وليدي ملاك ما يغلطش”: عندما يتحول الدلال إلى قنبلة موقوتة!
في زمان الدلال – و في واقعنا المعاصر الذي يعجّ بالعجائب و الغرائب – ظهر جيل فريد من نوعه من الاطفال . جيلٌ نشأ في حجر أمهات لا يفقهون في اساليب التربية السوية والمعتدلة شيءا ، لديهن قدرة عجيبة على تحويل أبنائهن إلى كائنات معصومة بمجرد ان يرتكب ابنهم كارثة : “ابني لا يخطئ!”و تتفنن […] The post وليدي ملاك ما يغلطش”: عندما يتحول الدلال إلى قنبلة موقوتة! appeared first on الجزائر الجديدة.

في زمان الدلال – و في واقعنا المعاصر الذي يعجّ بالعجائب و الغرائب – ظهر جيل فريد من نوعه من الاطفال . جيلٌ نشأ في حجر أمهات لا يفقهون في اساليب التربية السوية والمعتدلة شيءا ، لديهن قدرة عجيبة على تحويل أبنائهن إلى كائنات معصومة بمجرد ان يرتكب ابنهم كارثة : “ابني لا يخطئ!”و تتفنن في سرد قاءمة لا نهاية لها من التبريرات . أما الآباء، فهم محامو الدفاع الأبديون، المستعدون دائمًا لتقديم حججٍ واهية تبرئ ساحة “المتهم البريء الذي هو طبعا ودون ادنى شك ابنهم الملاك ” حتى قبل وقوع أي “جريمة” سلوكية!
تخيلوا معي هذا المشهد المألوف: طفلٌ يلوث جدران المنزل برسومات “عبقرية” لا يفهمها إلا هو ووالدته. يدخل الأب، وبدلًا من تقويم هذا السلوك، يبدأ في نسج سيناريوهات خيالية: “لا بد أن القلم انفجر! أو ربما فعل ذلك وهو ناءم !”. أما الأم، فتمسح على رأسه بحنان قائلة: “يا عمري، أكيد ستصبح فنان مشهور عندما تكبر !”لقد بدءت تظهر على ابني علامات التميز والذكاء والعبقرية التي لم يسبقه لها احد .
هكذا ينشأ “البريء”، وهو يحمل في داخله اعتقادًا راسخًا بأنه محور الكون، وأن أفعاله دائمًا مُبرَّرة بمنطقٍ خاص لا يفهمه سواه. إذا كسر شيئًا، فاللوم على “قانون نيوتن المعكوس!”. وإذا فشل في أمر ما او تعثر في دراسته وتحصل على معدل ضعيف فهذا سببه العين ولابد من زيارة راقي حتى بحجره من اثار العين او ان معلمه اهمله ولم يقم بواجبه كما يجب وتحتج بشدة على هذا الامر وربما تشتكي المعلم للمدير امام ابنها .
هناك دائمًا ذلك الصوت العاقل، ذلك الشخص الذي يرى الأمور بوضوح ويحاول أن ينبه الأهل قائلًا: “يا جماعة الخير، هذا الطريق سيؤدي إلى نتائج وخيمة! يجب أن يتعلم الطفل تحمل مسؤولية أفعاله الصغيرة قبل أن تتفاقم الأمور!”. لكن الأهل يرفضون هذه النصيحة بحجة أنهم “يفهمون” طفلهم أكثر من أي شخص آخر، وأن “الدعم النفسي غير المشروط” هو الحل الأمثل.
يكبر هذا الطفل ويتوظف – غالبًا بفضل “معجزة” او واسطة ما او كما يقال بالدارجة بالمعريفة . إذا قصّر في عمله، فالسبب هو “الضغط الهائل الذي لا يتحمله بشر!”. وإذا ارتكب خطأ جسيمًا، فالمذنب هو “نظام العمل المعقد الذي لا يفهمه إلا العباقرة!”.
