إخاء خمسين عاما
أزفت آزفة الأخ العزيز محمد ناصر في يوم الأربعاء 20/8/2025، كنت جالسا فرنّ هاتفي، وظهر اسم المتصل: أبو اليقظان ناصر نجل الأخ محمد.. سألت عن أحوال الأخ محمد، أحسست كأن الكلمات تأبى أن تخرج من فيه، وخنقته عبرة.. ثم قال بصوت متهدج أعزيك في والدي الذي كان لما بينكما من مودّة يسميك “أخي الذي لم […] The post إخاء خمسين عاما appeared first on الشروق أونلاين.


أزفت آزفة الأخ العزيز محمد ناصر في يوم الأربعاء 20/8/2025، كنت جالسا فرنّ هاتفي، وظهر اسم المتصل: أبو اليقظان ناصر نجل الأخ محمد.. سألت عن أحوال الأخ محمد، أحسست كأن الكلمات تأبى أن تخرج من فيه، وخنقته عبرة.. ثم قال بصوت متهدج أعزيك في والدي الذي كان لما بينكما من مودّة يسميك “أخي الذي لم تلده أمي”.
استرجعت، وحوقلت، واسترحمت الرحمن الرحيم لأخي الكريم.. ثم لفّتني شبه غيبوبة ورحت أسترجع ذكرياتي مع الأخ محمد التي تمتد إلى خمسين عاما.
ودّدت لو أكتب كتابا عن أخي محمد ناصر وأسميه: “إخاء خمسين عاما”، اقتداء بالشيخ الشرباصي الذي ألّف كتابا عن الأمير شكيب أرسلان وسماه: “إخاء أربعين عاما”، ولكن يحول دون مبتغاي ما اشتكى منه سيدنا زكرياء، عليه السلام: “إني مسّني الكبر، ووهن العظم واشتعل الرأس شيبا”، وبالتالي، فإنني صرت كما كان يقول لي الشيخ أحمد توفيق المدني: “إنني أبتعد من مهدي وأقترب من لحدي”.
أخوتنا قائمة على ثلاث ركائز ممتدة الجذور هي: الإسلام الدين الأقوم، واللسان العربي أجمل لسان في الوجود، والجزائر التي فرّق الله الجمال في مختلف الجزر وجمعه في الجزائر، “لذلك، كنّ مفردات وكنت جمعا”، كما يقول عنها علاّمتها وعلامتها محمد البشير الإبراهيمي.
والحمد لله، فقد عصمنا الله، فلم يستطع “الموسوس الخنّاس” أن يجد سبيلا إلى صدرينا وقلبينا، فقد تحاببنا في الله، وفي الدعوة إلى دينه الحنيف، وفي الدفاع عن اللسان العربي، والتصدي لأعداء الجزائر ووحدتها الدينية والوطنية.
ورغم اختلافنا صقعا وفقها، فهو من الوادي المبارك، وادي ميزاب، وأنا من جبال جيجل التي “ينقضّ منها جيش ذو لجب”، كما قال عنها شاعر من القرن الثالث الهجري، واختلافنا فقها، فهو إباضي وأنا مالكي وقدوتاتاهما الإمامان ابن باديس وإبراهيم بيوض.
ما عرفت الأخ محمد طيلة هذه الأعوام الخمسين إلا حليف القرآن الكريم، تاليا ومفسّرا، ومجادلا – رغم أمازيغيته- عن حرف الضاد الذي يقول عنه صديقه صالح خرفي:
ولكن حرف الضاد في لهواتنا يأبى لغير العز أن يتضرعا.
وما عرفته -ظلعنا وإمامة- إلا داعيا إلى الوحدة الوطنية، متصديا لكل عابث بها تحت أي شعار، ولكنه كجدار جهنم ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب.
أصيب بمرض القصور الكلوي، ولكنه كان صابرا، نعم العبد.
كثيرا ما كان ينهي مكالماته معي بقوله: “جعلنا الله من القليل”، وذات يوم سألته: ما هذا القليل الذي تدعو الله أن يجعلنا منه.. فقال: أو تسأل هذا السؤال وأنت الإبراهيمي الفكر واللسان، فقلت: لم أفهم؟ فقال: ألم يقل الله – عزّ وجل- في القرآن الكريم: “وقليل من عبادي الشكور”، اللهم لقد استرجعت روح عبدك محمد ناصر ونحن شهود الدنيا، فنشهد أنه كان لك من الشاكرين، فأكرمه برحمتك وفضلك.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post إخاء خمسين عاما appeared first on الشروق أونلاين.