معالم القضية الفلسطينية في كتابات الشيخ محمد الغزالي
أ.د حجيبة أحمد شيدخ/ عايش الشيخ محمد الغزالي كثيرا من الأحداث الحزينة التي مرت بها القضية الفلسطينية منها حروب :(56 و 48 و67)، وكان كثيرا ما يعبّر عن حرقته من خيانة المسلمين لقضاياهم الكبرى وأولها القضية الفلسطينية، وحين تقرأ كتبه تشعر أنه لايزال بيننا، لأن ما قاله عن القضية الفلسطينية لايزال قائما إلى يومنا هذا، …

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/
عايش الشيخ محمد الغزالي كثيرا من الأحداث الحزينة التي مرت بها القضية الفلسطينية منها حروب :(56 و 48 و67)، وكان كثيرا ما يعبّر عن حرقته من خيانة المسلمين لقضاياهم الكبرى وأولها القضية الفلسطينية، وحين تقرأ كتبه تشعر أنه لايزال بيننا، لأن ما قاله عن القضية الفلسطينية لايزال قائما إلى يومنا هذا، وصيحاته وتحذيراته لكل الجهات لم تجد سامعا، كما أنك تدرك من خلال ذلك أن يومنا ليس أفضل من أمسنا، فلم يتغير الوضع إلا من حيث المبالغة في الخيانة والضياع وولاء حكام العرب والمسلمين للعدو.
القضية الفلسطينية قضية دينية بالدرجة الأولى: يرى الشيخ الغزالي أن من يسوّق غير هذه الحقيقة فهو مخطئ، ولذلك لابد من معرفة الأسباب العقدية لمجيء اليهود إلى فلسطين وإصرارهم على إخراج أهلها منها. فهم يعتقدون أن أرض فلسطين هي أرض الميعاد التي اختارها الرب لهم. وما دامت العقيدة سلاحاً يرتكز عليه العدوان، فلابد أن تكون العقيدة سلاحاً يرتكز عليه الدفاع، لقد انطلق اليهود في بنائهم دولتهم على أساس ديني، أما العرب فقد دافعوا عن القضية الفلسطينية من منطلق عروبي قومي، فقد أدار (بنو إسرائيل المعركة على أساس ديني بحت، واستقدموا أتباع التوراة من المشرق والمغرب قائلين: تعالوا إلى أرض الميعاد، تعالوا إلى الأرض التي كتبها الله لأبيكم إبراهيم كما أكد العهد القديم. في حين كان العرب ينسلخون من انتمائهم الديني مؤثرين انتماء عرق لا يقدم ولا يؤخر. إنهم يعتقدون أنهم سادة وأن الرب اختارهم ليكونوا جنده). إن الصبغة الدينية ظاهرة عند بني إسرائيل، فباسم الدين كانوا يسيرون، وفي حربهم على المسلمين كانوا يرددون نصوص كتبهم الدينية المركزة في التوراة والتلمود وإصحاحات العهد القديم. وهذه الصبغة الدينية لا يمكن أن تنمحي إلا إذا كانت هناك صبغة إسلامية فيمن يقاومهم، وفيمن يسترد الأرض التي اغتصبوها في غفلتنا.
ولا فرق في نظره بين اليهودية والصهيونية: فإن كانت الصهيونية حركة ظهرت نتيجة ما تعرض له اليهود من اضطهاد، فهي ليست وليدة بحثهم عن وطن لهم بعد ما أحسوا بالغربة في أرض الله الواسعة، فقد عاشوا في كثير من بلاد الله معززين لكنهم لبٌّوا نداء دينهم في الرجوع إلى أرض الميعاد. فلا فرق بين اليهودية والصهيونية، فكلاهما يتحرك باسم الدين ونصوص كتابهم التي يرون من خلالها أنهم الشعب المختار ،وأن أرضهم تمتد من النيل الى الفرات.
إن الحرب على فلسطين حرب على الإسلام: يديرها النصارى واليهود، وما كان يمكن أن يجرأ اليهود على العرب والمسلمين لولا السلاح الفرنسي والانجليزي والأمريكي، والدافع لهؤلاء جميعا هو اجتثاث الإسلام والقضاء عليه: فإن الساسة الأمريكيين والأوربيين المبغضين للإسلام وأمته يرون في إقامة دولة اليهود، على هذه البقعة من أرضنا خطوة لها ما بعدها في زلزلة الكيان الإسلامي كله. (حصاد الغرور: 34)
أما الذي ساعد اليهود على الجرأة على المسلمين، في نظره فهو الفرقة والتشرذم والخيانة والغفلة، فقد لاحظ سباق كثير من العرب على مصالحة الكيان والرضا بالهزيمة المذلة، وكان أول مَن سنّ هذه السنّة الرئيس أنور السادات. وارثا لها عن جمال عبد الناصر، عروبة مقطوعة عن الإسلام مربوطة بقومية مجرّدة وجاهلية عمياء. لقد مات الشيخ وهو يحمل في نفسه غصة كبيرة من الأوضاع السياسية للعرب، الذين يرفضون الإسلام حكما في حياتهم، فخدموا بذلك السرطان اليهودي وساعدوه على التمدد والانتشار.
