حينما تصبح الطريق إلى النفاق سالكة وسريعة!
من أكثر ما يخيف في زماننا الذي ابتلينا به وابتلي بنا، أنّنا أصبحنا نعيش مصداق حديث النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-: “الجنّة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنّار مثل ذلك”، ومصداق قوله –عليه الصّلاة والسّلام-: “إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة […] The post حينما تصبح الطريق إلى النفاق سالكة وسريعة! appeared first on الشروق أونلاين.


من أكثر ما يخيف في زماننا الذي ابتلينا به وابتلي بنا، أنّنا أصبحنا نعيش مصداق حديث النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-: “الجنّة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنّار مثل ذلك”، ومصداق قوله –عليه الصّلاة والسّلام-: “إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم”.. خاصّة في هذه الأيام التي قامت فيها قائمة الحرب في الأرض المقدّسة بين إسلام واضح وكفر صريح بيّن.
من كان يتوقّع أن يوجد بين عباد الله المسلمين من يطعن في المسلمين المجاهدين ويسكت عن اليهود الكافرين، في أيام كشفت فيها الحرب عن ساق، وبلغت فيها القلوب الحناجر مما ترى من تداعي أهل الكفر لشدّ أزر اليهود وخذلان المسلمين لإخوانهم المرابطين؟! كيف وصل بعض المسلمين إلى هذا الدّرك وهم يقرؤون في كتاب الله وفي سنّة رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الطّعن في المجاهدين في وقت الحرب صفة لامة للمنافقين الخُلص؟ وقد نزل القرآن يبيّن كفرهم ويرفض توبتهم؛ فحين قال بعض المنافقين عن الصحابة المجاهدين في الطّريق إلى غزوة تبوك: “ما نرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء”، أنزل الله في حقّهم قوله: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِين)).
ما الذي انحدر ببعض المسلمين إلى هذا الدّرك السّحيق حتى يطعنوا في مجاهدين مؤمنين يقاتلون أشدّ النّاس عداوة للذين آمنوا؟ السّبب هو الأمن على القلوب من الفتنة ومن النّفاق! أصبح الواحد منّا يظنّ أنّه ما دام يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدا رسول الله ويصلي خمس صلوات في اليوم، فقد ضمن براءة من الفتنة ومن النّفاق! وهذا من الغرور الذي لم يعرفه سلف هذه الأمّة.
صحابة النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- عايشوا التنزيل، وبذلوا أموالهم ودماءهم وأرواحهم في سبيل الله، والواحد منهم يبيت لله قائما يصلّي ويظلّ مجاهدا في سبيل الله لا يغمد سيفه، وربّما يعادي لأجل دينه ولده ووالده وقومه، وفوق ذلك نزلت آيات القرآن تزكّيهم وتعدهم جنّات تجري من تحتها الأنهار… ومع كلّ ذلك، كانوا يخشون النّفاق على أنفسهم: قال التابعي ابن أبي مليكة -رحمه الله-: “أدركت ثلاثين من أصحاب النبي –صلـى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل”، وهذا أحدهم أبو الدرداء -رضي اللـه عنه- كان إذا فرغ من التشهد في الصلاة يتعوذ بالله من النفاق، ويكثر التعوذ منه، فقال له أحدهم: وما لك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟ فقال: “دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة، فيخلع منه”. بل هذا واحد من أخيارهم، فاروق الأمّة عمر بن الخطّاب، دُعي يوما ليصلّي على جنازة، فتعلق به حذيفة بن اليمان وقال: اجلس -يا أمير المؤمنين-، فإنه من أولئك! (أي من المنافقين)، فقال عمر لحذيفة: نشدتك بالله، أنا منهم؟ قال حذيفة: “لا، ولا أبرئ أحدًا بعدك”.
