في ذكرى المجاهد العالم الشيخ إبراهيم مزهودي

أ. عبد الحميد عبدوس/ مرت حوالي 15 سنة (فيفري 2010ـ فيفري2025) على رحيل العلامة المجاهد الشيخ إبراهيم مزهودي الذي وافته المنية في الثاني عشر من ربيع الأول 1431 هـ الموافق للسادس والعشرين فيفري 2010 عن عمر ناهز 88 سنة، ودفن بتوصية منه في مسقط رأسه. كان الشيخ إبراهيم مزهودي رئيسا شرفيا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. …

فبراير 18, 2025 - 11:49
 0
في ذكرى المجاهد العالم الشيخ إبراهيم مزهودي

أ. عبد الحميد عبدوس/

مرت حوالي 15 سنة (فيفري 2010ـ فيفري2025) على رحيل العلامة المجاهد الشيخ إبراهيم مزهودي الذي وافته المنية في الثاني عشر من ربيع الأول 1431 هـ الموافق للسادس والعشرين فيفري 2010 عن عمر ناهز 88 سنة، ودفن بتوصية منه في مسقط رأسه. كان الشيخ إبراهيم مزهودي رئيسا شرفيا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
هو من مواليد 9 أوت 1922 بالحمامات في ولاية تبسة. حفِظَ نصيبا من القرآن الكريم في قريته، ثم انتقل إلى مدرسة تهذيب البنين والبنات بتبسة، التي أسسها الشهيد الشيخ العربي التبسي في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي (القرن العشرين). ثم التحق بجامع الزيتونة بتونس، وعاد بعد حصوله على شهادة العالمية إلى تبسة في منتصف الأربعينيات وعمل مدرسا بها.
التحق الشيخ مزهودي، بترشيح من الشيخ الشهيد العربي التبسي، بثورة التحرير الوطني في عام 1955. قام بمهمة الاتصال بفريق الشهيد عبان رمضان، الذي كان قد أفرج عنه في بداية العام من السجون الفرنسية، والذي أشرف بعد ذلك على تنظيم مؤتمر الصومام الذي وضع الأسس التنظيمية للثورة الجزائرية. في بدايات سنة 1956م رافق الشهيد عمارة رشيد والمجاهد سعد دحلب اللذين كانا في مهمة ربط الاتصال مع قيادة المنطقة الثانية (الشمال القسنطيني) لأجل التنسيق معها ولبحث سبل الإعداد مؤتمر الصومام. رافق المجاهد سعد دحلب من مدينة قسنطينة إلى مقر قيادة المنطقة الثانية بناحية بني صبيح قرب مدينة الميلية بجيجل. ثم التحق بالجبل وانضم إلى جيش التحرير الوطني في الولاية التاريخية الثانية، وترقى إلى رتبة رائد (ضابط سام). أصبح نائبا لقائد الولاية التاريخية الثانية الشهيد البطل يوسف زيغود – رحمه الله – .كان من القيادات البارزة لمنطقة الشمال القسنطيني التي حضرت مؤتمر الصومام سنة 1956، وهم: زيغود يوسف، عبد الله بن طوبال، عمّار بن عودة، وحسين رويبح، وعلي كافي. بخصوص مؤتمر الصومام الذي انعقد في 20 أوت 1956 بالولاية التاريخية الثالثة. يقول المجاهد الراحل الشيخ إبراهيم مزهودي: «كان مقررا له أن يعقد في الولاية الثانية، لقربها من الحدود التونسية التي هي امتداد للحدود الليبية، والتي يسهل الدخول منها إلى الجزائر، والخروج منها أيضا… وقد انتظرنا الوفد القادم من المشرق العربي قرابة نصف الشهر، ولكنهم لم يأتوا، ولم يعتذروا، وقد أشيع – بعد ذلك– أنهم لم يستدعوا إلى المؤتمر! وهذا مخالف للحقيقة، فهم الذين لم يحضروا، ثم بعد ذلك ادعوا أن المؤتمر غير شرعي، لأن الولاية الأولى (أوراس النمامشة) لم تحضره .
بعد مؤتمر الصومام كلفته القيادة المنبثقة عنه الممثلة في لجنة التنسيق والتنفيذ (قيادة الداخل) بتمثيلها في تونس، رفقة المجاهد الراحل الرائد عمار بن عودة الذي ترقى فيما بعد إلى رتبة عقيد في جيش التحرير، والمجاهد الراحل العقيد عمر أوعمران الذين دخلوا في صراع مع ممثلي الوفد الخارجي (قيادة الخارج) بتونس،بقيادة الشهيد سعيد عبد الحي الذراع العسكري في تونس للمجاهد أحمد بن بلة، والمجاهد الراحل علي(أحمد) محساس أحد أكبر الرافضين لمؤتمر الصومام والعاملين على نقض قراراته، وكان يملك تفويضا من زعيم الوفد الخارجي المجاهد أحمد بن بلة بتمثيل الجبهة في تونس. فحدثت صراعات عنيفة بين الطرفين، من أجل بسط النفوذ على قواعد الثورة بتونس، بلغت إلى حد التصفيات الجسدية. كما تولى المجاهد الشيخ إبراهيم مزهودي خلال وجوده بتونس مسؤولية تحرير القسم العربي من جريدة المجاهد الناطقة باسم جيش وجبهة التحرير الوطني. شغل منصب أول أمين عام للحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة الرئيس فرحات عباس – رحمه الله-.
