من أجل مجتمع خال من وباء المخدرات

أطلقت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، الثلاثاءَ الماضي، حملة وطنية لمكافحة المخدّرات، شعارها “من أجل شباب واعٍ، ومجتمع آمن من آفة المخدرات”، وحُقّ لمثل هذه الحملة أن تطلق وتستمرّ وتتبنّاها كلّ القطاعات، ويتداعى لها المجتمع بكلّ أطيافه، لمواجهة هذا الوباء الذي أمسى أشدّ انتشارا وفتكا من كثير من الأوبئة التي أعلن العالم حالة الاستنفار لمواجهتها.. وباء […] The post من أجل مجتمع خال من وباء المخدرات appeared first on الشروق أونلاين.

يونيو 28, 2025 - 18:02
 0
من أجل مجتمع خال من وباء المخدرات

أطلقت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، الثلاثاءَ الماضي، حملة وطنية لمكافحة المخدّرات، شعارها “من أجل شباب واعٍ، ومجتمع آمن من آفة المخدرات”، وحُقّ لمثل هذه الحملة أن تطلق وتستمرّ وتتبنّاها كلّ القطاعات، ويتداعى لها المجتمع بكلّ أطيافه، لمواجهة هذا الوباء الذي أمسى أشدّ انتشارا وفتكا من كثير من الأوبئة التي أعلن العالم حالة الاستنفار لمواجهتها.. وباء أفسد على كثير من شبابنا دينهم ودنياهم، وجعلهم يعيشون على هامش الحياة من دون وجهة ولا هدف، ومن دون غاية سوى متعة اللّحظة التي يعيشونها!
أضحى شعار الواحد من شبابنا ضحايا هذا الوباء: “أحيني اليوم واقتلني غدا”.. فرّوا من مرارة الواقع، إلى واقع أشدّ مرارة.. شباب فقدوا الأمل ففضّلوا الاستغناء عن عقولهم نكوصا عن مواجهة البطالة ومشاقّ الحياة، فما ازدادت حالهم إلاّ سوءًا!
الإحصاءات تشير إلى أنّ عدد حالات الانتحار في بلدنا الجزائر تجاوز 1500 حالة كلّ عام، أمّا محاولات الانتحار فهي بالآلاف، أغلبها بسبب ما ينتج عن هذا الوباء من ضغوط ويأس وبؤس وإحباط.. وإحصاءات الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان تشير إلى أنّ هناك ما لا يقلّ عن 3.5 مليون جزائري يستهلكون ويتعاطون المخدرات، بينهم 3 % إناث.. عدد الأقراص المهلوسة التي يتمّ ضبطها وصل 10 ملايين قرص سنويا، إضافة إلى عشرات القناطير من الهيروين.
وباء وقع ضحيتَه مئات الآلاف من شباب هذا البلد، ولا تكاد تخلو مدينة ولا قرية ولا شارع من ضحايا لهذا البلاء الذي يزداد انتشارا عاما بعد عام. حتى أصبح من يبيعون المخدّرات معروفين في كلّ شارع لا يستحون ولا يستخفون، ولا أحد ينكر عليهم إلا من رحم الله! حتى ما عاد النّاس يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم ولا على بيوتهم ولا على أبنائهم.. ولعلّ المجتمع الآن يدفع فاتورة سكوته وتساهله مع هذا الوباء! والفاتورة ستزداد فداحة عاما بعد عام. يقول النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-: “لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فلَيسومُنّكم سوء العذاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم”، ويقول أيضا: “لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم، ولا يوقّر كبيركم”.
لأجل هذا، يجب على المجتمع أن يتداعى لوقف الانحدار، وأن يعطي هذه المحنة ما تستحقه من الاهتمام، وذلك لا يعني بالضرورة أن يتجنّد المجتمع في حرب لا هوادة فيها على الشّباب ضحايا “الوباء”، إنّما يعني أن يتجنّد الجميع في حملة اهتمام وتواصل وتوعية، تهدف إلى إنقاذ شبابنا من الطّريق التي سلكوها وهم لها كارهون.
على الرّغم من فداحة وشناعة ما يفعله الشّباب الذين وقعوا في مستنقع الخمور والمخدّرات بأنفسهم ومجتمعهم، إلا إنّنا نريد أن ننظر إلى هؤلاء الشّباب على أنّهم ضحايا واقع منكوس تعيشه أمّة الإسلام، وضحايا أسر استقال فيها الأولياء عن أداء الأمانة التي اؤتمنوا عليها.. نريد أن نرحم هؤلاء الشّباب الذين أغواهم الشّيطان بسلوك طريق الخمور والمخدّرات.. نريد أن نرحمهم وتتألّم قلوبنا لحالهم، ويقدّم كلّ منّا أقصى ما يستطيع تقديمه لإنقاذهم من المصير المشؤوم الذي يتّجهون نحوه، وانتشالهم من المستنقع الآسن الذي يسبحون فيه، مستنقع الانتحار البطيء.. إنّهم وإن كانوا يضحكون ويقهقهون إلا أنّ قلوبهم تبكي وتنتحب.. كثير منهم يتمنّون أن يجدوا أيادٍ حانية تنتشلهم ممّا هم فيه، فهم قد وصلوا إلى ما وصلوا إليه بسبب اليأس، وينتظرون من يعيد إليهم الأمل، ويعينهم على أنفسهم.
أمّتنا في أمسّ الحاجة إلى كلّ شابّ من شبابنا، وكلّ شاب تختطفه أوكار الخمور والمخدّرات هو خسارة عظيمة لهذه الأمّة.. وشبابنا مهما حادوا عن الطّريق فإنّ في داخل كلّ واحد منهم بذرة من الخير وبصيصا من الإيمان، وربّما يحتاج إلى من يعيد إليه الأمل الذي فقده، ويريه طريق السّعادة الحقيقية.
ما من شابّ حاد عن الطّريق السويّ إلا وفي قرارة نفسه يقين بأنّ لهذا الكون خالقا عليما حكيما، لكنّه ربّما ينسى أنّه –سبحانه- جعل السّعادة والرّاحة في طاعته وتقواه، وجعل الشّقاء والتّعاسة في الغفلة والبعد عنه جلّ في علاه. ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون))..

