الخلع بين الشرع والواقع
أ.د/ منوبة برهاني/ يُعَدّ الخُلع في الشريعة الإسلامية حقًا من حقوق المرأة، وهو فرصة لإنهاء العلاقة الزوجية إذا استحالت، وذلك في مقابل عوض مادي تعطيه للزوج، وغالبًا يكون بردّ المهر. وقد أقرّ الإسلام هذا الحق في مقابل جعل الطلاق بيد الرجل، وهذا ضمان التوازن بين الحقين، ومحافظة على كرامة المرأة ومنعًا للضرر الواقع أو المتوقع …

أ.د/ منوبة برهاني/
يُعَدّ الخُلع في الشريعة الإسلامية حقًا من حقوق المرأة، وهو فرصة لإنهاء العلاقة الزوجية إذا استحالت، وذلك في مقابل عوض مادي تعطيه للزوج، وغالبًا يكون بردّ المهر. وقد أقرّ الإسلام هذا الحق في مقابل جعل الطلاق بيد الرجل، وهذا ضمان التوازن بين الحقين، ومحافظة على كرامة المرأة ومنعًا للضرر الواقع أو المتوقع عليها، كما جاء في حديث النبي ﷺ: (أتردّين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال: اقبل الحديقة وطلّقها تطليقَة) [رواه البخاري].
أما في الواقع، فقد كان تطبيق الخلع يعتبر خروجًا عن الأعراف، ما يضع المرأة في مواجهة انتقادات أو صعوبات مالية عند مطالبته. كما قد يُساء استخدامه من الزوج أو من أطراف أخرى، سواء بالمبالغة في التعويض المالي أو باستخدامه كوسيلة ضغط. لذلك كان الخلع محدودا قاصرا على نساء معدودات، أما اليوم فقد انتشر بكثرة لأسباب كثيرة منها: تزايد وعي المرأة بحقوقها بفضل وسائل الإعلام والجمعيات والمنظمات التي تروّج للخلع وأنه حل سريع للخلاص من كل الزيجات الفاشلة. وكذلك استقلال المرأة المادي والفكري، حيث صارت قادرة على الانفاق على نفسها وأولادها مما جعل خيار الخلع عندها أكثر واقعية، فضلا عن تدني دور الأسرة في حل الخلافات الزوجية. وتغير بعض المفاهيم الشرعية داخلها كالصبر والتضحية وتربية الأبناء… وصار الخلع يُستخدم بشكل مفرط لأسباب سطحية أو غير مبررة، مما ساهم في هذا الانتشار. وهكذا أصبح الخلع في الواقع وسيلة تلجأ إليها النساء استسهالا في اتخاذ القرار، حيث تُرفع دعاوى كثيرة لأسباب قد تكون قابلة للحل بالحوار والتفاهم.
وفي الحقيقة للخلع إيجابيات وسلبيات؛ من إيجابياته أنه يرفع الظلم عن المرأة؛ حيث يتيح لها الخروج من علاقة غير ناجحة دون اللجوء لوسائل معقدة، كما يمنع من استمرار زيجات قد تؤدي إلى مشاكل أسرية واجتماعية أكبر، ومن سلبيات الخلع أنه طوق نجاة لكل امرأة تريد الانفصال عن زوجها بسبب أو بدون سبب مما يؤدي إلى استفحال الخلع وتزايد حالاته فيحدث تفكك الأسر. ناهيك عن ما يتركه من وصمة اجتماعية قد تواجهها المرأة المختلعة.
إن الشريعة الإسلامية تنظر إلى الزواج كميثاق غليظ ينبغي الحفاظ عليه إلا في حالات الضرورة، ولذلك يتطلب الخلع التأني والحكمة، وأنه الملاذ الأخير بعد استنفاد وسائل الإصلاح، ويجب أن يكون العوض المالي المقدم للزوج معقولاً وألا يُستغل لإلحاق الضرر به، وعليه فالإسلام يحذر من التسرع في استخدامه دون وعي بعواقبه. ويبقى الحل الأمثل هو تعزيز ثقافة التفاهم والحوار بين الزوجين، مع احترام القيم الدينية ومعرفة ضوابط الخلع وشروطه التي نصت عليها الشريعة الإسلامية.
وختاما فإن تحقيق التوازن بين ما قررته الشريعة والواقع يستلزم وعيًا عميقا من الزوجين والأسرة والمجتمع، وضمانات قانونية تحفظ حقوق الطرفين، ليبقى الخلع وسيلة شرعية لإنهاء الزواج عند الضرورة، دون ظلم أو إجحاف ودون إنكار حق المرأة في اختيار حياتها بعيدا عن المعاناة.