الجزائر المحروسة بالله: بين التاريخ والقدر

د. بن زموري محمد/ الجزائر… تلك الأرض الطيبة، التي ارتفعت مناراتها في كل زمن، واشتدت شوكتها رغم الخطوب، وتكسرت على صخرتها أعظم موجات الاستعمار. إنها الجزائر المحروسة بالله، لا قولًا يُقال، بل إيمانًا توارثته الأجيال، وعقيدة رسختها التجارب، وواقعًا شهد عليه التاريخ. قد يسأل سائل: لماذا المحروسة بالله؟ فنقول له: لأن في كل مرة أراد …

يوليو 21, 2025 - 13:26
 0
الجزائر المحروسة بالله: بين التاريخ والقدر

د. بن زموري محمد/

الجزائر… تلك الأرض الطيبة، التي ارتفعت مناراتها في كل زمن، واشتدت شوكتها رغم الخطوب، وتكسرت على صخرتها أعظم موجات الاستعمار. إنها الجزائر المحروسة بالله، لا قولًا يُقال، بل إيمانًا توارثته الأجيال، وعقيدة رسختها التجارب، وواقعًا شهد عليه التاريخ.
قد يسأل سائل: لماذا المحروسة بالله؟
فنقول له: لأن في كل مرة أراد لها الأعداء السقوط، كانت تقوم من رمادها، أقوى مما كانت. لأن الأرض التي سقاها الشهداء بدمائهم لا تموت، والشعب الذي هتف «الله أكبر» وهو أعزل في وجه المدافع، لن يُذلّ مهما تبدلت الأيام.
في الجزائر، تحسّ برعاية الله تحفك من كل جانب… في دعاء الجدات كل صباح، وفي صلوات الفجر التي ترتفع من مساجدها، وفي قلوب شبابها رغم همّ البطالة وانسداد الأفق، ما زالت تنبض بحب الوطن، وأمل الغد، وثقة بأن الله لا يترك عباده الصادقين.
وليست هذه الثقة من فراغ، بل لها شاهد عظيم من صفحات التاريخ المجيدة، حينما كتب الله لهذه البلاد نصرًا معجزًا في سنة 1541م، يشهد أن الجزائر ما كانت تُحمى بالسلاح وحده، بل كانت محروسة بالله حقًّا.
ففي ذلك العام، أراد شارلكان، إمبراطور أوروبا وأقوى رجل في العالم، أن يركع الجزائر، فجهز أسطولًا بحريًا يفوق الوصف: أكثر من خمسمئة سفينة، وعشرات الآلاف من الجنود المدججين من كل أوروبا، وهدفه أن يُسكت صوت أهل الجزائر بزعامة بربروس وحميتهم في الدفاع عن إخوانهم أهل الأندلس التي تقودها الجزائر.
كل الحسابات تقول: الجزائر ستسقط.
لكن ما لم يدخل في حسابات الإمبراطور هو أن هناك حارسًا فوق الأسباب، لا يُقهر.
فما إن اقتربت جحافله من الشاطئ، حتى هبّت عاصفة هوجاء، مزّقت سفنه، وأغرقت جنده، وشردت جيشه.
لم تستطع قواته حتى النزول إلى الأرض، فعاد يجر أذيال الخيبة، بلا معركة.
ووقف أحد شيوخ الجزائر على التل يشير بيده إلى البحر ويقول:
«أرأيتم؟ هذه هي الجزائر… المحروسة بالله!»
ومنذ ذلك اليوم، لُقبت الجزائر رسميًا في الوثائق العثمانية بـ:
«الجزائر المحروسة بالله»
وظل اللقب يُتداول جيلًا بعد جيل، لأن الناس لم ينسوا أبدًا أن العناية الإلهية سبقت المدافع، وحمت الوطن حين ضاقت الأسباب.
لقد صدّق التاريخ هذه العبارة مرات ومرات…
فكما حُفظت من شارلكان في القرن السادس عشر، فقد قاومت الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر، وحاربت في القرن العشرين حتى افتكت استقلالها، وقدّمت مليون ونصف مليون شهيد على درب الحرية.
اليوم، ما زالت الجزائر تعيش في زمن التحديات… من الداخل والخارج.
لكنها ما زالت محروسة بالله، لأن فيها من يحفظ العهد، ومن لا يساوم على الهوية، ومن يسجد لله حين تتعسر السبل.
وها نحن نرددها اليوم، لا على سبيل المجاز، بل شهادة من القلب والعقل والتاريخ:
الجزائر، المحروسة بالله… لأنها تستحق أن تُحرس.