قصة نجاح/ حمزة هيصام.. من حلقات التحفيظ إلى التتويج العالمي بالقرآن

إعداد: عبد الغني بلاش/ في هذا العدد الجديد من «قصة نجاح»، نحتفي بشاب جزائري حمل بين جوانحه نور القرآن، فكان له التاج والتكريم في محافل دولية، ليصبح سفيرًا للجزائر في أرقى المسابقات العالمية. إنه الشيخ حمزة هيصام، الفائز بلقب القارئ العالمي للقرآن الكريم في البحرين، والذي جمع بين التخصص العلمي الدقيق والهندسة الكهربائية من جهة، …

فبراير 24, 2025 - 16:42
 0
قصة نجاح/ حمزة هيصام.. من حلقات التحفيظ إلى التتويج العالمي بالقرآن

إعداد: عبد الغني بلاش/

في هذا العدد الجديد من «قصة نجاح»، نحتفي بشاب جزائري حمل بين جوانحه نور القرآن، فكان له التاج والتكريم في محافل دولية، ليصبح سفيرًا للجزائر في أرقى المسابقات العالمية. إنه الشيخ حمزة هيصام، الفائز بلقب القارئ العالمي للقرآن الكريم في البحرين، والذي جمع بين التخصص العلمي الدقيق والهندسة الكهربائية من جهة، وحفظ وتدريس كتاب الله من جهة أخرى، في مسيرة فريدة من نوعها بدأت من مدينة الأغواط وتوجت بالمجد العالمي.

طفولة في ظلال القرآن
وُلِد حمزة هيصام في أسرة محافظة تجمع بين العلم الشرعي والعلمي، فوالده أستاذ في العلوم الإسلامية وخريج جامعة الأمير عبد القادر، ووالدته أستاذة في العلوم الفيزيائية. منذ نعومة أظافره، زرعت فيه الأسرة حب القرآن والعلم معًا، فكان والده يأخذه إلى المسجد، وكانت والدته تحرص على تفوقه الدراسي إلى جانب حفظه للقرآن.
بدأ حمزة رحلته مع القرآن في سن السابعة في مدرسة الشيخ محمد بن عزوز في الأغواط، على يد الشيخ بن الدين مراد، الذي كان أول من آمن بموهبته، وشجعه على المضي قدمًا في هذا الطريق. بفضل جهده ومثابرته، استطاع أن يختم حفظ القرآن الكريم في سن الحادية عشرة، ليبدأ بعدها مرحلة التمكين والإتقان.

الموازنة بين القرآن والعلم
لم يكن حمزة طالبًا عاديًا، فإلى جانب تميزه في حفظ القرآن، كان من الأوائل في دراسته، متفوقًا في المواد العلمية. اختار في مرحلة الثانوية شعبة الرياضيات، واستطاع الحصول على معدل متميز أهّله للالتحاق بالمدرسة الوطنية العليا للتكنولوجيا، حيث تخصص في الهندسة الكهربائية، مسار الآليات والأنظمة.
ورغم انشغالاته الجامعية وضغط الدراسة، لم ينقطع عن القرآن، بل خصص وقتًا يوميًا بعد الفجر وبين المغرب والعشاء لمراجعته، وكان يُدَرِّس القرآن الكريم لزملائه في الإقامة الجامعية. هذا الانضباط جعله يتخرج دون أن يرسب في أي سنة، بل واصل مسيرته الأكاديمية، حيث يوشك على إنهاء مرحلة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية.

