عيدنا وعيد غزة

أ. عبد العزيز كحيل/ كان عيد هذا العام مختلفا تماما عن سائر الأعياد، فقد كان غاية في الحزن على قلوب المسلمين الذين يتابعون الإبادة الجماعية التي تتواصل في غزة على يد العدو الصهيوني تحت سمع العالم وبصره وبتواطؤ الأنظمة العربية الوظيفية وتحريضها على المقاومة، حلّ العيد ونحن منكسرة قلوبنا، تؤلمنا دموع أهل غزة لأنها دموع …

يونيو 16, 2025 - 16:21
 0
عيدنا وعيد غزة

أ. عبد العزيز كحيل/

كان عيد هذا العام مختلفا تماما عن سائر الأعياد، فقد كان غاية في الحزن على قلوب المسلمين الذين يتابعون الإبادة الجماعية التي تتواصل في غزة على يد العدو الصهيوني تحت سمع العالم وبصره وبتواطؤ الأنظمة العربية الوظيفية وتحريضها على المقاومة، حلّ العيد ونحن منكسرة قلوبنا، تؤلمنا دموع أهل غزة لأنها دموع قوم أعزة أرهقتهم المحنة وطال عليهم القصف المتواصل وحاصرهم الجوع، محنة قاهرة رأوا فيها خيانة القريب ونفاق العالم وغربة الإسلام.
عيد ذبحنا فيه الكباش ويا ليتنا ذبحنا معها الذل والهوان والعجز، وحج متميز تماما عن سابقيه منذ بدأت هذه الشعيرة المباركة العظيمة، فقد وقف مليونان من المسلمين على صعيد عرفة بينما يقف مليونان من المسلمين على صعيد غزة يجاهدون نيابة عن الأمة ويحيون شعيرة كبيرة أخرى هي ذروة سنام الإسلام لكن دون مدد إلا من الله تعالى، وقف الحجيج وهم متجردون من الثياب ويقف أهلنا في غزة وقد فقدوا كل شيء، وقف الحجيج وهم مفطرون لا صيام عليهم ويقف أهل غزة صائمين لا يجدون طعاما ولا شرابا لأن العدو أراد ذلك ودول الجوار «المسلمة» تحكم الطوق على القطاع ولا تترك أحدا يغيث أهله، وقف وفد الرحمن بالصعيد الطاهر يطلبون المغفرة والصفح ويقف المجاهدون في غزة يشكون إلى ربهم مرارة الخذلان، ومع غروب شمس يوم عرفة انتهى وقوف الحجيج ولا يدري أحد متى تنتهي محنة اهل غزة المرابطين الأباة، لقد أحرم الناس بالحج والعمرة وأحرم أهل غزة بالشهادة، هناك ارتدوا لباس الإحرام وهنا ارتدوا الأكفان، هناك تمتعوا بالحج والعمرة وهنا يتمتعون بالجوع والتشريد والموت، هناك وقفوا على جبل عرفات وهنا يقفون على جبال من العزة والإباء والكرامة، في يوم العيد هرع الحجاج إلى أم القرى وطافوا بالبيت العتيق بينما طاف أهل غزة ببيوتهم المدمرة وقبور شهدائهم الأبرار، هناك تقربوا إلى الله بأنعامهم وهنا تقربوا إليه بأرواحهم، في الجمرات رموا ما يرمز إلى إبليس وفي غزة يرجمون شياطين الإنس ممثلين في جنود الكيان الصهيوني والمتواطئين معه والمخذلين والمنافقين.
ومما زاد قلوبنا إيلاما وكادت عقول المسلمين تطيش أن فظاعة المجازر التي يقوم بها الكيان الصهيوني المجرم جعلت كل العالم يثور ويغضب إلا العرب، فحكامهم ينأون بأنفسهم عن القضية حفاظا على عروشهم وحتى لا يطالهم غضب العدو، وقد شكك د.عبد الله النفيسي في انتمائهم لدين الإسلام وطرح فرضية أنهم يهود يخفون هويتهم، أما علماء السوء فهم يتكلمون بالباطل ويفتون بالزور ويدورون مع أهوائهم لا مع الحق، يحرفون الكلم عن مواضعه إرضاء لأولياء نعمتهم ولو أغضبوا الله بتبرير الخيانة والخذلان، أما الشعوب فقلوبهم مع القضية وعقول أكثرهم مع كرة القدم وأنواع اللهو والعبث إلا قليلا من المصطفين الأخيار.
ومهما يكن من أمر فإن في غزة بقية السلف الصالح حقا، أحيوا سيرته ووقفوا في وجه العدو وأثخنوا فيه وأصابوه في مقاتل رغم اجتماع أسباب القوة في طرف واجتماع أسباب الضعف في الطرف الآخر كما كان الأمر في غزوة الأحزاب وقبلها في الواقعة بين طالوت وجالوت، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
في سياق الحديث عن حال العيد عندنا وفي غزة استخلصنا درسا بليغا هو غاية في القسوة على النفس ألا وهو انتشار التدين العاطفي بشكل كبير بين المسلمين كثّر عددهم وقلل عطاءهم وفاعليتهم إلى حد بعيد، والتدين العاطفي أشار إليه الحديث النبوي «يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم» أي هو تدين على مستوى العاطفة لا حظ له من الفهم والوعي والبصيرة، وأبرز مظاهره في سياقنا هذا الإقبال الكبير على مواسم الحج والعمرة وإنفاق مبالغ طائلة عليها والابتهاج بنا كأنها غاية المنى في حين يضن كثير من هؤلاء بدنانير يدفعونها لغزة، أي يؤمنون بالعبادات الفردية ويكثرون من النوافل من غير التفاتة جادة إلى فريضة الجهاد وقد تعيّن ولم يعد جهاد طلب بل هو جهاد دفع يكون فيه بذل المال – بعدما تعذر الجهاد بالنفس – أولى الأولويات، وتكرار الحج والعمرة – وهي هنا نوافل – والاكتفاء بالتلاوة والصيام والإعراض عن الجهاد والتبرم منه يدل على الجهل بمراتب الأحكام والاستهانة بفقه الأولويات، والتدين العاطفي هو قرة عين أمريكا ومركز رند والدوائر العلمانية والأنظمة الوظيفية و مرجئة العصر لأنه لا يغيظ عدوا ولا يخدم دينا ولا يرفع شأن المسلمين، فعلينا استخلاص الدروس من غزة والنهوض إلى التدين الواعي البصير.