حقوق توجبها على المسلمين رابطة الأخوة بينهم

مسعود فلوسي روى الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله عن عبد‪ ‬الله‪ ‬بن‪ ‬عمر‪ ‬رضي‪ ‬الله‪ ‬عنهما‪ ‬أن‪ ‬رسول‪ ‬الله‪ ‬صلى‪ ‬الله‪ ‬عليه‪ ‬وسلم‪ ‬قال: «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ. ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ. ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ. ومَن سَتَرَ …

يوليو 21, 2025 - 23:00
 0
حقوق توجبها على المسلمين رابطة الأخوة بينهم

مسعود فلوسي
روى الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله عن عبد‪ ‬الله‪ ‬بن‪ ‬عمر‪ ‬رضي‪ ‬الله‪ ‬عنهما‪ ‬أن‪ ‬رسول‪ ‬الله‪ ‬صلى‪ ‬الله‪ ‬عليه‪ ‬وسلم‪ ‬قال: «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ. ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ. ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ. ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ».
‪ ‬الأخوة أعظم علاقة بين المسلمين
في‪ ‬هذا‪ ‬الحديث يحدد‪ ‬النبي‪ ‬صلى‪ ‬الله‪ ‬عليه‪ ‬وسلم نوع‪ ‬العلاقة‪ ‬التي‪ ‬تربط‪ ‬بين‪ ‬المسلمين،‪ ‬ألا وهي‪ ‬علاقة‪ ‬الأخوة في الله،‪ ‬والأخوة -‪ ‬كما‪ ‬هو‪ ‬معلوم -‪ ‬هي‪ ‬أمتن‪ ‬علاقة‪ ‬تربط‪ ‬بين‪ ‬إنسانين،‪ ‬لأن‪ ‬هذه‪ ‬العلاقة‪ ‬تستوجب‪ ‬المحبة‪ ‬والمودة‪ ‬والتعاون‪ ‬والتراحموالتكافل‪ ‬والتكاتف‪ ‬والتضامن،‪ ‬والتساند‪ ‬في‪ ‬كل‪ ‬شيء‪ ‬وفي‪ ‬كل‪ ‬الأمور.‪ ‬وليس‪ ‬هناك‪ ‬علاقة‪ ‬أخرى‪ ‬يصح‪ ‬أن‪ ‬تربط‪ ‬بين‪ ‬المسلمين‪ ‬بحيث‪ ‬تكون‪ ‬فوق‪ ‬هذه‪ ‬العلاقة‪ ‬التي‪ ‬هي‪ ‬علاقة‪ ‬الأخوة..‪ ‬يمكن‪ ‬أن تكون هناك‪ ‬روابط‪ ‬أخرى،‪ ‬لكن‪ ‬الرابطة‪ ‬الأولىوالأساس‪ ‬هي‪ ‬رابطة‪ ‬الأخوة. وهذه‪ ‬الرابطة‪ ‬تربط‪ ‬بين‪ ‬المسلمين‪ ‬مهما‪ ‬كان‪ ‬المكان الذي يوجد فيه‪ ‬كل‪ ‬واحد‪ ‬منهم،‪ ‬ومهما‪ ‬كان‪ ‬لسان‪ ‬أي‪ ‬منهم،‪ ‬ومهما‪ ‬كان‪ ‬لونه،‪ ‬ومهما‪ ‬كان‪ ‬جنسه،‪ ‬فالمسلمون‪ ‬كلهم‪ ‬- في‪ ‬مشارق‪ ‬الأرض ومغاربها – إخوة، كما‪ ‬قالالله‪ ‬تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة) (الحجرات: 10)..
