طه حسين و.. “وللقرآن أن يحدّثنا”
عبد الحفيظ بن جلولي طبعا للقرآن أن يحدّثنا لنمتلئ بأسراره وحقائقه المطلقة، فقط علينا ان نتحرّك صوب عوالمه المكثفة بالإنسان والقصص والاعتبار، ومن ذلك يتشكل التاريخ، ومن هذه الناحية يعتبر القرآن عنصرا جوهريا في التوافق بين حركة الإنسان او “السعي” والتاريخ (كمنجز إلهي) باعتباره نتيجة للحركة. يعتبر رمضان من دوافع …

عبد الحفيظ بن جلولي
طبعا للقرآن أن يحدّثنا لنمتلئ بأسراره وحقائقه المطلقة، فقط علينا ان نتحرّك صوب عوالمه المكثفة بالإنسان والقصص والاعتبار، ومن ذلك يتشكل التاريخ، ومن هذه الناحية يعتبر القرآن عنصرا جوهريا في التوافق بين حركة الإنسان او “السعي” والتاريخ (كمنجز إلهي) باعتباره نتيجة للحركة.
يعتبر رمضان من دوافع الحركة نحو القرآن، باعتباره شهر نزوله، ومن خلاله يتأسس الإقبال عليه تلاوة وتدبّرا، ليتراءى القرآن كما لم نكن نراه لاعتبارات التفرّغ الإيماني والامتلاء الوجداني.
طه حسين لا شك إنّه عميد الأدب العربي، ورافعة أصيلة للغة العربية، تلك التي تتحرّك بين شفتيه مندفعة من أعماقه المحبة للفصيح العربي، وهذا لا يمنع من الاختلاف معه في بعض ما أثاره من زوابع في مسار الثقافة العربية ومنها كتابه “في الشعر الجاهلي”، حيث تعرّض للوجود التاريخي لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام مشكّكا: “للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذين الاسمين في القرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي..”، ويبدو للوهلة الأولى أنّ منطق البحث التاريخي يملي هذه النتيجة، ولكن معيار طه حسين في البحث التاريخي الذي يروم الاقتراب من الحقيقة القرآنية يشوبه خلل الانطباق على موضوع البحث، فحركة عميد الأدب العربي نحو القرآن اعتمدت معيارين: أولهما منهج الشك الديكارتي، وثانيهما النقد التاريخي الذي تعرّض له الكتاب المقدس، وكلا المعيارين نشأ في سياق تاريخي وثقافي يختلف تماما عن السياق العربي والإسلامي، أي أنّ طه حسين جعل التاريخ حكما على القرآن متأثرا في ذلك بالسياق الأوروبي في نقد الكتاب المقدّس الذي تعرّض للتحريف، وهو ما سيؤسّس مستقبلا لمفهوم “تاريخية النص” باعتباره “منتج ثقافي” ( كتاب مفهوم النص) كما يرى نصر حامد أبو زيد، أو ما توصل إليه أركون من أنّ “القرآن ذو بنية أسطورية” (كتاب تاريخية الفكر العربي الإسلامي)، وهي رؤى من مخلفات التأثر بالمنهج الغربي في تفكيك النص المقدّس، وهذا عكس الرّؤية القرآنية الممنهجة وفق الانطلاق من الحقيقة القرآنية باعتبار صدورها الإلهي المحفوظ، لإثبات الحقائق التّاريخية التي تعرّض لها القرآن، فمثلا يؤكد القرآن على الخلق الإنساني: “وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم..” لكن هذا لا يمنع من الحث على البحث في بداية الخليقة كما توضّحه الآية الكريمة: “قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق”، فالنص الإلهي يقدم معطياته كحقائق وعلى التاريخ باعتباره منجز الإرادة الإلهية (آدم فاعل حركة التاريخ الأولى) أن يسير نحوها، فلو انطلق طه حسين من المسلّمة القرآنية كحقيقة إلهية لإثباتها تاريخيا كان ذلك أكثر منطقية لأنّه ينسجم مع منطق الإرادة الإلهية في إيجاد الأشياء ومنها التاريخ.