يحاول الزملاء العقلاء أن يوضحوا له أهمية الاعتراف بالخطأ والتعلم منه، لكنه يرد بغرور: “أنا لا أرتكب الأخطاء! أنا فوق مستوى هذه التفاهات!”.
وفي النهاية، تحدث الكارثة. “العبقري الذي لا يخطئ” يرتكب فعلًا مشينًا أو يتخذ قرارًا خاطئًا ذا عواقب وخيمة. وعندما يُطالب بتحمل المسؤولية، يتصل فورًا بـ “فريق الدعم” الخاص به – الأم والأب. يحضر الأهل وهم يصرخون مستنكرين: “ابننا ضحية! مؤامرة! ظلم! غيرة ! كراهية!” والى غير ذلك من التبريرات التي لا تنتهي .
هنا، يأتي صوت الحقيقة ليقول بوضوح: “لقد فشلتم في تعليمه أبسط قواعد الحياة:فشلتم في تعليمه كيفية تحمل مسؤولية افعاله . والنتيجة هي هذه الفوضى. الآن، يجب أن يتحمل هو العواقب وحده”.
يا قوم! يا سادة! يا من تزرعون بذور المستقبل! لا تحولوا أبناءكم إلى كائنات هشة تعيش في فقاعة من التبريرات والأعذار. علموهم أن الخطأ جزء أصيل من النمو، وأن تحمل تبعات الفعل البسيط هو الخطوة الأولى نحو النضج الحقيقي. لا تجعلوا منهم جيل “الماما قالت” و “البابا عمل”، بل اجعلوهم جيل “أنا فعلت وأنا أتحمل النتائج”.
وإلا، فانتظروا جيلًا كاملًا يلقي باللوم على كل شيء سوى نفسه، جيلًا يعيش في إنكار دائم للواقع وعواقبه. وحينها، لن ينفع الصراخ و العويل، وستدفع مجتمعاتنا ثمنًا باهظًا لجيلٍ لم يتعلم قيمة المسؤولية.
يا ناس الخير، تعالوا نتأملوا مليًا في هذه الظاهرة، ونفهموا كيف أن عدم محاسبة الأبناء على أفعالهم الصغيرة يُنشئ قنبلة موقوتة تهدد مستقبلهم ومستقبلنا.
في كواليس هذا “الدلال المفرط”، كانت الأم تغرق في بحر من المشاعر الأمومية الزائدة، تبرر كل فعل خوفًا من إيذاء مشاعر ابنها. وكان الأب يتباهى بـ “ذكاء” ابنه في التهرب من العقاب، دون أن يدرك أنه بذلك يزرع فيه بذور عدم المسؤولية. أما الطفل، فكان يستمتع بـ “الحصانة الدبلوماسية” التي يوفرها له والداه، لكنه في أعماقه كان يشعر بفراغٍ ما، بغيابٍ لقيمة الاعتراف بالخطأ.
كبر هذا الطفل ودخل معترك الحياة وهو يتوقع نفس “الحماية” التي اعتاد عليها. وعندما واجه صعوبات أو ارتكب أخطاء، كان أول ما يفعله هو البحث عن كبش فداء أو اختلاق عذرٍ ما.
يا أيها المربون، لا تخافوا من مواجهة أبنائكم بأخطائهم الصغيرة. هذه ليست قسوة، بل هي عين الرحمة والرعاية الحقيقية. اتركوهم يتحملون مسؤولية أفعالهم، ليتعلموا منها ويكبروا واعين بقيمة الحق والواجب.
فالهروب من تحمل مسؤولية الأخطاء الصغيرة، يُنشئ أفرادًا غير قادرين على مواجهة تحديات الحياة الكبيرة، ويجعلهم عبئًا على أنفسهم وعلى مجتمعاتهم. والندم حينها لن يُجدي نفعًا.
صوتٌ يخاف على مستقبل أجيالنا من وهم “ابني او ابنتي دائمًا على حق”.
الاستاذ بوعلام زيان
The post وليدي ملاك ما يغلطش”: عندما يتحول الدلال إلى قنبلة موقوتة! appeared first on الجزائر الجديدة.