شبابنا وقضاياهم/ جمعية العلماء .. رسالة لا تموت

عبد الغني بلاش/ في كل أمة، هناك مؤسسات وهياكل تحمل هوية الوطن، وتكون ضميرًا حيًا لأبنائه، تقود مسيرته الفكرية والثقافية والتربوية بعيدًا عن الصراعات الضيقة والمزايدات العابرة. ومن بين هذه المؤسسات في الجزائر، تتصدر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مكانةً خاصة، فهي ليست مجرد هيئة أو تنظيم، بل هي مدرسة تربوية وإصلاحية حملت رسالة الأمة وعبرت …

فبراير 24, 2025 - 16:42
 0
شبابنا وقضاياهم/ جمعية العلماء .. رسالة لا تموت

عبد الغني بلاش/

في كل أمة، هناك مؤسسات وهياكل تحمل هوية الوطن، وتكون ضميرًا حيًا لأبنائه، تقود مسيرته الفكرية والثقافية والتربوية بعيدًا عن الصراعات الضيقة والمزايدات العابرة.
ومن بين هذه المؤسسات في الجزائر، تتصدر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مكانةً خاصة، فهي ليست مجرد هيئة أو تنظيم، بل هي مدرسة تربوية وإصلاحية حملت رسالة الأمة وعبرت بها الأزمان والتحديات.
غير أن كل كيان مؤثر لا بد أن يكون محل جدل، وهذا أمرٌ طبيعي، إذ إن المشاريع الكبرى تُختبر بمدى صلابتها في مواجهة التحديات، وبقدرتها على الاستمرار في تأدية رسالتها مهما تبدلت الظروف.
حين أسس الإمام عبد الحميد بن باديس، رفقة نخبة من علماء الجزائر، هذه الجمعية، لم يكن هدفهم التنافس على زعامة فكرية أو نفوذ اجتماعي، وإنما كان مشروعهم واضحًا: إصلاح المجتمع، وتربية الأجيال، وبناء وعي حضاري ينهض بالأمة. واليوم، رغم تغير الظروف، لا تزال الجمعية متمسكة بهذا النهج، تدعو إلى العلم النافع، والحوار الراشد، والتعاون المثمر، لأن الأمة في أمسّ الحاجة إلى البناء، لا إلى الهدم، وإلى الوحدة، لا إلى التفرقة.
لكن المؤسف أن بعض الأصوات التي ترفع شعار النقد والإصلاح تتجاوز حدود النصح إلى دائرة التشكيك والتجريح، وأحيانًا السخرية من جهود الجمعية ورموزها، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل الإصلاح يكون بالتقليل من شأن المؤسسات، أم بدعمها وتقويمها بالحكمة والموعظة الحسنة؟ إن من يريد الإصلاح بحق، عليه أن يكون صادقًا في طرحه، ملتزمًا بأدب العلماء في الحوار، متجردًا من الأهواء، لأن الهدف الأسمى ليس تسجيل النقاط في جدل عقيم، بل خدمة الأمة بما ينفعها.
إننا في زمن كثرت فيه الأصوات وقلّت فيه الحكمة، وأصبح بعض الناس يستغلون الدين في الجدل، يوظفون النصوص في غير مواضعها، ويستخدمونها كأداة للمراوغة بدلًا من التوجيه، وهذا أمر خطير. فالدين ليس ميدانًا للصراعات الشخصية، والعلم ليس أداة للتهكم، والحوار ليس ساحةً للاستعلاء. وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ﴾ [العنكبوت: 46]،
والغريب أن بعض من يهاجمون الجمعية اليوم، يفعلون ذلك وهم يستظلون بظلها، ويستفيدون من رصيدها العلمي والفكري، ثم ينقلبون عليها وكأنهم أوصياء عليها دون غيرهم. لكن الحق أبلج، والجمعية لا تلتفت إلى المهاترات، بل تستمر في عملها برؤية واضحة، محافظةً على مسارها الإصلاحي، ساعيةً إلى تحقيق أهدافها الكبرى في خدمة الجزائر والجزائريين.
إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ليست حزبًا سياسيًا، وليست ناديًا مغلقًا لفئة دون أخرى، بل هي فضاء جامع لكل الجزائريين الذين يؤمنون بالإصلاح والتربية، ويتطلعون إلى نهضة فكرية وعلمية ترتقي بالمجتمع، ولذلك، فإن مسؤولية الجميع—من داخل الجمعية أو خارجها—هي دعم مسيرتها، والنصح بالحكمة، والتعاون على البر والتقوى، بدلًا من إذكاء الخلافات، أو التفرغ للجدل الذي لا طائل منه.
إن الجزائر اليوم بحاجة إلى رجال يحملون همّ الإصلاح بصدق، وإلى عقول تبني ولا تهدم، وإلى سواعد تتكاتف من أجل الصالح العام. فلا نكن ممن يضيعون أوقاتهم في نقدٍ بلا هدف، أو في جدال لا يزيد الأمة إلا ضعفًا، بل لنكن من الذين يسعون إلى الخير، ويقدمون الحلول، ويعملون على توحيد الصفوف، فقد قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ﴾ [المائدة: 2].
هذا العمود هو دعوة صادقة، ندعو من خلالها كل من يحمل حبًا لهذه الجمعية أن يلتف حولها، وأن يساهم في تعزيز مسيرتها، وأن يكون عنصر بناءٍ في مجتمع يحتاج إلى كل يد مخلصة، وعقل حكيم، وقلب صادق أما الجدل العقيم، فإنه لا يزيد إلا فرقةً وضياعًا، والتاريخ لا يذكر الذين أثاروا الضجيج، بل يذكر الذين صنعوا الفرق وساهموا في البناء.
اللهم احفظ هذه الجمعية، ووفق القائمين عليها، وألّف بين قلوب أبنائها، واجعلها دائمًا منارةً للعلم والإصلاح.