نقص العافية النفسية… أو الخطر الجسيم الذي يهدد نسيجنا الإنساني و الاجتماعي (1)

أ. حسن خليفة/ هذا موضوع ذو بال، بل ذو خطر، وذو أهمية كبيرة، ينبغي علينا الاشتغال عليه، والانشغال به على النحو المطلوب الجاد؛ لأن له علاقة بصحة المجتمع وتماسكه وقوته، وهو أيضا ذو علاقة بما يطمح إليه الأخيار في بلدنا، فيما يتصل برص الصفوف، وتقوية المناعة الداخلية، وزيادة فعالية المجتمع الاجتماعية والنفسية والعقلية والفكرية. ولذلك …

يوليو 28, 2025 - 12:39
 0
نقص العافية النفسية… أو الخطر الجسيم الذي يهدد نسيجنا الإنساني و الاجتماعي (1)

أ. حسن خليفة/

هذا موضوع ذو بال، بل ذو خطر، وذو أهمية كبيرة، ينبغي علينا الاشتغال عليه، والانشغال به على النحو المطلوب الجاد؛ لأن له علاقة بصحة المجتمع وتماسكه وقوته، وهو أيضا ذو علاقة بما يطمح إليه الأخيار في بلدنا، فيما يتصل برص الصفوف، وتقوية المناعة الداخلية، وزيادة فعالية المجتمع الاجتماعية والنفسية والعقلية والفكرية. ولذلك أشعر أن الدندنة حول الموضوع بين حين وآخر مطلوب، بل ضروري.
وفي السطور التالية أعيد التذكيربالأمر كرة بعد كرة …للفت النظر والتنبيه مصداقا لقوله تبارك وتعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات55].
قد تلوح في الجملة السابقة، التي حملت عنوان هذا المقال، بعض ملامح المبالغة والتضخيم، من حيث الإشارة إلى المجتمع بكامله، وهو أمر قد يبدو غير ممكن عند البعض، فالمشكلات والأمراض والعقد والمنغصات مهما عمت واتسع مداها في أي بيئة أو مجتمع، لا يمكن أن تصيب شعبا بكامله، ولكنني أرى خلاف ذلك في هذه المسألة بالذات، أي مسألة نقص الصحة والعافية النفسية لدى أفراد شعبنا في المجتمع الجزائري، لسبب جوهري هي أنها مسألة متعدية، فكلما وُجد «مصاب» فسيكون معه ـ لامحالة ـ آخرون تآثرا، أو اهتماما وشفقة.
إنني أراها عامة ممتدة متغلغلة في تفاصيل النسيج الاجتماعي كله، على امتداد رقعة الوطن الكبيرة. ومن ثم فإنني أقرر أنها مسألة إستراتيجية وحيوية وذات أولوية خاصة، وأن الاهتمام بها هو اهتمام بأمان المجتمع وأمنه القومي البعيد المدى، يشترك كل صاحب مسؤولية في تحمل نتائجها.
إن المسألة في تقديري جد لا هزل ولا لعب معه، فهناك اليوم في نسيجنا الاجتماعي من الظواهر والوقائع والأحداث التي تجري بشكل يومي، ما يسمح بالتفكير بصوت عال في خطر يهدد المجتمع والشعب والدولة على حد سواء وهو خطر «تآكل العافية النفسية»، وافتقاد التوازن النفسي والعاطفي لدى قطاعات وشرائح عريضة من أبناء شعبنا: رجالا ونساء، شبابا، وكهولا، وشيوخا، وأيضا فتيانا وصغارا.
ولستُ أريد التفلسف في المسألة، فأنا أعني ببساطة وبصراحة جارحة فيما يتعلق بـ«تآكل العافية النفسية»…. نقص الصحة النفسية، نقص الأمان النفسي، وتكدر الوجدان، وسيطرة الحيرة والخوف، وكثرة التساؤل عن المستقبل والخوف منه، تضاعف الأمراض النفسية والروحية الحقيقية والوهمية لدى الناس؛ مما نتج عنه كثرة الهروب إلى الدجالين والمشعوذين، والأطباء المزيفين وغير المزيفين والرقاة الأطهار، والرقاة الأشرار الفجار…فضلا عن اللجوء إلى الأخصائيين النفسيين بمختلف مستوياتهم، طلبا للأمان والهدوء، وتجاوز «الاضطراب» الذي يشعر به الكثير، وتشعر به الكثيرات .
