من ذاكرة جهاد الوطنيين الجزائريين المهاجرين خلال حرب التحرير- تأسيس لجنتي “التنسيق لتجمع المحامين الجزائريين والفرنسيين والبلجيكيين للدفاع عن الوطنيين الجزائريين في فرنسا والجزائر”
سعدي بزيان/ لا يمكن كتابة تاريخ ثورة حرب التحرير دون ذكر دور الطبقة العاملة الجزائرية في الحركة الوطنية، وثورة نوفمبر 1954، والدعم السياسي والمالي لهذه الطبقة التي انفردت دون غيرها من الطبقات العمالية المغربية والتونسية في تأسيس أول حزب سياسي وهو “نجم شمال إفريقيا” ثم “حزب الشعب” وصولا إلى: “اتحادية فرنسا لجبهة التحرير” التي كانت …

سعدي بزيان/
لا يمكن كتابة تاريخ ثورة حرب التحرير دون ذكر دور الطبقة العاملة الجزائرية في الحركة الوطنية، وثورة نوفمبر 1954، والدعم السياسي والمالي لهذه الطبقة التي انفردت دون غيرها من الطبقات العمالية المغربية والتونسية في تأسيس أول حزب سياسي وهو “نجم شمال إفريقيا” ثم “حزب الشعب” وصولا إلى: “اتحادية فرنسا لجبهة التحرير” التي كانت استمرارا لحركة انتصار الحريات الديمقراطية “M.T.L.D” ولبّت نداء نوفمبر 1954 وأصبحت بعد فترة “الولاية السابعةla 7ème wilaya” في نظام الثورة الجزائرية، بعد مؤتمر الصومام، وأصبح لهذه الولاية قادة سياسيون يشكلون امتدادا لقادة جيش التحرير في الجزائر، وكان في مقدمة هؤلاء الذين شكلوا “اتحادية فرنسا لجبهة التحرير” التي أسسها المرحوم محمد بوضياف، ووضع على رأسها مراد طربوش، وقد لعبت هذه الاتحادية دورا طلائعيا، واستطاعت أن تهيكل حوالي 400ألف عامل جُلّهم يدفعون اشتراكاتهم لدعم المجهود الحربي في الجزائر، ويقوم فريق من الفرنسيين من أنصار الثورة الجزائرية بنقل هذه المبالغ المادية التي تصل في بعض الأحيان ما يقرب من مليار سنتيم، ويدعى هؤلاء الذين يتولون نقل هذه الأموال بـ “حملة حقائب جبهة التحرير” ومن خلالهم يتم ما مقداره بعض الأحيان إلى “7حقائب”، تجمع في مكان واحد لتنقل إلى حساب جبهة التحرير في جنيف بسويسرا، عن طريق شخصيات لها خبرة واسعة في حقل المال والأعمال ولعلّ في مقدمة هؤلاء هنري كوريال، وحرمه روزات فكلاهما تدربا في مصرف يملكه الوالد في مصر، وجميع هؤلاء يعملون تحت إدارة المجاهد المرحوم عمر بوداود الذي كان رئيسا لاتحادية فرنسا لجبهة التحرير “Fédération de France”، الذي قاد الاتحادية من صيف 1957 إلى استقلال الجزائر 1962 وفي عهده شهدت الاتحادية تكوين “لجنة المحامين الجزائريين والفرنسيين والبلجيكيين” للدفاع عن المناضلين الجزائريين الموجودين في سجون فرنسا: ويطلق على هؤلاء في البداية: “Collect des avocats du FLN”.
رئيس الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية, السيد نور الدين جودي
علي هارون أحد قادة “اتحادية فرنسا لجبهة التحرير” يتحدث عن “تجمع المحامين الجزائريين والفرنسيين والبلجيكيين” وهو واحد من الذين مازالوا على قيد الحياة وهو محام في نقابة المحامين الجزائريين في الجزائر المستقلة، علي هارون يتحدث كشاهد حيّ عاش المرحلة بكل تفاصيلها، وكان لدينا مجموعة من المحامين من مختلف الجنسيات مكلفين بالدفاع عن مناضلي جيهة التحرير المتابعين أو المتهمين من قبل السلطات الاستعمارية، وقد لعبت هذه المجموعة دورا حاسما ليس فقط في الدفاع عن الجزائريين المتهمين والمسجونين، بل إن حزب جبهة التحرير قرر سنة 1958 إنشاء مجموعة من المحامين تتكون من نوعين: النوع الأول: يتكفل بالجزائر، والثاني بفرنسا، وقال علي هارون عن هؤلاء المحامين إنهم ليسوا مجرد محامين بل إنهم أناس محامون ومناضلون، وكانوا يعملون في ظروف معادية لهم، ولطالما تعرضوا للتهديد بالقتل، بل تم اغتيال المحامي ولد عودية في مكتبه من طرف اليد الحمراء، كما تعرّض المحامي الجزائري مراد أوصديق هو وزملاءه في أحد المقاهي الباريسية لهجوم من طرف مجهولين، فقاموا بالاعتداء عليه وعلى زملائه، ومع ذلك ظل مراد أوصديق مدافعا عن الجزائريين حتى بعد الاستقلال بعدة سنوات، ولا ننسى ونحن نتحدث عن محامي الوطنيين الجزائريين، يتصدرهم المحامي الفرنسي “ستيب” و”نيكول دريفوس” التي زارت الجزائر مرات عديدة بعد الاستقلال، وجيزيل حليمي، وإن ننس لا ننسى المحامي الجسور صديق الجزائر جاك فيرجيس الذي دافع عن المناضلة جميلة بوحيرد، وقد تعرض للطرد من الجزائر، وتلقى تهديدات بالقتل، ولا يسعنا الحديث عن جميع هؤلاء وفيهم محامون جزائريون وفي مقدمتهم المحامون: بن عبد الله، بن ديمريد، بولبينة، ومن الفرنسيين “ميشال زافريان، وكوريج، وبولي”.
