تآكل العافية النفسية للجزائريين.. خطر يهدد نسيجنا الاجتماعي كله 2/2

أ. حسن خليفة/ أشرنا في الجزء السابق الذي نُشرقبل أسبوعين من هذه المقالة التوصيفية، إلى واقعنا الذي يزخر بكثير من الأورام والمشكلات النفسية والاجتماعية، وهنا نعرض لبعض من الأمثلة التي تدل على وجود الأسباب التي تأكل العافية النفسية وتسرقها من أبنائنا وبناتنا. 1– في وطننا عشرات الآلاف من الجامعيين المتخرجين، وفيهم الكثير من اللامعين والمتفوقين …

أغسطس 11, 2025 - 13:12
 0
تآكل العافية النفسية للجزائريين.. خطر يهدد نسيجنا الاجتماعي كله 2/2

أ. حسن خليفة/

أشرنا في الجزء السابق الذي نُشرقبل أسبوعين من هذه المقالة التوصيفية، إلى واقعنا الذي يزخر بكثير من الأورام والمشكلات النفسية والاجتماعية، وهنا نعرض لبعض من الأمثلة التي تدل على وجود الأسباب التي تأكل العافية النفسية وتسرقها من أبنائنا وبناتنا.
1– في وطننا عشرات الآلاف من الجامعيين المتخرجين، وفيهم الكثير من اللامعين والمتفوقين وهم بلا عمل منذ سنوات، يعني بلا استقرار وظيفي مهني ولا استقرار آخر وجداني عاطفي، من ثم من أين يمكن لهم أن يحصلوا على عافيتهم النفسية؟
2– يُضاف إليهم، كل عام، عشرات الآلاف من المتخرجين بلا مستقبل في العمل والاستقرار.
3– في البلد عشرات الآلاف من الأسر دون مأوى، بعضها منذ عقدين وأكثر؛ دون الحديث عن مخلفات السنوات الدامية الأخيرة وتلك مسألة أخرى.
4– في البلد عشرات الألوف من المظلومين والمظلومات؛ كل حسب مظلمته من الصغيرة إلى الكبيرة، والعشرات من الصحف تعج برسائل هؤلاء المظلومين موجهة إلى المسؤولين في مختلف المواقع، وفيها عبرٌ كثيرة ومعاناة ودلالات تفسّر جزءاً من مشكلة تآكل العافية النفسية.
5– في البلد عشرات الألوف من الشباب في سن الزواج، وبعضهم بعد سن الزواج. هناك من وصل إلى الأربعين دون عش وكيان عائلي.
6– في البلد نحو 11 مليون عانس(وهذه إحصاءات قديمة نسبيا )، وحيث إن الزمن لا يتوقف فإن الرقم مرشح للزيادة كل عام؛ في هذا الأمر كما في غيره.
7– في البلد.. عشرات الألوف أيضا يُطردون من المؤسسات التعليمية المختلفة ويتخلفون عن البكالوريا، وأولئك لهم قضيتهم الخاصة، اخترع لها المسيرون اسما جميلا لطيفا هو“التسرب المدرسي“، ولهذا أيضا دوره في تآكل صحة الناس النفسية.
8– في الوطن الآلاف المؤلفة من العمال الذين سُرّحوا بعد غلق مصانعهم ومؤسساتهم، وبعضها بيع بأسعار بخسة بعد حين للمتنفذين، وصاروا نهبا للفراغ، يلهثون لتدبير معاشهم ومعاش أبنائهم في حياة قاسية غالية لا رحمة فيها.. كيف لهؤلاء أن يحصلوا على عافيتهم النفسية، وهم حائرون في قوت يومهم؟
9– … ودون أن نضيف أشياء أخرى وهي كثيرة، يجب أن نعرف أن لكل فرد من الأفراد السابقين جميعهم علاقة بأفراد آخرين من عائلاتهم، يقلقون لقلقهم، يهتمّون لأمرهم، يتأزمون لأزمتهم؛ دون أن يعني أن الأفراد الآخرين بدورهم، ليس لديهم هم أيضا مشكلاتهم، وهذا يعني أن المسألة مركّبة ومتشابكة ومتداخلة العناصر، وأن العدد صار بالملايين وليس بعشرات الآلاف، أعني عدد المأزومين والقلقين والحيارى والبائسين نفسيا وعاطفيا الخ.. ومادام بالملايين فهو يمس الشعب أكثره أو كله.
