الجوارح المسؤولة عن العمل في الإنسان وصلاحها بالقلب
الشيخ محمد مكركب أبران mohamed09aberan@gmail.com/ الفتوى رقم:746 الســــــــــــؤال قالت السائلة: ما هو حد الجسد الذي يصلح بالقلب، كما ورد في الحديث النبوي؟ وقد سمعت الواعظ يقول: تُسأل الجوارحُ يوم القيامة، فماهي الجوارح؟ ولماذا سميت الجوارح كذلك؟ وعلام يسأل العبد؟ الجـــــــــــواب بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله. أولا: مفهوم …

الشيخ محمد مكركب أبران
mohamed09aberan@gmail.com/
الفتوى رقم:746
الســــــــــــؤال
قالت السائلة: ما هو حد الجسد الذي يصلح بالقلب، كما ورد في الحديث النبوي؟ وقد سمعت الواعظ يقول: تُسأل الجوارحُ يوم القيامة، فماهي الجوارح؟ ولماذا سميت الجوارح كذلك؟ وعلام يسأل العبد؟
الجـــــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: مفهوم الجسم الذي يصلح بالقلب: هو ما رَكَّبَ الله سبحانه في جسم الإنسان من الأعضاء التي يعمل بها، كيديه، ورجليه، وعينيه وأذنيه، وجلده وعظمه. والحديث المسؤول عنه هو: [أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ] (مسلم:1599) وصلاح القلب بالتخلية والتحلية، بتفريغه من المعتقدات الفاسدة، والنوايا السيئة، والأمراض الموبقة. ثم بملئه بالإيمان واليقين والمحبة والرحمةـ يكتمل صلاح القلب بالعلم النافع، كتدبر القرآن الكريم، وعلم القيم الإيمانية. فإذا ملئ القلب إيمانا وعلما ويقينا، صلحت أعمال العبد. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: ما هي جوارح الإنسان؟ قالت السائلة: سمعت الواعظ يقول: تُسأل الجوارحُ يوم القيامة، فماهي الجوارح؟ ولماذا سميت الجوارح كذلك؟ الجوارح من الإنسان التي إذا صَلَحَ القلبُ صَلَحَتْ، هي سبعٌ: اللسان، والعينان، والأذنان، واليدان، والرجلان، والبطن، والفرج. وسميت الجوارح كذلك، من الجرح وهو الكسب، والارتكاب، وفي القرآن الكريم. ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ (الأنعام:60) وهو الذي يُنِيمُكم بالليل، ويعلم ما كسبتم من العمل بالنهار. وفي سورة الجاثية: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ (الجاثية: 21) ومعنى {اجترحوا} اكتسبوا. والاجتراحُ الاكتساب، ومنه الجوارح. والاستفهام هنا للإِنكار، والمعنى هل يظنُّ الكفار الفجار الذين اكتسبوا المعاصي والآثام {أَن نَّجْعَلَهُمْ كالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: عَلَامَ يُسأل العبدُ؟ يسأل العبد عن كل ما اكتسبته جوارحه، ولا يحاسبه عما وسوست به نفسه. قد يخطر ببال العبد أفكار، ومشتهيات، وتظل تلك الخواطر في دائرة الهواجس والتصورات، فإذا بلغت حد العزم للتنفيذ يحاسب العبد على ذلك العزم. فمراتب حركة العقل نحو القصد خمس: الخاطر، والهاجس، وحديث النفس، والهم، والعزم. فالله لا يحاسب العبد على المراحل الأربعة الأولى: {الخاطر، والهاجس، وحديث النفس، والهم} فإذا عزم العبد على العمل، يُسأل، ففي الحديث: [إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ، أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ.] (البخاري: 6664) وفي الحديث القدسي:[قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً، وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْرًا.] (مسلم:203/ 128) فالذي لا يكتب هي الخواطر التي لا توطن النفس عليها، ولا يصحبها عقد ولا نية ولاعزم بقصد التنفيذ. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: السؤال يوم القيامة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ.﴾ (النور:23 ـ 25)
عن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ.] (الترمذي:2417) قال الله تعالى:﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ.﴾ (الحجر: 92،93) قال ابن عباس: {لا يسألهم سؤال استخبار واستعلام هل عملتم كذا وكذا، لأن الله بكل شيء عليم، ولكن يسألهم سؤال تقريع وتوبيخ فيقول لهم: لم عصيتم القرآن وما حجتكم فيه؟} والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.