أوروبا هي موطن مقولة: (معاداة السامية!!)
أ. خير الدين هني/ هذا مقال ذو شجون (مواجع وأحزان)، يستدعي تفصيلات كثيرة ومتشعبة، عن الظروف التاريخية المأساوية، التي عاشها اليهود من اضطهاد وقسوة الأوروبيين المعادين لهم دهورا طويلة، ومن ألوان مآسيهم وأحزانهم وآلامهم التي عاشوها في أوروبا في تاريخ القرون الوسطى والحديث والمعاصر، تمخض مصطلح معاداة السامية، ويتناسب نشر مثل هذه المقالات المطولة في …

أ. خير الدين هني/
هذا مقال ذو شجون (مواجع وأحزان)، يستدعي تفصيلات كثيرة ومتشعبة، عن الظروف التاريخية المأساوية، التي عاشها اليهود من اضطهاد وقسوة الأوروبيين المعادين لهم دهورا طويلة، ومن ألوان مآسيهم وأحزانهم وآلامهم التي عاشوها في أوروبا في تاريخ القرون الوسطى والحديث والمعاصر، تمخض مصطلح معاداة السامية، ويتناسب نشر مثل هذه المقالات المطولة في الجرائد اليومية، التي تتسع صفحاتها للتحليلات المطولة نسبيا، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، (…)، لذلك نشرته مختصرا باقتضاب شديد على منصة اليوتيوب.
ممّا يتميز به الغرب إلا أقله من الأحرار أحباب الإنسانية، هو انعدام الحشمة والوقاحة في ترديد أقوال شنيعة هم من صنعوا جرائمها ومآسيها، كترديدهم اليوم من غير خجل مقولة (معاداة السامية)، متغابين ومتجاهلين الحقيقية الأصلية لمنشأ معاداة السامية، وهي العبارة التي نشأت في بلدانهم وبأيديهم التي تلطخت بدماء الآلاف بل الملايين من اليهود قتلا وحرقا وتدميرا لبيوتهم وقراهم وممتلكاتهم، مثلما تفعله إسرائيل اليوم في غزة والضفة الغربية.
وقد ظهرت فكرة معاداة السامية، في الفكر اليوناني القديم والإمبراطورية الرومانية، بعد عملية السبي الكبير وتفكيك المركزية اليهودية كقومية دينية وعقدية، ثم أخذت طابعا سياسيا رسميا في المؤسسات الرسمية المسيحية، كل ذلك بدأ بعد عملية السبي الكبير وسقوط الهيكل، ثم انتقل هذا الأثر (معاداة السامية) إلى أوروبا في القرون الوسطى.
وقد تجلت معاداة السا مية عندهم، بإجراءات عملية عنصرية، فصلوا فيها اليهود عن الحياة العامة للأوروبيين، وحصروهم في أحياء خاصة بهم، ومنعوهم من الاشتراك معهم في المناسبات والاحتفالات والطقوس، وفي القرن العشرين أسفرت معاداة السامية ولاسيما في ألمانيا النازية بإبادتهم حرقا في الأفران، جزاء اتهامهم بخيانة ألمانيا لصالح بريطانيا وحلفائها.
وسبب بغض المسحيين الشديد لليهود، اتهام الكنيسة الكاثوليكية لهم بقتل المسيح، بالوشاية به إلى الحاكم الروماني (بيلاطس البنطي)، الذي أمر بصلبه حسب ما هو مدون في عقيدتهم وتاريخهم، وليس هذا فحسب، بل اتهموهم كذلك بجرائم كثيرة كانت متأصلة في الطبيعة اليهودية، وعقليتهم الاستعلائية (شعب الله المختار)، وبغضهم للبشر من غير جنسهم، ومن غير تفريق بين إنسان وحيوان ويابس ورطب، جاء في سفر صموئيل الأوّل: “فالآن اذهب واضرب عماليق وحرِّموا كلَّ ما له، ولا تَعْفُ عنهم؛ بل اقتل رجلًا وامرأة، طفلًا ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملًا وحِمارًا”، ونصوص التلمود التي تدعو إلى القتل والتدمير والإبادة كثيرة، وهي التي صبغت العقلية اليهودية في كل الأزمنة والأمكنة بالجرم والدعوة إلى القتل من غير رحمة (أخوهم يوسف مثال)، وهذا ما يفعلونه اليوم في غزة.