«المسلم‪ ‬أخو‪ ‬المسلم»؛‪ ‬ليس‪ ‬فقط‪ ‬بين‪ ‬من‪ ‬يعرف‪ ‬بعضهم‪ ‬بعضا، فأخوك‪ ‬المسلم‪ ‬هو‪ ‬من‪ ‬أسلم‪ ‬وجهه‪ ‬لله،‪ ‬هو‪ ‬من‪ ‬شهد‪ ‬أن‪ ‬لا‪ ‬إله‪ ‬إلا‪ ‬الله‪ ‬وأن‪ ‬محمدا‪ ‬رسول‪ ‬الله‪ ‬صلى‪ ‬الله‪ ‬عليه‪ ‬وسلم،‪ ‬عرفته‪ ‬أم‪ ‬لم‪ ‬تعرفه،‪ ‬التقيت‪ ‬به‪ ‬أو‪ ‬لم‪ ‬تلتق‪ ‬به،‪ ‬تتحدثان‪ ‬بلسان‪ ‬واحد أوبلسانين‪ ‬مختلفين،‪ ‬كل‪ ‬ذلك‪ ‬لا‪ ‬يغير‪ ‬من‪ ‬حقيقة‪ ‬العلاقة،‪ ‬وهي‪ ‬أن‪ ‬المسلم‪ ‬أخ‪ ‬المسلم،‪ ‬فالمسلم‪ ‬في‪ ‬أي‪ ‬مكان‪ ‬وجد‪ ‬هو أخوك،‪ ‬ولذلك‪ ‬فإن‪ ‬رابطة‪ ‬الأخوة‪ ‬بينك‪ ‬وبينه‪ ‬تستوجب‪ ‬عليك‪ ‬أن‪ ‬تؤدي‪ ‬له‪ ‬حقوق‪ ‬الأخوة. قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة: 71).
التظالم بين المسلمين حرام
«المسلم‪ ‬أخو‪ ‬المسلم؛‪ ‬لا‪ ‬يظلمه»: هذا‪ ‬أول‪ ‬حق‪ ‬للمسلم‪ ‬على‪ ‬أخيه؛‪ ‬أن‪ ‬لا‪ ‬يظلمه،‪ ‬والظلم‪ ‬يفهم‪ ‬منه عادة‪ ‬الاعتداء، أي ‪ ‬ممارسة‪ ‬فعل‪ ‬عدواني‪ ‬تجاه‪ ‬الآخر،‪ ‬سواء‪ ‬كان‪ ‬باليد‪ ‬أو‪ ‬باللسان‪ ‬أو‪ ‬بالكيد،‪ ‬وغير‪ ‬ذلك‪ ‬من ضرب‪ ‬أو‪ ‬شتم‪ ‬أو‪ ‬انتهاك‪ ‬للحرمة‪ ‬أو‪ ‬أخذللمال،‪ ‬هذا‪ ‬كله‪ ‬ظلم.‪ ‬وقد جاء النهي الصريح عن التظالم بين المؤمنين في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: «يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا…». وروى مسلم عن جابرٍ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». لكن‪ ‬هذا‪ ‬جانب‪ ‬فقط‪ ‬من‪ ‬الظلم،‪ ‬هناك‪ ‬جانب‪ ‬آخر،‪ ‬وقد‪ ‬يكون‪ ‬أشد،‪ ‬وهوألا‪ ‬تريد‪ ‬الخير‪ ‬لأخيك‪ ‬المسلم؛ ترى‪ ‬أخاك‪ ‬المسلم‪ ‬مثلا‪ ‬على‪ ‬ضلال‪ ‬أو انحراف فلا‪ ‬تبالي‪ ‬به؛‪ ‬لا‪ ‬تنصحه‪ ‬ولا‪ ‬تحذره ولا ترشده،بل ‪ ‬تتركه‪ ‬للشيطان‪ ‬يستولي‪ ‬عليه‪ ‬ويقوده‪ ‬حيث‪ ‬يشاء.‪ ‬هذا‪ ‬ظلم.
