الفلسطينيين بعد 713 يوما من غزو قطاع غزة.
حركة حماس التي اختارت نهج المقاومة والتصدي بشجاعة وكرامة للاحتلال الإسرائيلي، لم تتردد في تحميل إدارة ترامب مسؤولية العدوان الإسرائيلي على الدوحة، وقالت على لسان عضوها القيادي، سهيل الهندي، بعد صدور بيان القمة العربية: «نحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية هذا الاعتداء، والمطلوب من العالم الحر أن يقول كلمته». أما عضو المكتب السياسي لحركة حماس، غازي حمد، الذي كان ضمن الوفد، الذي استهدفته محاولة الاغتيال الإسرائيلية الآثمة ،فقد قال: «إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يتحدث بلسان الاحتلال، ولم يعد للولايات المتحدة أي مصداقية في المفاوضات، بفعل دعم الإبادة الجماعية في غزة… ترامب أعطى الاحتلال الموافقة على قصف الوفد واغتياله».
دونالد ترامب، الذي يكون قد تجرع نصيبه من الغيظ والخزي والانكسار، من جراء فشل محاولة اغتيال قادة الوفد الفلسطيني المفاوض بالدوحة، سارع إلى محاولة تشويه سمعة حماس وطريقة تعاملها مع الأسرى، وقال في ندوة صحفية بلندن يوم الخميس 18 سبتمبر الجاري: أنه سمع قصصا من الرهائن المفرج عنهم حول الرعب الذي عاشوه قائلا: «سمعتُ قصصًا لم أتخيلها يومًا. لم تكن هناك إنسانية، ولا أي شيء»، واستطرد كاذبا: استقبلت بعض الرهائن المفرج عنهم في البيت الأبيض، وسألتهم : هل عاملكم أعضاء حركة حماس بإنسانية أثناء الأسر؟، فأجابوا كلهم بالنفي». في نفس اليوم (الخميس 18 سبتمبر الجاري) الذي أطلق فيه، ترامب، أكاذيبه عن حركة حماس من لندن، نشرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية موضوعا تناولت فيه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. موضحة أن هده السياسة اعتمدت وعلى مدى عقود على الأكاذيب والتضليل أكثر مما استندت إلى الحقائق والشفافية. والواقع أن الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترمب، قد تفوق على الجميع في مجال الكذب، فهو يكذب ويتحرى الكذب، حتى أنه أصبح يمثل شخصية أكبر كذاب في تاريخ الرؤساء الأمريكيين، ولو أن هناك جائزة عالمية للكذب لفاز بها، دونالد ترامب، عن جدارة واستحقاق . أما بشأن تهديدات ترامب المتواصلة بفتح أبواب الجحيم على حركة حماس وتشويهه المتعمد لطبيعة معاملتها للأسرى، فقد قال القيادي في الحركة، غازي حمد: «لا نخشى تهديدات ترامب بفتح الجحيم، ولا نقبل أن نتلقى تعليمات منه بالتعامل مع أسرى العدو، ونحن نتعامل مع الأسرى وفق قيمنا وديننا، والعالم كله شاهد تعامل حركة حماس وحمايتها واحترامها للأسرى، ونتنياهو هو الذي يقتل أسراه في قطاع غزة، جراء العدوان الذي يشنه على القطاع».
حقا، لقد شاهد العالم بوضوح، بمناسبة إتمام المرحلة الأولى من تبادل الأسرى، التي تمت في شهر نوفمبر الماضي 2023، والتي سمحت بالإفراج عن 105 أسير إسرائيلي. رغم كل أخطار المتابعة والرصد والمطاردة والقصف الذي يتعرض لها مجاهدو حركة حماس بشكل يومي، إلا أنهم ظلوا يحرصون على سلامة أسراهم، بل ويؤثرونهم على أنفسهم في شؤون المعيشة من إطعام وعلاج وتوفير ما أمكن من وسائل النظافة. تجلى سمو الأخلاق الإسلامية ونبل الروح الإنسانية في تعامل فصائل المقاومة الفلسطينية مع الأسرى الإسرائيليين، من خلال شهادات الأسرى الذين أطلقت فصائل المقاومة سراحهم وظهروا في غالبيتهم أمام شاشات التلفزيون وهم يتبادلون تحيات الوداع مع عناصر المقاومة الإسلامية، ويبدون فرحين شاكرين حسن المعاملة التي تلقوها أثناء مدة احتجازهم. لكن مع إصرار المجرم بنيامين نتنياهو على تعريض حياة الأسرى للخطر من خلال تصعيد وتكثيف العمليات العسكرية الرعناء داخل غزة، فقد لا يتمكن الأسرى الباقون في قبضة حماس من البقاء على قيد الحياة أوالعودة إلى أهاليهم كما حدث للأسرى الذين تم الإفراج عنهم سابقا، في عمليات تبادل تفاوضية. هذا ما حذرت منه مؤخرا،حركة حماس بعد الهجوم الإسرائيلي، الوحشي والكاسح على مدينة غزة في الفترة الأخيرة،حيث قالت كتائب «القسام»، إنها «قامت بتوزيع أسرى الاحتلال داخل أحياء مدينة غزة مع بدء الاحتلال توسيع عدوانه على المدينة وارتكاب المجازر وتهجير سكانها. وأوضحت الكتائب في بيان صدر عنها، أنها «لن تكون حريصة على حياة الأسرى، طالما أن نتنياهو، قرر قتلهم، وإن بدء العملية الإجرامية وتوسيعها يعني أنكم لن تحصلوا على أي أسير لا حي ولا ميت، وسيكون مصيرهم جميعا كمصير رود أراد».
أمام هذه المأساة المرتقبة تحاول بعض وسائل الإعلام الأمريكية والغربية تضليل الرأي العام بنشر روايات مختلقة عن خلافات مزعومة بين رؤوس الجريمة العالمية، أي: بنيامين نتنياهو، ودونالد ترامب، حول كيفية التعامل مع قطاع غزة. لكن الحقيقة هي أن المرة الوحيدة التي أشهر فيها دونالد ترامب غضبه من رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كانت في سنة 2020 عندما قدم نتنياهو التهنئة للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الفائز بالانتخابات الرئاسية ضد خصمه دونالد ترامب. وقال ترامب ـ آنذاك ـ غاضبا: «أول شخص هنأ جو بايدن كان «بيبي» – في إشارة إلى بنيامين نتنياهو – الرجل الذي فعلت من أجله أكثر من أي شخص آخر تعاملت معه. كان يمكن لـ«بيبي» أن يظل صامتا. لقد ارتكب خطأ فادحا».
اليوم، يبدو أن كل من المجرم نتنياهو والطاغية ترامب يتعجلان تدمير وغزة وتهجير سكانها وتحويلها إلى مشروع عقاري رابح يسميه الطاعية، دونالد ترامب: «ريفيرا الشرق الأوسط» ويعتبره الإرهابي، بتسلئيل سموتريتش، وزير مالية دولة الاحتلال الإسرائيلي «ثروة عقارية هائلة». ولله الأمر من قبل ومن بعد.