رحلة التتويج العالمي..
لم تكن مسابقة القارئ العالمي التي أقيمت في البحرين هي الأولى في مسيرة حمزة، فقد شارك في عدة مسابقات دولية، بعضها لم يُوفق فيها، لكنه لم يستسلم، وأعاد الكرة مرارًا حتى تمكن من تحقيق حلمه الأكبر.
في مسابقة البحرين، تنافس أكثر من 5000 مشارك من 74 دولة، خاضوا مراحل متعددة، ليصل 10 متنافسين فقط إلى النهائيات. وفي التصفيات الأخيرة، كان حمزة من بين أفضل ثلاثة متسابقين عالميًا، إلى جانب متسابقين من اليمن والمغرب. وعندما أعلن فوزه بلقب القارئ العالمي الأول، كان ذلك تتويجًا لسنوات من الجد والاجتهاد، وفرحة غامرة لكل الجزائريين الذين رأوا في فوزه تكريمًا لوطنهم وهويتهم الإسلامية.
يصف حمزة تلك اللحظة بقوله:
«عندما سمعت اسم الجزائر يُنادى في المسابقة، أحسست أن كل ما مررت به من صعوبات، من تعب وسهر وتدريبات، كان يستحق. كان فوزًا للقرآن، وفوزًا للجزائر التي كانت تستحق هذا المجد.»

إمامة التراويح في جامع الجزائر الأعظم
لم يتوقف مشوار حمزة عند حدود التتويج العالمي، بل تشرّف بأن يكون أحد الأئمة الذين أمّوا المصلين في جامع الجزائر الأعظم خلال شهر رمضان، وهو حلم يتمناه كل قارئ. في أول ليلة، شعر ببعض الرهبة، لكنه سرعان ما تمالك نفسه واستعاد تركيزه، ليؤدي صلاتي التراويح والتهجد أمام آلاف المصلين.
يقول عن هذه التجربة:
«المحراب له هيبته، لكن الثقة بالله والعمل المتواصل يجعلانك تتجاوز كل رهبة. كان شرفًا عظيمًا أن أكون بين الذين نالوا هذا الشرف في جامع الجزائر الأعظم.»

المعلم الذي يُخرج الأجيال
إلى جانب دراسته الأكاديمية وإنجازاته في المسابقات، كان حمزة دائمًا محبًا لنقل علمه، فعمل كمعلم متطوع للقرآن الكريم، وخرّج أكثر من 20 طالبًا أتموا الحفظ على يديه. كما يشرف على برامج الإجازات وتحسين الأداء الصوتي للقراء الشباب.
يؤمن بأن أفضل هدية يمكن أن يقدمها الابن لوالديه هي حفظه للقرآن، ويحرص على غرس هذه الفكرة في تلاميذه، قائلًا:
«حامل القرآن يجب أن يكون قويًا في مجتمعه، يجب أن يكون طبيبًا، مهندسًا، قائدًا، لأن القرآن لا يخرج إلا الخير، وإذا تقلّد حامله المسؤولية، كان أكثر الناس أمانة وعدلًا.»

دروس الحياة
علمت الحياة حمزة هيصام أن القرآن هو مفتاح البركة في كل شيء، فكلما التزم به وجد التوفيق، وكلما ابتعد عنه شعر بضيق. كما تعلم أن النقد والرفض ليسا سوى محطات يجب تجاوزها، وأن الإصرار والمثابرة هما مفتاح النجاح.
يقول عن تجربته:
«واجهت صعوبات كثيرة، اعترضني من استهان بي لصغر سني، ومن قال لي إنني لن أنجح، لكنني لم أستمع لهم. كنت أثق بالله، وأسير بخطى ثابتة. واليوم، أحمد الله على كل تلك التحديات، لأنها صنعتني كما أنا.»

رسالة إلى الشباب
في ختام حديثه، يوجه الشيخ حمزة رسالة إلى الشباب:
«استثمروا في القرآن، فهو خير معين لكم في كل شيء. لا تدعوا كلام المحبطين يوقفكم، ولا تخافوا من المحاولات الفاشلة، فالنجاح يأتي لمن لا يستسلم.»
من شوارع الأغواط إلى منصات التتويج العالمية، ومن حلقات التحفيظ إلى محراب جامع الجزائر الأعظم، خطّ حمزة هيصام قصة نجاح ملهمة، برهنت على أن العزيمة والإيمان قادران على صناعة المستحيل. إنه نموذج للشاب الجزائري الذي جمع بين التخصص العلمي والتفوق الديني، فكان خير ممثل لوطنه وأمته.