من الظلم ترك أخيك المسلم للعدو
«المسلم‪ ‬أخو‪ ‬المسلم‪ ‬لا‪ ‬يظلمه‪ ‬ولا يُسلمه»:‪ ‬لا‪ ‬يُسلمه؛‪ ‬أي‪ ‬لا‪ ‬يتركه‪ ‬يهون‪ ‬ويذل‪ ‬ويضعف‪ ‬وتنتهك‪ ‬حرمته. لا‪ ‬يُسلم‪ ‬المؤمن‪ ‬أخاه،‪ ‬ولا‪ ‬يتحالف‪ ‬مع‪ ‬عدوه‪ ‬ضده،‪ ‬ولا‪ ‬يفرح‪ ‬لمصاب‪ ‬أخيه‪ ‬المسلم أو‪ ‬يتشفى‪ ‬فيه.
فإذا كان أخوك‪ ‬المسلم‪ ‬يتعرض‪ ‬للكيد‪ ‬من‪ ‬أي‪ ‬شخص‪ ‬وهو‪ ‬غافل،‪ ‬وأنت‪ ‬تعلم‪ ‬بهذا‪ ‬الكيد،‪ ‬وتستطيع‪ ‬أن‪ ‬توقفه وتمنعه.‪ ‬أو‪ ‬أنك‪ ‬لا‪ ‬تستطيع أن توقفه،‪ ‬ولكنك‪ ‬تعلم به‪ ‬وبإمكانك‪ ‬أن‪ ‬تخبر‪ ‬أخاك‪ ‬وتحذره‪ ‬مما‪ ‬يكاد‪ ‬له،‪ ‬ولكنك‪ ‬تسكت‪ ‬وتتجاهل‪ ‬الأمر.‪ ‬هذا ظلم.. فالظلم‪ ‬ليس فقط‪ ‬أن‪ ‬تمارس‪ ‬العدوان،‪ ‬وإنما من الظلم أيضا أن‪ ‬تستطيع‪ ‬أن‪ ‬تمنع‪ ‬عن‪ ‬أخيك‪ ‬الظلم‪ ‬ولا‪ ‬تفعل،‪ ‬فهذه‪ ‬مشاركة‪ ‬في‪ ‬الظلم،‪ ‬لأنك‪ ‬عندما‪ ‬تجاهلت‪ ‬ما‪ ‬يتعرض‪ ‬له‪ ‬أخوك‪ ‬فأنت‪ ‬من‪ ‬قريب‪ ‬أو‪ ‬من‪ ‬بعيد‪ ‬تشارك‪ ‬في‪ ‬ظلمه والاعتداء‪ ‬عليه.
فالمسلم‪ ‬لا‪ ‬يُسلم‪ ‬أخاه،‪ ‬ولا‪ ‬يتركه يتعرض‪ ‬للظلم‪ ‬والعدوان،‪ ‬ولا‪ ‬يشارك‪ ‬في‪ ‬ظلمه‪ ‬وفي‪ ‬العدوان عليه. ولذلك‪ ‬لا‪ ‬يُتصور‪ ‬من‪ ‬المسلم‪ ‬أن‪ ‬يتآمر‪ ‬ضد‪ ‬أخيه‪ ‬المسلم،‪ ‬أو أن‪ ‬يسعى‪ ‬في‪ ‬إذايته أو‪ ‬يشارك‪ ‬في إيذائه‪ ‬مع من‪ ‬يعتدون‪ ‬عليه، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَـانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) (الأحزاب: 58).