محامون وأنصار الثورة الجزائرية من بلجيكا
لا يمكن لنا الحديث عن أنصار الثورة وكفاح الشعب الجزائري دون أن نذكر عدة محامين بلجيكيين يتصدرهم “serge moraux” “سيرج مورو” وقد صدر له كتاب قيم بعنوان: “avocats sans frontière” أي “محامون بلا حدود” ترجمه إلى اللغة العربية بشير بو لفراق إشراف ومراجعة الأستاذ مصطفى ماضي الذي كان ولمدة طويلة مدير النشر في “دار القصبة للنشر بالجزائر وقدم لهذا الكتاب صديق المؤلف المحامي الأستاذ علي هارون، الذي كتب في مقدمة هذا الكتاب “لم يأت سيرج مورو ليبيع فصاحته بالميزان لكنه أراد أن يضع تجربته الحديثة خدمة لهؤلاء الذين يدافعون عن حرية شعبهم، ويدعم مسعاهم من أجل استعادة الكرامة الإنسانية المسلوبة، وكان هذا المحامي الشاب يعتقد بأن محاربة الظلم المشروع لن تتأثر إلا بتصعيد الخطاب المندد بالتواطؤ الحاصل بين القضاة المأمورين والمحامين المحترمين باعتبارهما شريكين خفيين لعدالة منحرفة من الأساس ولمعرفة مسار هذا المحامي وسيرته، ونضاله، المطلوب قراءة كتابه بعنوانه باللغة العربية: “مجموعة المحامين البلجيكيين وثورة التحرير” تقديم: الأستاذ علي هارون.
والجزائر من جانبها لا تريد أن تترك الساحة خالية، وهي معنية بالدرجة الأولى والموضوع له صلة بحرب التحرير، واستقلال الجزائر، ولا تتنكر لأولئك الذين كانوا معها في زمن المحنة، وقد شكلت الجزائر “الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية” ووضعت على رأسها أحد الشخصيات المجاهدة وهو السيد نور الدين جودي كرئيس للجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية، وهو شخصية مجاهدة وديبلوماسية ذو ماض ثوري أرادت الجزائر من خلاله تخليد مآثر الثورة والمبادئ الأساسية لثورة التحرير، وقد تحدث المناضل نور الدين جودي لمجلة “الجيش” بتفصيل عن الهدف والغرض من تأسيس هذه الجمعية، وكاتب هذه السطور الذي أولى اهتماما كبيرا لهذه الحركة، بل وضع كتابا كاملا بعنوان: “فرنسيون” أحرار في ثورة نوفمبر 1954 كما اهتم بشبكة فرنسيس جانسون وحملة حقائق جبهة التحرير، وكل ما له صلة بأنصار الثورة الجزائرية، والشخصيات التي كانت معنا في ظروف بالغة الصعوبة، وقد اتهموا من بني قومهم بأنهم “أشبه بالحركى بالنسبة للثورة الجزائرية، ومع الأسف فكتابي لم يحظ باهتمام المسؤولين في الجزائر.
ولعل من حسن حظي وحسن حظ القراء أن الدكتور سيف الإسلام بوفلاقة، الأستاذ في جامعة عنابة باجي المختار قد قدم عرضا لهذا الكتاب في جريدة “البصائر” لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وقد أعيد نشر هذا التقديم في كتاب “سعدي بزيان” شاهد قرن، وهو كتاب تكريمي لسعدي بزيان شارك فيه مجموعة من الكتاب وأساتذة جامعيون وباحثون وأصدقاء المكرم.
والكتاب من إنتاج المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية التي يديرها الصديق والإعلامي الكبير الأستاذ عبد القادر جمعة، الذي يعود له الفضل في هذا التكريم، والذي سنّ سنة حميدة نتمنى أن تقتديَ به مكتبات ومؤسسات ثقافية تتولى تكريم أدباء ومبدعين ومثقفين في حياتهم، بإصدار كتب عن حياتهم في حياتهم، ومن خلال هذا المقال أشكر الأساتذة الذين شاركوا في هذا الكتاب كما أشكر الأستاذ والإعلامي عبد القادر جمعة الذي جمع المادة ورتبها ونشرها مع مقدمة في المستوى والعاقبة للذين سيكونون اللاحقين في هذا التكريم.