ما من شابّ من هؤلاء الشّباب الحائرين إلا ويجد في داخله ضيقا وهما وغما يكاد يقتله، وربّما يعلم أنّه بسبب بعده عن الله، بل ربّما يحسّ في داخله بداعٍ يدعوه إلى تغيير حياته، ويتمنّى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه شابا يحمل هدفا في هذه الحياة.. ما من شابّ وقع في مستنقع الخمور والمخدّرات إلا وهو يتمنّى أن يعود إليه الأمل ويخرج من هذا المستنقع ويتوب ويصلح حياته قبل أن يرحل عن هذه الدّنيا كما رحل أولئك الذين أوغلوا في طريق الغفلة والغواية والأوحال، حتى لقوا الله جلّ وعلا على أسوأ الأحوال.. كيف لو علم الشابّ أنّ أكثر من 2,5 مليون إنسان يموتون في هذا العالم سنويا بسبب الخمور، وأكثر من 750 ألف يموتون بسبب المخدّرات؟ كيف لو علم أنّ تعاطي الخمور والمخدّرات سبب لأمراض قاتلة أخطرها السّرطان والسّيدا؟ كيف لو علم أنّه يوجد حولنا في هذا العالم أكثر من 5 ملايين إنسان أصيبوا بوباء السّيدا بسبب تعاطيهم المخدّرات؟ هذا فضلا عن أنّ تعاطي الخمور والمخدّرات سبب لأمراضِ تليّف الكبد، ودرن الجهاز التنفّسيّ، والرّعشة التي تنتج عن عدم القدرة على التحكّم في الجهاز العصبيّ، والأمراض النّفسيّة كالقلق والاكتئاب.. هل يرضى شابّ عاقل لنفسه يفني زهرة شبابه ويهلك جسده ويهدر ماله، طلبا لراحة موهومة مع هذه السّموم؟
فوق هذا وذاك، فإنّ كثيرا من الشّباب الذين أصرّوا على تعاطي الخمور والمخدّرات، قادهم الشّيطان إلى عظائم الأمور وكبائر الموبقات؛ قاد بعض الشّباب إلى بيع أعراضهم لأجل الحصول على الخمور والمخدّرات، وسوّل لبعضهم السّرقة لأجل الحصول على ثمن تلك المهلكات.. بل إنّ هذه السّموم قادت كثيرا من الشّباب إلى خسارة والديهم، بل إنّ الأمر قد وصل ببعض الشّباب إلى قتل والديهم بسبب الخمور والمخدّرات.. نهايات مؤسفة تسيل لها دماء القلوب قبل دموع العيون تحمل الصّحف تفاصيلها كلّ يوم، لشباب ارتكبوا أفظع الجرائم بسبب هذه السّموم.. فمن ذا الذي يرضى هذا الواقع ويقبل بهذه الحال لشباب أمّة الإسلام؟

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post من أجل مجتمع خال من وباء المخدرات appeared first on الشروق أونلاين.