الوثائق المحجوزة لدى الشهيد العقيد زيغود يوسف وأهميتها

طارق عزيز طيب فرحاني 1. تمهيد يُعدّ استشهاد القائد زيغود يوسف يوم 23 سبتمبر 1956 محطة فارقة في مسار الثورة الجزائرية، ليس فقط لفقدان شخصية قيادية من الطراز الأول، بل أيضاً لما ترتب عنه من وقوع وثائق حساسة في يد الجيش الفرنسي. وقد أصدرت “المنطقة العسكرية العاشرة – فرقة قسنطينة والقيادة العامة لقوات الشرق الجزائري” …

سبتمبر 24, 2025 - 18:52
 0
الوثائق المحجوزة لدى الشهيد العقيد زيغود يوسف وأهميتها

طارق عزيز طيب فرحاني

1. تمهيد

يُعدّ استشهاد القائد زيغود يوسف يوم 23 سبتمبر 1956 محطة فارقة في مسار الثورة الجزائرية، ليس فقط لفقدان شخصية قيادية من الطراز الأول، بل أيضاً لما ترتب عنه من وقوع وثائق حساسة في يد الجيش الفرنسي. وقد أصدرت “المنطقة العسكرية العاشرة – فرقة قسنطينة والقيادة العامة لقوات الشرق الجزائري” نشرة سرية بتاريخ 25 سبتمبر 1956، تحت رقم 2872/2/REN.S، تضمنت تفاصيل المعركة والوثائق المحجوزة.

2. سياق استشهاد العقيد زيغود يوسف

جاء في النشرة الفرنسية أن معركة وقعت يوم 23 سبتمبر 1956 على بعد 5 كلم شمال سيدي مسريش (قطاع الحروش – شمال قسنطينة)، بين دورية فرنسية وفصيل من جيش التحرير الوطني. وقد أسفرت المواجهة عن سقوط تسع شهداء من الثوار في الميدان. ومن بين الشهداء:
العقيد زيغود يوسف: الذي وصفته الوثيقة بأنه رئيس القيادة المتمردة لشمال قسنطينة.
لباردي بوجمعة: مساعد زيغود يوسف وكاتبه الخاص.
وأكد التقرير أن وثائق متعددة عُثر عليها بحوزتهما، وهو ما اعتبرته القيادة الفرنسية مكسباً استخباراتياً بالغ الأهمية.

3. طبيعة الوثائق المحجوزة

أحصت النشرة العسكرية عشر وثائق رئيسية، نُسخت بعضُها وأُرسلت صور ضوئية لأخرى، وهي:
1. كُرّاس أصفر.
2. كُرّاس أسود لزيغود يوسف.
3. دفتر بني.
4. تفويض من جيش التحرير الوطني لزيغود يوسف.
5. تعيين “بنعودة” في وفد جبهة التحرير الوطني بتونس.
6. قائمة بإطارات الشمال القسنطيني.
7. قائمة اسمية للضباط والرتب في الولاية رقم 1.
8. ورقتان تحتويان على برنامج عمل.
9. أمر اليوم.
10. كُرّاس أصفر يعود إلى لباردي بوجمعة.
وقد أُشير في الوثيقة إلى أن النسخ الأصلية لبعضها محفوظة، وأن نسخاً أخرى صُورت لإرسالها إلى مكاتب التحليل المختصة.
4. الأهمية العسكرية والاستخباراتية للوثائق
من وجهة نظر الجيش الفرنسي، مثلت هذه الوثائق مورداً غنياً للمعلومات، يمكن تلخيص أهميته في النقاط الآتية:
كشف الهيكل التنظيمي: من خلال القوائم الاسمية، حصلت القيادة الفرنسية على بيانات دقيقة عن الضباط والإطارات الثورية في الشمال القسنطيني والولاية الأولى.
متابعة خطوط الاتصال: التفويضات والقرارات أظهرت كيفية ارتباط الداخل (الولايات) بالخارج (وفد تونس)، أي الرابط بين العمل المسلح والدبلوماسية الثورية.
تحديد الأولويات الاستراتيجية: الوثائق التنظيمية مثل “برنامج العمل” و”أمر اليوم” أبرزت طبيعة التوجهات والخطط الميدانية للثورة في تلك المرحلة.

5. الدلالة السياسية والتنظيمية

على الرغم من أن الفرنسيين وصفوا قادة الثورة بـ “المتمردين”، إلا أن محتوى الوثائق يكشف شيئاً مختلفاً:
وجود تفويضات مكتوبة يدل على أن الثورة بلغت درجة عالية من المأسسة والشرعية التنظيمية.
اعتماد برامج عمل مكتوبة وأوامر يومية يبرز أن القيادة الثورية كانت تُدار بعقلية عسكرية منظمة، بعيدة عن العفوية والارتجال.
وجود قوائم للإطارات والرتب يثبت أن جيش التحرير الوطني كان في طور التحول إلى جيش نظامي يمتلك هياكل واضحة.

6. الانعكاسات على الثورة

رغم خطورة وقوع هذه الوثائق في يد الجيش الفرنسي، إلا أن ذلك لم يؤدِّ إلى انهيار التنظيم. بل سرعان ما قامت الثورة بعملية إعادة ترتيب الصفوف، واستمرت في نهجها التصعيدي. أما استشهاد زيغود يوسف، فكان له أثر مزدوج:
عسكرياً: خسرت الثورة قائداً بارزاً في التخطيط والتعبئة.
معنوياً: تحوّل زيغود إلى رمز ثوري خالد، خصوصاً وأن استشهاده جاء بعد نجاح هجومات 20 أوت 1955 التي قادها بنفسه، ومشاركته في مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 والتي مثلت نقطة تحول في مسار الثورة.

7. خاتمة

تظهر نشرة الاستخبارات الفرنسية (25 سبتمبر 1956) أن الوثائق التي عُثر عليها مع العقيد زيغود يوسف ورفيقه لبّاردي بوجمعة كانت بالنسبة لفرنسا “صيداً ثميناً”، لأنها كشفت عن درجة عالية من التنظيم داخل جبهة وجيش التحرير الوطني. غير أن قراءة متأنية لهذه الوثائق تبرز أنها، بدل أن تكون دليلاً على ضعف الثورة، تشهد على نضجها السياسي والعسكري المبكر. لقد كان وقوع هذه الأوراق في يد العدو خسارة مرحلية، لكنها كانت شهادة غير مباشرة على أن الثورة الجزائرية دخلت طوراً جديداً من البناء المؤسساتي جعلها قادرة على الاستمرار حتى تحقيق الاستقلال.