المسلم يسعى في حوائج إخوانه ويفرج كروبهم
«من‪ ‬كان‪ ‬في‪ ‬حاجة‪ ‬أخيه‪ ‬كان‪ ‬الله‪ ‬في‪ ‬حاجته»: الإنسان‪ ‬المسلم‪ ‬شأنه‪ ‬أن‪ ‬يكون‪ ‬في‪ ‬حاجة‪ ‬إخوانه‪ ‬ويسعى‪ ‬في‪ ‬خيرهم،‪ ‬وإن‪ ‬لم‪ ‬يستطع‪ ‬فعلى‪ ‬الأقل‪ ‬أن‪ ‬لا‪ ‬يسعى‪ ‬في‪ ‬إيذائهم، أو في‪ ‬إيقاع‪ ‬الشر‪ ‬بهم.‪ ‬لكن المسلم‪ ‬- على‪ ‬كل‪ ‬حال‪ ‬ومهما‪ ‬كانت‪ ‬الظروف -يستطيع‪ ‬أن‪ ‬ينفع‪ ‬إخوانه‪ ‬بأي‪ ‬شيء‪ ‬ولو‪ ‬بأدنى‪ ‬شيء، وإذا‪ ‬لم‪ ‬يمكنه‪ ‬أن‪ ‬يساعدهم‪ ‬أو‪ ‬أن‪ ‬يقضي‪ ‬حاجاتهم‪ ‬ماديا‪ ‬فهو‪ ‬يتعاطف‪ ‬معهم‪ ‬ويدعو‪ ‬الله‪ ‬عز‪ ‬وجل‪ ‬لهم،‪ ‬ويشجع‪ ‬كل‪ ‬من‪ ‬يستطيع‪ ‬أن‪ ‬يعينهم‪ ‬ويساعدهم. روى البخاري ومسلم عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ – وأحسِبُه قال: – كَالقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ».
«ومن‪ ‬فرج‪ ‬عن‪ ‬مسلم‪ ‬كربة‪ ‬فرج‪ ‬الله‪ ‬عنه‪ ‬بها‪ ‬كربة‪ ‬من‪ ‬كرب‪ ‬يوم‪ ‬القيامة»:‪ ‬الكربة‪ ‬هي‪ ‬الضائقة،‪ ‬أو‪ ‬المشقة،‪ ‬أو‪ ‬الصعوبة، فإذا كان‪ ‬أخوك‪ ‬المسلم‪ ‬في‪ ‬مشقة‪ ‬أو‪ ‬في‪ ‬ضائقة أو في كربة،‪ ‬مهما‪ ‬كانت‪ ‬هذه‪ ‬الكربة؛‪ ‬سواء‪ ‬كانت‪ ‬مرضا‪ ‬أو‪ ‬فقرا‪ ‬أو‪ ‬عريا‪ ‬أوتشردا‪ ‬أو‪ ‬مشقة،‪ ‬وأنت‪ ‬بإمكانك‪ ‬أن‪ ‬تفرج‪ ‬عنه‪ ‬هذه‪ ‬الكربة، فيجب عليك أن تفرجها عنه،‪ ‬وهذا‪ ‬من‪ ‬حقه‪ ‬عليك. فالذي‪ ‬يفرج‪ ‬عن إخوانه الكرب‪ ‬في‪ ‬الدنيا‪ ‬يفرج‪ ‬الله‪ ‬عز‪ ‬وجل‪ ‬عنه‪ ‬كربا‪ ‬يوم‪ ‬القيامة.‪ ‬وكرب‪ ‬يوم‪ ‬القيامة‪ ‬هي‪ ‬أشد‪ ‬وأعظم،‪ ‬وكل‪ ‬الناس‪ ‬يومالقيامة‪ ‬سيكونون‪ ‬في‪ ‬كرب‪ ‬عظيمة.‪ ‬فبقدر‪ ‬ما‪ ‬تفرج‪ ‬عن إخوانك‪ ‬من‪ ‬كروب‪ ‬هذه‪ ‬الدنيا،‪ ‬فإن‪ ‬الله‪ ‬عز‪ ‬وجل‪ ‬سيفرج‪ ‬عنك‪ ‬أضعاف‪ ‬هذه‪ ‬الكربة‪ ‬يوم‪ ‬القيامة.