كما أعني بتآكل العافية النفسية ببساطة انعدام التوازن في حياة الأفراد ووفرة القلق لديهم، بما جعلهم غير مسيطرين على أنفسهم وعلى حياتهم، وبما يجعلهم ويجعلهنّ في أوضاع غير طبيعية وغير ملائمة وغير صحية، وهذا يؤثر على أدائهم في العمل إن كانوا يعملون، ويؤثر على أدائهم في أسرهم وعائلاتهم ومحيطهم جميعا.
وأحسب أنه ليس من الصعب تصور حالة إنسان يفتقد بشكل حاد إلى توازن نفسي، ماذا يمكن أن يفعل، وكيف يمكن أن يتصرف، وكيف يترنح ويكثر الخطأ والخطل عنده، وكل ذلك مؤذ لنفسه وعائلته ومحيطه الإنساني.
كما يجب التأكيد هنا أيضا أن نقص العافية النفسية لا يقل عن أي نقص في مجال الصحة العامة، إن لم يكن أخطر، فالصحة النفسية أساس من أسس بناء الشخصية السليمة القويمة، للفرد والأسرة ومن ثم المجتمع. السؤال هنا: ماذا يصنع نظام – أو دولة ما بشعب ،جزء منه معلول ومعطوب بعلل نفسية وعاطفية ووجدانية وسلوكية؟
ما ذا يفعل به، وما هي قيمة الحكم حينئذ وما متعته؟
بعض أمثلة… وتساؤلات:
ليس من الصعب أن يقف كل منا على عدد من المشكلات التي تطل برؤوسها السوداء، ويستنبط ذلك من الأحاديث التي تدور بين الناس، ومن أصناف التصرفات والسلوكات التي يمارسونها يوميا، والتي يمكن ملاحظتها في الواقع بسهولة، أو قراءتها في الصحف والجرائد العامة والمتخصصة (صحف الحوادث والجرائم والصحف الاجتماعية الفنية، ومواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها، خاصة «التيك توك» و«اليوتيوب» ومواقع أخرى؛ حيث «يتقيأ» ـ أكرمكم الله ـ الكثير والكثيرات بما يندى له الجبين، وبما يقلق ويحير كل ذلك قلب.
إن الملامح العامة لصورة الإنسان عندنا وما يقول ويفعل هو: الإكثار من الشكوى، المبالغة في التذمر، إظهار عدم رضاه، الإكثار من المقارنات، الخوف، القلق، التبرم، الملل، الحيرة، الإحساس بالعبء من المسؤوليات، الإحساس بالقهر والظلم، العدوانية، الحقد، النفور، التصادم، الكراهية، السباب واللعن، التفكير في الهروب (ولا أقول الهجرة) البحث عن مخرج، التوق والشوق إلى التغيير العام والخاص، كراهية النظام والمسؤولين بمختلف مراتبهم ووصمهم بأشنع الصفات وأقبحها، الإحساس بصعوبة الحياة وضغط الأعباء، التوتر، النرفزة، عدم القدرة على التفكير السليم والهادئ.
وإن تكن هناك أسباب واضحة لبعض من ذلك التآكل كالضغوط والإكراهات التي يعيشها الناس، رجالا ونساء، فإن وراءها أيضا أسبابا تتعلق بفقه التوازن النفسي والعاطفي، وهما العمود الرئيس في بناء الشخصية السوية، وهو مطلب عزيز لكل إنسان، وكل أسرة وكل مجتمع.
وإني ـ والله ـ لأدعو بوضوح وصراحة إلى إيلاء هذا الموضوع ما يستحقه ويستأهله من العناية والاهتمام؛ لأنه حجر الزاوية في بناء مجتمع متماسك متضامن متحاب .
وللحديث بقية ـ يتبع ….

*سبق التطرّق إلى هذا الموضوع ويحتاج إلى إعادة طرح لخطورته وأهميته..
وسنفعل إن شاء الله