ولعل أكبر أسباب جرأة اليهود والنصارى على المسلمين انحدارهم الأخلاقي والحضاري؛ فقد فشلنا فشلا واضحا من الناحية الأخلاقية و العسكرية، يقول: (ويجزم أولو الألباب أن الساسة العرب والقادة العرب وراء كل نصر أحرزه بنو إسرائيل خلال أربعين سنة. . وأي فرصة من أن يكون القائد العربي صريع مخدرات ومسكرات، وأن يكون الزعيم العربي قد وصل إلى منصبه فوق تل من جماجم خصومه، ورفات بني جنسه المدحورين أمامه). (الطريق من هنا: 45). لقد ساهم في هزائمنا دعاة الفن الهابط والتغريبيون، في ظل أنظمة منحطة. أما من الناحية العسكرية فهي من ضمن تخلفنا الحضاري، فنحن المسؤولون عن فشلنا، وإتاحة الفرصة لأطماع الاستدمار فينا، ولذلك لابد من إعادة علاقتنا الفاعلة بالله ثم بالحياة، إن الإسلام هو الدين الصحيح الذي حرر الإنسان من كل مظاهر الطاغوت، وفتح بصره وبصيرته على الكون الذي سخره الله له، فما الذي جعله يدير له ظهره؟
المقاومة هي الرد الشرعي على المعتدين: يرى الشيخ أن المقاومة هي الحل، سواء عقديا أو بالطرق الأخرى، وهو يرى أنه لا يفل الحديد إلا الحديد، وقد أشاد الشيخ بجهود الإخوان المسلمين في مقاومة اليهود، وكانت له زيارة إلى غزة، عبّر فيها عن اعترافه بجميلهم في تحريرها من الأنجاس… ولكن غزة حوصرت لسنوات طويلة خرجت بعدها بمقاومة أبهرت العالم في أحداث 7أكتوبر 2023م إذ طورت إمكانات المقاومة من الحجارة إلى الصواريخ، فاستطاعت أن تختر ق العدو الذي اعتقد لزمن طويل أنه لا يٌقهَر، لقد كان من الممكن أن يتحول الحدث إلى نصر كبير للمسلمين على اليهود، ولكنهم لم ينصروا إخوانهم فكان ما كان …
ما أشبه اليوم بالبارحة: لم يتغير الوضع بل ازداد سوءا فالتطبيع مع الكيان الصهيوني أخذ مدى بعيدا وأشكالا شتى، واليهود بتشجيع من حكام العرب الخونة، أبادوا أهل غزة، فصفّوا أكبر عدد من المقاومين، واليوم ينفّذون مشروع إخلاء غزة من سكانها وتدميرها، وحصارها كما لم يحدث من قبل، بسلاح أمريكا، التي حققت لهم كل مبتغاهم في التوسع والإبادة لهذا الشعب، على مرأى من العالم، يقول الشيخ محمد الغزالي: (لم أحس أن الضعف جريمة ورذيلة إلا وأنا أتابع ما يُتخَذُ ضد العرب من قرارات في الهيئات الدولية. هذه الدول لا تحترم إلا من له ناب وظفر، أما الحق الأعزل فإن مجلس الأمن هو صانع كفنه ومهيل التراب عليه…) (الحق المر: 191) ما أشبه اليوم بالبارحة. ولن يكون لهذه الأمة التي تعيش غثائية لا مثيل لها، حل إلا الرجوع إلى الإسلام والحرب على الأعداء بالالتفاف حوله وإعداد العُدّة، فحرب اليهود والنصارى على فلسطين والمسلمين حرب دينية، ولن تجد لها مخرجا إلا بمقاومة دينية.
يرى الشيخ الغزالي أن الحل هو إرجاع القضية إلى طبيعتها الحقيقية، وكونها قضية إسلامية دينية تخص كل المسلمين، وتربية أبنائنا على حبها وأن نجعلهم يتعهدون بتحريرها. والعودة إلى الإسلام لكي تكون صحيحة لابد من: هيمنة التربية الدينية على مراحل التعليم كلها، ورد جميع القوانين إلى الفقه الإسلامي، وربطها ربطا موثقا بالشريعة الإسلامية، وتحكيم الإسلام في التقاليد الاجتماعية السائدة، ومحو ما يخالف الدين وإثبات ما يلائمه. (حصاد الغرور: 17)، وذلك لا يتحقق إلا بحكومات محبة للدين غير زاهدة فيه.