ومن‪ ‬لا‪ ‬يفرج‪ ‬عن‪ ‬إخوانه‪ ‬في‪ ‬هذه‪ ‬الدنيا‪ ‬ما‪ ‬يعانونه‪ ‬من‪ ‬كرب ومشقات،‪ ‬وهو‪ ‬قادر،‪ ‬فيُخشى‪ ‬عليه‪ ‬أن‪ ‬لا‪ ‬يفرج‪ ‬الله‪ ‬عنه‪ ‬ما‪ ‬يلاقيه‪ ‬من‪ ‬كرب‪ ‬يوم‪ ‬القيامة،‪ ‬لأن‪ ‬الرسول‪ ‬صلى‪ ‬الله‪ ‬عليه‪ ‬وسلم‪ ‬اشترط‪ ‬عليك‪ ‬ليفرج‪ ‬الله‪ ‬كربك‪ ‬يوم‪ ‬القيامة‪ ‬أن‪ ‬تفرج‪ ‬عن‪ ‬إخوانككرب‪ ‬الدنيا‪ ‬بقدر‪ ‬ما‪ ‬تستطيع‪ ‬وبقدر‪ ‬ما‪ ‬يمكنك‪ ‬من‪ ‬وسائل‪ ‬وإمكانات،‪ ‬وأدنى‪ ‬شيء‪ ‬أن‪ ‬تتعاطف‪ ‬مع‪ ‬أخيك‪ ‬وأن‪ ‬تسأل‪ ‬الله‪ ‬عز‪ ‬وجل‪ ‬أن‪ ‬يعينه‪ ‬وأن‪ ‬يرفع‪ ‬عنه‪ ‬ما‪ ‬هو‪ ‬فيه.
استر أخاك يسترك الله
«ومن‪ ‬ستر‪ ‬مسلما‪ ‬سترة‪ ‬الله‪ ‬يوم‪ ‬القيامة»:‪ ‬الستر‪ ‬هو‪ ‬تغطية‪ ‬العيب؛ أي حماية‪ ‬أخيك‪ ‬من‪ ‬أن‪ ‬ينكشف، ومن‪ ‬أن‪ ‬يفتضح،‪ ‬ومن‪ ‬أن‪ ‬يصبح‪ ‬محلا‪ ‬للسخرية‪ ‬والاستهزاء.‪ ‬والستر‪ ‬قد‪ ‬يكون‪ ‬ماديا،‪ ‬وقد يكون‪ ‬معنويا،‪ ‬يكون‪ ‬بالفعل‪ ‬ويكون‪ ‬بالقول.‪ ‬فأخوكالمسلم‪ ‬إذا‪ ‬كان‪ ‬لا‪ ‬يجد‪ ‬ما‪ ‬يلبس‪ ‬فتكسوه،‪ ‬فتكون‪ ‬قد‪ ‬سترته. إذا‪ ‬رأيته‪ ‬في ذنب‪ ‬أو‪ ‬في‪ ‬معصية‪ ‬ولم‪ ‬تحدث‪ ‬بها،‪ ‬فتكون‪ ‬قد‪ ‬سترته.‪ ‬وجدت‪ ‬إنسانا‪ ‬يتكلم‪ ‬في‪ ‬عرضه‪ ‬فنهيته‪ ‬ونهرته،‪ ‬فأنت‪ ‬سترته.‪ ‬وجدته‪ ‬محتاجا‪ ‬إلى‪ ‬مساعدة‪ ‬وكان‪ ‬في‪ ‬حال‪ ‬من‪ ‬الذل‪ ‬والحاجةبحيث‪ ‬طأطأ‪ ‬رأسه‪ ‬أمام‪ ‬من‪ ‬لا‪ ‬يرحمه‪ ‬فتنتشله‪ ‬من‪ ‬هذا‪ ‬الوضع‪ ‬وتساعده‪ ‬وترفع‪ ‬رأسه، فتكون‪ ‬قد‪ ‬سترته.‪ ‬هذا‪ ‬كله‪ ‬ستر.