وبعد الاستقلال، كان من الأعضاء الذين رشحتهم الولاية الأولى كنائب في المجلس الوطني التأسيسي، وترأس «لجنة التربية والثقافة» في المجلس. المجاهد الشيخ إبراهيم مزهودي،كان من بين تلك الثلة الفاضلة من قدامى جيش وجبهة التحرير الذين دافعوا عن ترسيم الثوابت الوطنية (الإسلام دين الدولة، اللغة العربية لغة وطنية رسمية) في أول دستور للجمهورية الجزائرية المستقلة بعد معركة برلمانية شرسة مع التغريبيين في المجلس التأسيسي.. وكانت خاتمة هذه الفترة النيابية أن سُجن في الصحراء الكبرى، رفقة زملاء آخرين من طرف نظام الرئيس الراحل أحمد بن بلة، رغم الحصانة البرلمانية التي كان يتمتع بها النائب. عندما سأل أحدُ زملائه النواب عنه، ألحقوه به، ووضعوهما في زنزانة واحدة. بعد الانقلاب على حكم الرئيس الراحل المجاهد أحمد بن بلة بقيادة العقيد الراحل المجاهد هواري بومدين، التحق بوزارة التربية الوطنية حيث تولى إدارة الشؤون الثقافية بالوزارة، تحت إشراف الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزير التربية الوطنية آنذاك .ثم شغل منصب سفير الجزائر في القاهرة من سنة 1971 إلى سنة 1974، فاستطاع تحسين العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر ومصر التي كانت قد توترت بشدة بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر وتولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات رئاسة مصر. قدم استقالته من منصبه سفيرا في القاهرة بعد خلافات بينه وبين وزير الخارجية آنذاك الراحل عبد العزيز بوتفليقة الذي تولى رئاسة الجزائر لمدة 20 سنة خلال أربع عهدات رئاسية من أفريل 1999 إلى أفريل 2019. ظل خلافه مع الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة مستمرا إلى أخر أيام حياته.
للأسف لم يكتب المجاهد الراحل العلامة الشيخ إبراهيم مزهودي مذكراته، رغم أنه كان من المثقفين المتضلعين في علوم اللغة العربية وفنونها التعبيرية، ورغم حياته الطويلة الحافلة بالأحداث والبطولات والانعطافات التاريخية الكبرى في تاريخ الجزائر التي كان شاهدا عليها وفاعلا في بعض مراحلها، ربما يعود ذلك إلى الحساسيات المتعلقة بكتابة التاريخ الوطني، أو ربما يعود السبب إلى طبيعته الشخصية المتصفة بالتكتم والزهد في الدنيا، إذ عاش حياته متقشفا عفيفا عميق الإيمان بأن ما عند الله تعالى خير وأبقى، كما أن الشيخ الراحل ينتمي إلى تلك الفئة من الجيل الثوري المجيد الذي يكره الأنانية والذاتية والتفاخر، ويثمن فكرة العمل الجماعي، ومبدأ القيادة الجماعية الذي اتخذته ثورة التحرير المظفرة شعارا لها؟! كما تميز بنشاطه الدعوي في مساجد العاصمة ومسجد بلدية الحمامات الذي أسسه في العهد الاستعماري، والده الشيخ عبد الله، عليه رحمة الله، على جزء من قطعة الأرض التي تضم مسكنه العائلي
سبق لنا – الأستاذ نوار جدواني المدير السابق للمكتبة الوطنية وعضو المجلس الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، المكلف بإحياء تراث الجمعية (الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى في شهر نوفمبر 2015) وأنا عبد الحميد عبدوس/ كاتب هذه السطور- زيارة فضيلة الشيخ إبراهيم مزهودي في بيته الكائن بشارع محمد الخامس رقم 51 بالجزائر العاصمة، قبل سنتين من التحاقه بالرفيق الأعلى. كانت الزيارة للاطمئنان على حالة الشيخ، لكن الحديث جرنا لمحاولة أخذ شهادته باعتباره فاعلا تاريخيا عن مرحلة تاريخية يكثر التجاذب حولها، وقد نشرنا، في وقتها، ملخص الحوار في جريدة البصائر.