لقد أمسى الطريق إلى النفاق في زماننا هذا سالكا وسريعا، بل أمسى منحدرا سحيقا، من زلّت فيه قدمه، لا يشعر حتّى يجد نفسه يهوي متّجها إلى دركه الأسفل.. قد تكون بدايته نية غير صادقة ورياء يعشعش في القلب، وقد تكون حرصا على الدّنيا، على المنصب والحظّ الفاني، وقد تكون تعصبا لطائفة أو شيخ.. والنهاية هي السقوط في النفاق.
النفاق ليس دركا واحدا، لكنّ دركاته كلها ذلّ في الدّنيا وخزي في الآخرة.. قد يكون النفاق في بدايته نفاقا عمليا لا يخرج بصاحبه عن دائرة الإيمان، صاحبه يبطن الإيمان لكنّه يظهر صفات المنافقين، إذا حدّث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر… يتّصف ببعض صفات المنافقين، فيغفل عن قلبه لا يطهّره وبنفسه لا يجاهدها، وشيئا فشيئا تجتمع فيه صفات المنافقين وتتكاثر، حتى يمسي منافقا خالصا!
لذلك كان حري بكلّ عبد مؤمن في هذا الزّمان أن يبحث بكلّ حرص واهتمام عن صفات المنافقين في كتاب الله وسنّة رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم-، حتّى يحذرها أشدّ الحذر.. وكتاب الله خاصّة قد بيّن صفات المنافقين بكلّ وضوح في غير ما سورة من سوره، حتى يحذرها المؤمنون أشدّ الحذر، بل إنّ العلماء قالوا إنّه يندر أن توجد سورة من السورة المدنية لم تشر إلى صفات المنافقين وأفعالهم، وكلّنا يعلم أنّ هناك سورة من الطّوال تخصّصت في فضح المنافقين وبيان أفعالهم، هي سورة التوبة التي تسمّى أيضا الفاضحة، وسورة سميت “المنافقون”، وسورة الأنفال كذلك تحدّثت طويلا عنهم، وكذلك سورة آل عمران، وسورة البقرة في بدايتها، وسورة محمّد والفتح والمجادلة وغيرها.
الصفة الأولى: مرض القلب!
أوّل وأخطر صفة يتحلّى بها المنافقون، وعنها تتولّد الصّفات الأخرى، هي مرض القلب، قال تعالى: ((في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون)).. قلوبهم مريضة بالشكّ والريب والتردّد وحسد أهل الحقّ، ومع ذلك لا يلتفتون إليها لينظّفوها وينقّوها، بل يهتمّون فقط بتجميل ظواهرهم وتجميل كلماتهم، ((وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِم))!
حذرا من هذا، ينبغي لكلّ عبد مؤمن يخشى النفاق على نفسه أن يكون تنظيف قلبه وتطهيره أهمّ مشروع له في حياته، ويكون إصلاح قلبه أهمّ هدف له في هذه الدّنيا، لأنّه يعلم أنّه لا ينفع في الآخرة إلا القلب السّليم ((يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)).. نعم، العبد المؤمن من شأنه أن يهتمّ بمظهره ويحرص على أن يكون على ما يرضي الله، ويهتمّ بأعمال الجوارح الظّاهرة لتكون كما يحبّ الله، لكنّه يهتمّ قبل ذلك ومعه وبعده بقلبه الذي هو محلّ نظر الإله؛ أن يكون كما يحبّ الله.. وهذا مع كلّ أسف ما لم ينتبه له وما لم يربّ عليه كثير من شباب الصحوة في هذا الزّمان؛ فهم قد تربّوا على الاهتمام البالغ بمسائل الفقه التي ترتبط بظواهر الأعمال، وأهملوا أعمال القلوب، فانتشر الالتزام الأجوف، وصار العلمانيون والحانقون على الدّين يتصيّدون أخطاء المتديّنين ليجعلوها مادّة في الصدّ عن سبيل الله.. نعم العلمانيون الموتورون ملومون، لكنّ أهل الالتزام الذين أهملوا أعمال القلوب وأهملوا السرائر والخبيئات الصالحة أيضا ملومون.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post حينما تصبح الطريق إلى النفاق سالكة وسريعة! appeared first on الشروق أونلاين.