متابعو مؤثري الفضائح.. جمهور مضطرب يبحث عن تفريغ نفسي
تحوّلت مواقع التواصل في الجزائر إلى ساحات مشحونة، لا تخلو من تعليقات قاسية وشتائم مجانية تستهدف كل من يعبّر عن نفسه، أو يظهر نجاحًا أو اختلافًا بسيطًا. هذه الظاهرة التي كانت تُصنّف سابقًا ضمن السلوكيات الفردية أو الانفعالات العابرة، باتت اليوم – حسب المختصة النفسية العيادية أسماء عبد النبي – “سلوكًا جماعيًا مرهقًا، يعكس أزمة [...] ظهرت المقالة متابعو مؤثري الفضائح.. جمهور مضطرب يبحث عن تفريغ نفسي أولاً على الحياة.

تحوّلت مواقع التواصل في الجزائر إلى ساحات مشحونة، لا تخلو من تعليقات قاسية وشتائم مجانية تستهدف كل من يعبّر عن نفسه، أو يظهر نجاحًا أو اختلافًا بسيطًا. هذه الظاهرة التي كانت تُصنّف سابقًا ضمن السلوكيات الفردية أو الانفعالات العابرة، باتت اليوم – حسب المختصة النفسية العيادية أسماء عبد النبي – “سلوكًا جماعيًا مرهقًا، يعكس أزمة عميقة في الفهم والاتزان النفسي، وينتشر بوتيرة مقلقة داخل المجتمع الجزائري، حتى في أكثر المواضيع بساطة”.
تقول عبد النبي، في تصريحها لموقع “الحياة”، إن الأمر لم يعد يتعلق فقط بانتقاد الأفكار أو التعبير عن رأي مخالف، بل بتفريغ عدواني لا مبرر له، يستهدف أشخاصًا بسبب ملامحهم، طريقتهم في الحديث، ملابسهم، أو حتى نبرة صوتهم. وتتابع: “في كثير من الحالات، نلاحظ أن التعليقات المسيئة لا ترتبط بمحتوى المنشور أصلاً، بل تميل إلى التحقير الشخصي، والتقليل من الآخرين، في صورة تعكس اضطرابات نفسية لم تعد خفية”.
وترى الأخصائية أن الجزائر أصبحت تعيش موجة صامتة من التنمر الرقمي المتكرّر، إلى درجة أن أي شخصية تظهر على العلن، ولو لمجرد تهنئة أو مشاركة إنجاز بسيط، تُصبح هدفًا لحملة سخرية أو شتائم، حتى وإن لم ترتكب أي خطأ. وتشير إلى أن هذا النوع من التفاعل لم يعد محصورًا في فئة عمرية واحدة، بل امتد إلى فئات متعددة، بمن فيهم شباب في مقتبل العمر، يختارون الشتم كوسيلة تعبير شبه روتينية.
وتُرجع عبد النبي هذا السلوك إلى سلسلة من الاضطرابات النفسية التي باتت تجد في الفضاء الرقمي متنفسًا خطيرًا، إذ يشعر البعض بلذة مؤقتة عند إهانة الآخرين، لأنها تمنحهم إحساسًا بالهيمنة أو الانتصار، بينما هي في الحقيقة تغطية على إحباط داخلي، شعور بالدونية، أو فشل متراكم.
كما تشير إلى أن بعض حالات الشتم تنبع من ما يُعرف بـ”الإسقاط الدفاعي”، حيث ينقل الشخص عيوبه ومشكلاته على غيره، فيبدأ بمهاجمته على أشياء يشعر هو نفسه بالخجل منها. وفي حالات أخرى، تظهر ملامح ما يُسمى بـ”العدوان المقنع”، الذي يصاحب الاكتئاب الخفي، حيث يشعر المصاب به بالاختناق النفسي، لكنه لا يُظهر الحزن، بل يتحوّل إلى مصدر أذى لغيره، خصوصًا من يراهم سعداء أو ناجحين.
وتؤكد عبد النبي أن جزءًا من هذه الظاهرة تغذّيه بعض المنصات التي تُكرّس خطاب الإهانة والسخرية، وتجعل من المؤثرين الذين يتهجمون على الآخرين نماذج “مسلّية”، دون إدراك أن هذا النوع من المحتوى يشجع على التماهي مع السلوك العدواني، ويعطي الضوء الأخضر لمتابعين مراهقين لتقليدهم.
في أحد الأمثلة المؤلمة، تذكر عبد النبي قصة تلميذ جزائري نال المرتبة الأولى في امتحان “البيام”، ليُكافأ بحملة سخرية فقط بسبب هدوئه وطريقة كلامه المهذبة، حيث وُصف بالصناعي أو غير الطبيعي، في حين أن تلك السلوكات – حسب المعالجة – كانت دليلا على تربية أسرية محترمة وثقة بالنفس، لا نقيصة.
وترى المختصة أن خطورة هذه التعليقات لا تكمن فقط في وقعها اللحظي، بل في تراكمها على نفسية الضحايا، خاصة عندما لا يكون لديهم نضج كافٍ لفرزها أو تجاوزها. وهنا، تدعو إلى اعتماد ما تسميه “التجاهل الواعي”، أي أن يدرك الإنسان أن الإهانة لا تمسه في جوهره، بل تمس مرآة الشخص الآخر.
وتختم عبد النبي حديثها بدعوة الأخصائيين الاجتماعيين إلى التحرك المشترك، والاشتغال على حملات توعية ومرافقة نفسية للأشخاص المتضررين من هذا العنف اللفظي الرقمي، مع التأكيد على أن طلب المساعدة ليس ضعفًا، بل وعي واستحقاق.
تقول: “ليست الشاشات مجالًا للبطولة، ولا الشتائم دليل قوة. ما نراه اليوم ليس جرأة، بل وجع لم يُعالَج، يختبئ خلف ضغطة تعليق”.
ظهرت المقالة متابعو مؤثري الفضائح.. جمهور مضطرب يبحث عن تفريغ نفسي أولاً على الحياة.