عاشت العلاقة بين اليهود والمسيحيين مضطربة ومتقلبة، فبعد أن اضطهد اليهود المسيحيين في عصور التخفي الأولى عن الأنظار هروبا بدينهم، قبل اعتناق قسطنطين الأول المسيحية وتعميمها في دولته، كان اليهود يتنطسون أخبار المسيحيين المؤمنين قبل بدعة التثليث التي وقعت في مؤتمر نيقية عام 325م، كانوا يشون بهم للرومان لتعذيبهم ونشرهم ودفنهم أحياء.
وكانت مأساتهم الكبيرة في عهد ذي نواس اليهودي اليمني، الذي حرق منهم الآلاف في قصة الأخدود الشهيرة التي حكاها القرآن الكريم، وما قصة أهل الكهف بمجهولة لدى المسلمين، حيث اضطهد الإمبراطور (دقيانوس) المسيحيين وكانوا يتتبعونهم حتى في المقابر والكهوف، بوشاية من اليهود، فلما انقلب المجن وسقطت المركزية اليهودية في أورشليم، وتفرق اليهود في الشتات انتقم منهم المسيحيون وأذاقوهم ألوانا من العذاب والقهر والإذلال، جزاء أفعالهم الشنيعة التي رافقتهم في أي مكان يحلون فيه، ومما زاد المسيحيين بغضا لليهود أن كانوا يسرقون أبناءهم ويقتلونهم لممارسة الطقوس الدينية.
وقد توالى طرد اليهود بعد أن طردت انجلترا اليهود عام 1290، ثم اقتفت أثرها دول أخرى، طردتهم المجر عام 1349، وفرنسا 1394 ، والنمسا ،1421عام ونابولي 1510، وميلانو 1597، وإسبانيا 1492، والبرتغال 1497. فتفرقوا في الأرض في استامبول وأوروبا الشرقية.
ويعود أصل كلمة “معاداة السامية” إلى الصحفي الألماني (فيلهيلم مار) حين أطلقها في عام 1879، بشكل رسمي، لوصف معاناة اليهود من تنامي الحركات المعادية لهم في أوروبا.
ولكن لما تغيرت المعطيات الدولية، وانتقل مركز الصراع من أقطاب أيديولوجية وسياسية، إلى مراكز جديدة في المشرق العربي والإسلامي، وأصبحت المواجهة بين الغرب المتصهين وبين المسلمين، تغير ميزان المعادلة في الصراع والتنافس، وأصبح للغرب عدو أبدي اجتمعت كلمتهم على معاداته ومحاصرته، وهم العرب والمسلمون، لذلك وقعت مصالحة تاريخية بين الكنيسة الكاثوليكية العدو اللدود لليهود وبين اليهود، وفي 28 أكتوبر 1965 أعلن البابا (بولس السادس)، وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني، تحت عنوان «في علاقات الكنيسة مع الديانات غير المسيحية»، فمنحت وثيقة المجمع غفرانها لليهود في مصالحة تاريخية بعد أن برأتهم من جريمة الصلب، وأشار إليهم المجمع الفاتيكاني الثاني، على أن المسيحيين واليهود يتقاسمون تراثًا دينيا مشتركًا أصله العهد القديم (التوراة). ومن هذه المصالحة التي غايتها سياسية أيديولوجية ضد العرب والمسلمين في صراعهم، على توطين الكيان في الأرض العربية بفلسطين ليكون قاعدة حربية متقدمة في المشرق العربي لتفتيت الصف العربي والإسلامي، وهذا ما هو واقع اليوم، بتعاونهم مع العملاء العرب المنحدرين من أمهات أو جدات يهوديات، وكذلك من دعاة النزعات العرقية في العالم العربي، البربر في شمال إفريقيا، والأقباط في مصر والفينيقيون والكنعانيون في الشام، والسومريون والكلدانيون في العراق، والعرب العاربة والمستعربة في شبه الجزيرة العربية واليمن.
وأصبحت هذه العرقيات الأقلية، تعادي الإسلام والخلفاء الراشدين والفتح الإسلامي والفاتحين، والخلافة الأموية والعباسية والعثمانية جهارا نهارا، ولكن كيدهم ضعيف ولا يستطيعون تغيير التاريخ والإسلام، ولو ناصرهم الانقلابيون والبيروقراطيون والمتسللون، في وصولهم إلى مراكز القيادة، فسرعان ما تعيد الشعوب الإسلامية وعيها، وتقطع الطريق أمام المتسللين الجدد، لأنّهم عرفوا حقيقتهم ونياتهم ومقاصدهم البغيضة في تفريق الأمة، بإحياء العادات الجاهلية والوثنية، وفي المواعيد القادمة يأخذون حذرهم ويغربلون المتسللين غربلة دقيقة، بالبحث والتدقيق في أيديولوجياتهم، ولو كانوا متخفين بأثواب الوطنية المزيفة.