الضمير الجمعي إلى أين …؟
د. هدى حراق/ تعد الكثير من المسائل الأساسية، التي تثار في مجتمعاتنا سواء تعلّقت بالقيم أو بالمعاملات، أو كانت خاصة بالأفراد أو بالجماعات، أو تعلقت بالمجتمع أو بالأسرة أو غيرها، من المسائل التي باتت لا تخضع في الموازنة أو التقويم أو التقييم ولا حتى القبول أو الرفض ، والممارسة وعدمها لا لمبدأ الحلال والحرام ، …

د. هدى حراق/
تعد الكثير من المسائل الأساسية، التي تثار في مجتمعاتنا سواء تعلّقت بالقيم أو بالمعاملات، أو كانت خاصة بالأفراد أو بالجماعات، أو تعلقت بالمجتمع أو بالأسرة أو غيرها، من المسائل التي باتت لا تخضع في الموازنة أو التقويم أو التقييم ولا حتى القبول أو الرفض ، والممارسة وعدمها لا لمبدأ الحلال والحرام ، ولا للمبدأ الأساسي والغاية السامية التي لأجلها خلق الإنسان، بل صارت في مجملها تخضع لمقاييس الأهواء والآراء الشخصية وأعراف القرية والمدينة، بل والعالم؛ حيث تمكنت العولمة من التحكم والتوجيه، وما كان مرفوضا في عرف القرية صار مقبولا بعرف المدينة العالمية.
إن المشكلة أوسع مما نتصور، وأعقد مما تبدو … فما أتيح للعولمة من وسائل التأثير جعل منها القائد الأبرز والأوحد في توجهات الشعوب …وما لم نكن نراه أصلا، أو ما كنا ننكره ابتداء صار هو الضمير الجمعي ، القابع في ذلك الجهاز الصغير الذي نحمله بين أيدينا.
إن توفُّر وسائل التأثير بهذا الكمّ الهائل، وإغراقها لكل الفئات المجتمعية ، جعلا مسألة إخضاع الحياة وما تعلّق بها مما دقّ أو جلّ لمبدأ الحلال والحرام، ومبدأ الشرع يبدو في الظاهر صعب التحقق عند الكثير، غير أن ذلك لا يعني أن الحقيقة التي يستبطنها الشرع قد تم دفنها ولم يعد بالإمكان تفعيلها وترسيخها في واقع الناس. إنها صعبة لكنها ليست مستحيلة.
إن ما نعيشه هو ضرب من القبض على الجمر كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يعني أن العجز ممنوع والاستسلام مرفوض والتعويل على مقولة للبيت رب يحميه انحراف عقدي يفتقد فهم عقيدة التوكل والإعداد. ولذلك فالحل لا يكمن في إطفاء هذا الجهاز الصغير صاحب الخراب الكبير في عقولنا وأنفسنا وصاحب الضمير المنكوس الذي يمنع الناس من إخضاع حياتهم لمبدأ الحلال والحرام، أو حتى لمبدأ الصواب والخطأ.
أما آن لنا أن نقف وقفة تأمل مع أنفسنا لندرك أن الأوان يوشك على الانقضاء، وربما وصلنا إلى مرحلة الاستبدال التي حذرنا منها القرآن الكريم « وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم « لينقشع الضباب ويعود الأمل ويرتفع صوت طفل صغير في أقاصي الدنيا …يقرأ القرآن كما لم أسمعه من قبل … ليعلن أن الأبيض لا زال ناصعا، وأن صوته قوي ولو وسط جلبة الملهيات كلها …صوت ليس بالضرورة أن أنجبه أنا أو أنت …فقد يخرج الحيّ من الميت وتحضره للحياة أسوأ الأمهات، لتتلقّفه يد الخبير اللطيف ويضيء به الدنيا …فشعلة الأمل لن تنطفئ أبدا ولو تحت الرماد.