دعونا نتساءل ونسأل هذه الأسئلة البسيطة والبريئة، عن الحياة ونمط الحياة، عن الهناء، والعيش الكريم الطيب والأمل في المستقبل، والقدرة على البذل والعطاء، ونسأل عن الحب والدفء والأمان والسعادة والازدهار والأناقة النفسية والقوة والجمال… والانسجام الذاتي والاجتماعي، وكل المفردات التي تصنع السلامة والعافية النفسية وتتيح وجود ذلك الإنسان الحلم صاحب العافية النفسية المتكاملة؛ صاحب القدرة على التفاهم الجيد مع واقعه الخارجي، الإنسان الإيجابي، المتفائل، الطموح، الذي لا يعرف الشكوى ولا التذمر، ذلك الإنسان الجميل داخليا النظيف خارجيا، المبتسم دائما، صاحب الطاقة العقلية الخلاقة، والطاقة البدنية الجبّارة، الإنسان الذي تبدو عليه مظاهر الصحة البدنية في شكل وجه متورّد وجسم متناسق سليم، قوي البنية، كما تبدو عليه الصحة النفسية في البشاشة والحبور الفرح والسرور… وكل ذلك يزيد من فاعليته الذاتية والاجتماعية، ويهيئ له سبيل التفاعل الحياتي النشط مع الحياة، ويكسبه سمات الشخصية الإيجابية الناجحة…
دعونا نتساءل ببراءة:
كم هي نسبة أفراد الشعب من الذين واللائي يملكون ويملكن حياة هنيئة مستقرة طيبة آمنة؟
كم هي نسبة الشباب الذين يملكون فرص الاستقرار المهني والعاطفي؟
كم هي نسبة النساء والفتيات اللائي يملكن أو لديهن إمكانية صياغة حياة هنيئة طيبة جميلة؟
كم هي نسبة الشباب الجامعي وغير الجامعي في المؤسسات التعليمية، من الذين تبدو له بوضوح ويسر فرص امتلاك وتحقيق حياة مزدهرة آمنة مليئة بالخير والوفرة والنعيم، وذلك حقهم الطبيعي؟.
ولا أتردد في القول: لو تساءلنا ومضينا في التساؤل لوجدنا في الإجابات ما يخيب الآمال، وليس ذلك سوى الواقع الحقيقي المعيش الذي يلمسه كل واحد منا في حياته اليومية، يسمعه ويراه، ويقرأ عنه في الصحف كل يوم…كل يوم.
إنها مسألة أمن قومي ووطني.. أن نجعل من أولوياتنا تفكيك هذه الألغام المزروعة في صدور الناس التي تغرس اليأس والكفر والجحود ونكران الوطن والنفس، وتدفع نحو العنف والغش والاحتيال والصدام والعدوان والانتحار، وقل ذلك.. إلى اللامبالاة والآثم وصناعة العدوان والاحتجاج الدموي العنيف، وما أكثر الأمثلة على ذلك مما حدث في عدد من المدن والحواضر والقرى والملاعب، والمدارس، والمساجد، والسجون… في الشهور القريبة الماضية فقط، وأعتقد أننا جميعا مطالبون بعمل وتوافق وطني لحل هذه المشكلة ببلورة مشاريع واقعية وحقيقية وخطط وبرامج في كل المستويات وصولا إلى تحقيق الأمان والعافية النفسية لإنساننا ومجتمعنا وشعبنا.. قبل فوات الاوان ؛ وحينئذ لا ينفع الند م.وإن تقديري الخاص أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ،وغيرها من الجمعيات والهيئات يمكن أن تقوم بدور محوري ومركزي كبير ؛ باعتبار أن لديها «أطباء القلوب والأرواح «من علماء ، ومشايخ ، وخبراء، ودعاة وأئمة، واهل اختصاص ، وفي إمكان هؤلاء أن يقوموا بدور كبير :علاجي ووقائي في الوقت ذاته .وإنما يحتاج ذلك إلى تخطيط وتنظيم وإعداد وعمل وتفرغ ومرابطة ، وإدراك مسؤول للأوضاع المزرية في المجتمع، في المجالات النفسية ، والعاطفية، والذهنية. نسأل الله التوفيق والسداد .