نحو جامعة تضطلع بالحكمة والتكوين المبدع
أ.د. لخضر مذبوح*/ كثيرة هي الكتابات حول الجامعة التي تعالج مختلف مظاهرها كمؤسسة وتناقش مناهجها في التعليم والبحث ودورها في المجتمع باعتبارها حاضنة للكفاءات العلمية المبدعة والنخب المستنيرة المؤطرة للمجتمع٠وفكرة الجامعة عرفت نقاشات عديدة حول طبيعتها الجوهرية ودورها، ولا تزال إلى يومنا هذا موضوع مساءلة، وهناك آراء كثيرة متعددة ومتنوعة حول غايتها القصوى، فهي حسب …

أ.د. لخضر مذبوح*/
كثيرة هي الكتابات حول الجامعة التي تعالج مختلف مظاهرها كمؤسسة وتناقش مناهجها في التعليم والبحث ودورها في المجتمع باعتبارها حاضنة للكفاءات العلمية المبدعة والنخب المستنيرة المؤطرة للمجتمع٠وفكرة الجامعة عرفت نقاشات عديدة حول طبيعتها الجوهرية ودورها، ولا تزال إلى يومنا هذا موضوع مساءلة، وهناك آراء كثيرة متعددة ومتنوعة حول غايتها القصوى، فهي حسب بعض الآراء وظيفتها تكمن في تأهيل الأجيال القادمة لأداء أدوارهم المهنية بعد التدرج، ويرى اخرون ذوو توجه ليبيرالي ان للجامعة دورا في تطوير الأفراد وأخذ مكانتهم داخل المجتمع.
وفي هذا الحيز الضيق سأكتفي بالاستئناس ببحث طريف حول الجامعة في عالمنا المعاصر للفيلسوف البريطاني Nicholas Maxwell (1937-2025) المتوفي في 11/01/2025وهو من أشهر فلاسفة بريطانيا وأغزرهم انتاجا فقد أكد على ضرورة ان تعين الجامعة بعقلانية لتكون متخصصة لمساعدتنا على تعلم كيف نحل ما يسميه مشكلات حياتنا الشاملة، في مقاله الهام : Ni cholas Maxwell (How universities can help create a wiser world حاول رسم مقاصد جديدة للجامعة المعاصرة حيث يرى أن صنع تقدم نحو عالم افضل يحتاج تعليما عقلانيا لنتعلم كيف نحقق ذلك، وعليه فنحن بحاجة إلى مؤسسات للتعلم عقلانيا مخصصة وموجهة لخلق تقدم نحو عالم أفضل، وهذا ما يراه ينقصنا في الوقت الحاضر وهو ما دفعه إلى ضرورة إحداث ثورة أكاديمية بالجامعة حيث تصبح الغاية الأساسية الحكمة وليس المعرفة كما هو سائد منذ قرون.
وفيما يتعلق بجامعتنا التي وجدت نفسها عقب الاستقلال كمؤسسة رائدة تفتقر للتأطير والهياكل، فانخرطت الدولة الوطنية في ما يشبه محو الأمية العلمية بالتعليم العالي فالكولونيالية الفرنسية التي وضعت الإنسان الجزائري تحت أبشع قوانين البشر قانون الأهالي status d’indigénatالذي حرم الإنسان من التعليم، ولهذا السبب كانت غاية الجامعة الجزائرية هي المعرفة، فالجزائر المستقلة باعتمادها ديمقراطية التعليم وطموحها في بناء دولة عصرية لها صناعتها وزراعتها تركز التكوين المعرفي فيها على التخصصات التي تحتاجها في مشاريعها التنموية فكان الاهتمام بالتكنولوجيا والعلوم الطبية والإدارية ،وظلت العلوم الاجتماعية والإنسانية مهمشة وهذا ما انعكس سلبا على الحياة الاجتماعية والثقافية للإنسان الجزائري.
إن أريد للجامعة تأدية دورها كقاطرة للمشروع الوطني التنموي للحاق بركب الدول المتقدمة؛ على القائمين على الجامعة أن يجعلوها حاضنة للإبداع العلمي والأدبي والفني من خلال الإصلاح وإعداد برامج تنّمي الذكاء والإبداع والنقد، والتخلي عن مناهج التلقين مع ربط التكوين بمتطلبات الشغل والواقع والتركيز على مخابر البحث لتكوين مجتمع معرفة يستجيب لمتطلبات المجتمع وحاجياته من خلال أبحاث علمية نظرية لها تطبيقاتها العملية في مجال الصحة والصناعة والزراعة والإنشاءات الهندسية لتطوير عمراننا وجمالياته.
والجامعة نافذة على العالم بها يدرس الطلبة لغات العالم وينفتحون على ثقافات وحضارات العالم، وأبرزها اللغات الحية فإتقان اللغات من شروط التكوين الجيّد وكما أن تعلم اللغات القديمة في جامعاتنا ضروري لفهم ماضينا وحاضرنا وتاريخنا فتاريخنا الوطني فيه إرث روماني لاتيني، وإرث بيزنطي وإرث عثماني، وإرث فرنسي.كما أن إتقان اللغات يساعد على الترجمة إلى اللغة العربية خاصة العلوم والتكنولوجيا حتى تصبح تدرس باللغة العربية.
ومن العوامل المساعدة على التطور واكتساب الخبرات استضافة أساتذة أجانب زائرين يحتك بهم الطلبة فيتسع أفقهم العلمي مع توفير إطار حياة وبحث لائقين بالباحثين للقيام بمهماتهم كما يؤمل مع تغليب الجانب العلمي على الجانب الإداري البيروقراطي الذي يقتل البحث وجعل مناصب مدراء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء الأقسام بالانتخاب لا بالتعيين.لعهدات محددة قانونا.
* أستاذ التعليم العالي، جامعة قسنطينة 2