المضامين العقدية للتكبير

أ.د. زبيدة الطيب/ ما من شعيرة من شعائر الإسلام إلا وترتد إلى أصل عقدي مؤسسٍ ومحركٍ لها؛ يعطيها قوة التجذر من حيث كونه مؤسسا ويزودها بالفاعلية من حيث كونه محركا. وهذا ينطبق تماما على تكبيرات العيد. فعبارة «الله أكبر» من حيث تركيبها اللغوي وبيان معناها تبدو بسيطة وسهلة؛ أي لا يمكن لعربي أو حتى أعجمي …

يونيو 25, 2025 - 13:21
 0
المضامين العقدية للتكبير

أ.د. زبيدة الطيب/

ما من شعيرة من شعائر الإسلام إلا وترتد إلى أصل عقدي مؤسسٍ ومحركٍ لها؛ يعطيها قوة التجذر من حيث كونه مؤسسا ويزودها بالفاعلية من حيث كونه محركا. وهذا ينطبق تماما على تكبيرات العيد. فعبارة «الله أكبر» من حيث تركيبها اللغوي وبيان معناها تبدو بسيطة وسهلة؛ أي لا يمكن لعربي أو حتى أعجمي أن يجد صعوبة في فهمها.
غير أن هذا المعنى اللغوي البسيط في ظاهره؛ يستبطن في جوهره معاني ومحددات عقدية ويتضمن مقاصد في غاية الأهمية. وهو ما فهمه العرب الذين بُعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما كان سببا في رفضهم الإسلام ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم من قبل البعض.
لقد فهم العرب، من منطلق فهمهم القرآن الكريم الذي بلغتهم نزل وعلى طريقتهم في الخطاب كان؛ أن قولهم وإقرارهم بأن الله تعالى هو الأكبر أن ما دونه في الأرض أو في السماء من المخلوقات هي الأصغر؛ لذلك رفضوا العبارة لأنهم فهموا مدلولاتها ومقاصدها وإلى أين يمكن أن توصلهم لو نطقوا بها وأقروا بها.
لقد اختصروا الطريق ورفضوها حتى لا يورطوا أنفسهم في اعتقاد شيء لا يقدرون على الوفاء به. إن عبارة الله أكبر تعني أن يكبر الله تعالى في قلوبهم وفي تصورهم، وأن ينعكس ذلك على مواقفهم وسلوكهم؛ فتصغر في قلوبهم الدنيا وأموالها وبهرجها وقوة كبرائها وملوكها وسلاطينها وأسلحتهم وعتادهم بشكل تلقائي. وهذا لا يخدم وضعهم وطموحاتهم بوصفهم الكبراء والملوك والأغنياء.
إن منظر المسلمين اليوم وهم يطوفون حول الكعبة ويكبرون بأعداد هائلة، وفي هذه اللحظة التي تشهد فيها الأمة أقسى أنواع الإذلال وصور الإهانة، وتشهد وتشاهد ذبح الفلسطنيين وتقتيلهم وتشريدهم وتجويعهم وتهجيرهم وإذلالهم يوحي بأن هذا الكم الهائل من البشر سواء في الأماكن المقدسة أو في غيرها من بلاد المسلمين لا يعي حقيقة ما يتلفظ به، وهو يبدع في تلحين تكبيرات العيد وإطلاقها بأجمل الأصوات، ولو فهم أن الله تعالى هو الأكبر ما كان ليستكين لعدو أصغر وما كان ليرضخ لوضع أهون وأرخص.
خلاصة القول إن تكبير الله عز وجل وإكبار غيره من البشر والجاه والمال والسلاح وغير ذلك في الوقت نفسه يعبر عن أحد أمرين: إما هو الجهل الذي أطبق على الأمة في الجانب المعرفي الشرعي، وفي كشف المقاصد الكبرى التي تستبطنها الشعائر الإسلامية، والذي تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى النخب العلمائية والفكرية التي اختارت طرق المشاهير في الدعوة والبيان. أو هو النفاق الذي يعني، في واحدة من صوره، الفهم والمعرفة الكافية. وفي الوقت نفسه المضي والاستمرار في التسويق لتدين مغشوش كما يذكر الشيخ محمد الغزالي، لا يقدم ولا يؤخر في المعادلات القائمة.
وإلى أن تتعافى الأمة من هذين الأمرين لابد أن التاريخ سيذكر أن ثمة ثلة من الآخرِين في بقعة صغيرة من بلاد المسلمين اسمها غزة؛ كبَّرت الله تعالى فصغُر العدو أمامها وغرق في وحلها، وسيذكر التاريخ أن ثمة من يسمون مسلمين؛ بحَّت أصواتهم بالتكبير وهم منبطحون خائفون أشداء على إخوانهم رحماء بعدوهم، ولك أن تتخيل شكل من يكبر الله تعالى بلسانه وهو منبطح جاث على ركبتيه لعدوه يطلب رحمته ويخاف عذابه !!!سأكفيك عناء التخيل هؤلاء هم نحن الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين الميلادي فعليا لا خيالا أو تخيلا.