فإذا سترت‪ ‬أخاك‪ ‬المسلم،‪ ‬فإن‪ ‬الله‪ ‬عز‪ ‬وجل‪ ‬يسترك،‪ ‬ويخفي‪ ‬عن‪ ‬الناس‪ ‬عيوبك،‪ ‬ويوم‪ ‬القيامة‪ ‬يتجاوز‪ ‬عن‪ ‬أخطائك‪ ‬ومعاصيك وذنوبك، ولا‪ ‬يفضحك‪ ‬بها‪ ‬بين‪ ‬الخلائق، لأن‪ ‬يوم‪ ‬القيامة‪ ‬هو‪ ‬يوم‪ ‬الفضيحة‪ ‬لكثير‪ ‬من‪ ‬الناس الذين‪ ‬يرتكبون‪ ‬معاصي‪ ‬فيهذه‪ ‬الدنيا‪ ‬ويصرون‪ ‬عليها‪ ‬ولا‪ ‬يتوبون‪ ‬منها،‪ ‬فيأتون‪ ‬يوم‪ ‬القيامة فتُفضح‪ ‬تلك‪ ‬السرائر‪ ‬كلها‪ ‬وتنكشف،‪ ‬ويعلمها‪ ‬الناس الذين‪ ‬كانوا‪ ‬مخدوعين‪ ‬في أصحابها‪ ‬ويحسبونهم‪ ‬أناسا‪ ‬أتقياء.‪ ‬فبقدر‪ ‬ما‪ ‬تستر‪ ‬على‪ ‬إخوانك،‪ ‬فإن‪ ‬الله‪ ‬عز‪ ‬وجل‪ ‬يستر‪ ‬عنك‪ ‬ولايفضحك.
فهذه‪ ‬هي‪ ‬حقيقة‪ ‬العلاقة‪ ‬بين‪ ‬المؤمنين؛ هي‪ ‬علاقة‪ ‬الأخوة‪ ‬والتضامن‪ ‬والتعاون‪ ‬والتراحم وتبادل المنافع، طلبا لمرضاة الله وابتغاء الأجر والثواب عنده سبحانه وتعالى..
نحن المسلمين وإخواننا في غزة
أهل غزة هم‪ ‬إخواننا‪ ‬في‪ ‬الدين، وأخوة‪ ‬الدين‪ ‬هي‪ ‬الأخوة‪ ‬الحقيقية‪ ‬المعتبرة عند الله عز وجل، وإخواننا هؤلاء‪ ‬تنتهك‪ ‬حرماتهم‪ ‬ويتعرضون‪ ‬للظلم‪ ‬والعدوان‪ ‬والإبادة قتلا وتجويعا وتشريدا. والعالم كله يتفرج على مأساتهم ويمر عليها مر الكرام. والأغرب والأعجب أن يقف إخوانهم المسلمون مكتوفي الأيدي، يتفرجون على مآسيهم، ويرونهم يتساقطون تحت القصف، ولا يتحرك منهم ساكن. ولا تفسير لهذه الحال التي وصل إليها مسلمو اليوم، سوى أنها حالة الوهن التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها». فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ. ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ». فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ! وما الوهْنُ؟ قال: «حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ».
فلو أننا طابقنا بين ما يأمرنا به الحديث الذي أدرنا عليه هذا المقال وبين موقفنا مما يجري لإخواننا المسلمين في غزة، نجد أننا لم نمتثل شيئا مما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنحن قد ظلمنا إخواننا حين أسلمناهم وتركناهم للعدو الصهيوني يقتلهم ويدمر بيوتهم فوق رؤوسهم ويجوعهم ويشردهم. كما أننا ظلمناهم حين لم نسع في حوائجهم فلم ننجدهم بما يحتاجون إليه من طعام وماء ودواء ولباس وغطاء، ولم نفرج عنهم كروبهم. وإنه لموقف عظيم نُسأل عنه يوم القيامة، فهل نجد ما نجيب به ربنا عز وجل حين يسألنا عن إخواننا: ماذا كان موقفنا مما يحدث لهم؟ وماذا فعلنا لأجلهم؟ وماذا قدمنا لهم من نصرة وحماية؟