استراتيجية وطنية دائمة للمناعة الفكرية والسياسية

‪ ‬‬ ‪ ‬‬ بقلم: آلاء أسيل بوالأنوار ‪ ‬‬ ‪ ‬‬ في عالم يشهد تحولات عميقة وسريعة، لم تعد الحروب تُخاض فقط بالسلاح والجيوش، بل باتت تستهدف الوعي وتخترق العقول. إذ أصبح تضليل الرأي العام، وزرع الشك في القيم والثوابت الوطنية، من أخطر الأسلحة التي تُهدد أمن المجتمعات واستقرارها. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة …

مايو 11, 2025 - 21:26
 0
استراتيجية وطنية دائمة للمناعة الفكرية والسياسية

‪ ‬‬

‪ ‬‬
بقلم: آلاء أسيل بوالأنوار
‪ ‬‬
‪ ‬‬
في عالم يشهد تحولات عميقة وسريعة، لم تعد الحروب تُخاض فقط بالسلاح والجيوش، بل باتت تستهدف الوعي وتخترق العقول. إذ أصبح تضليل الرأي العام، وزرع الشك في القيم والثوابت الوطنية، من أخطر الأسلحة التي تُهدد أمن المجتمعات واستقرارها. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى بلورة استراتيجية وطنية شاملة، تُعزز مناعة المواطن الفكرية والسياسية، خاصة لدى فئة الشباب، الذين يُشكّلون الفئة الأكثر عرضة للتأثير في الفضاء الرقمي والإعلامي‪
.‬‬
‪ ‬‬
المناعة الفكرية: درع الهوية في وجه التشويش
‪ ‬‬
لم تعد المعركة اليوم معركة حدود، بل معركة وعي. فالمناعة الفكرية هي قدرة الفرد على التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، والحفاظ على هوية فكرية راسخة تقوم على الوعي والانتماء والثقة في مؤسسات الدولة. في ظل المحتوى الموجه، وخطابات التشكيك، والتفكيك الثقافي الذي يطال المجتمعات العربية، يصبح هذا النوع من المناعة ضرورة وطنية‪.‬‬
‪ ‬‬
المناعة السياسية: من الحماية إلى المشاركة الواعية
‪ ‬‬
من جهة أخرى، لا تكتمل الحماية من الانحرافات الفكرية دون تمكين المواطن سياسيًا. فالمناعة السياسية لا تعني فقط الوقاية من الاستقطاب أو التطرف، بل تعني امتلاك وعي بحقوق المواطنة، والمشاركة الفعالة في الشأن العام‪. ‬عندما يشعر المواطن أن صوته مسموع، وأن مؤسسات الدولة تعبّر عن تطلعاته، يصبح أكثر قدرة على مقاومة الدعوات المتطرفة وأقل قابلية للتهميش أو الانكفاء‪.‬‬‬
‪ ‬‬
خارطة طريق استراتيجية لمناعة شاملة
‪ ‬‬
تقوم الاستراتيجية الوطنية المقترحة لبناء المناعة الفكرية والسياسية على عدة مرتكزات أساسية‪:‬‬
‪-‬إصلاح التعليم، من خلال إدماج قيم الحوار والتفكير النقدي في المناهج، وتأهيل المعلمين لتربية أجيال واعية، مرتبطة بقضايا وطنها‪.‬‬‬
‪- ‬إعلام ذكي وتفاعلي، يستثمر في الوسائط الحديثة كالبودكاست والفيديوهات القصيرة، ويُشرك الشباب في إنتاج محتوى هادف يعزز الانتماء ويواجه التضليل‪.‬‬‬
‪- ‬منصات للحوار، تُتيح للشباب التعبير عن آرائهم ومناقشة قضاياهم مع المسؤولين والمجتمع المدني، مما يُعزز الثقة ويُنمي روح المبادرة‪.‬‬‬
‪-‬تحصين الفضاء الرقمي، بإدراج التربية الإعلامية ضمن التعليم، وتنظيم حملات توعية ضد الإشاعات وخطابات الكراهية، في إطار قانوني يوازن بين حرية التعبير والمسؤولية الرقمية‪.‬‬‬
‪- ‬دعم الفنون والثقافة، باعتبارها أدوات ناعمة لترسيخ الهوية الوطنية وتقديم خطاب شبابي جذاب، يعكس واقع المجتمع وتطلعاته‪.‬‬‬
‪- ‬تمكين المجتمع المدني، عبر دعم الجمعيات والمؤسسات الشبابية لتضطلع بدورها في التوعية، والمشاركة السياسية، والتطوع‪.‬‬‬
‪ ‬تعزيز الثقة في المؤسسات، من خلال الشفافية، مكافحة الفساد، وتفعيل آليات الاستماع للمواطن‪.‬‬‬
‪- ‬العدالة الاجتماعية والتنمية، بوصفها ضمانًا للانتماء والاستقرار النفسي، ومن ثَمّ تحصينًا ضد كل أشكال التطرف أو الاغتراب‪.‬‬‬
بناء الإنسان أولًا
ختامًا، فإن مشروع المناعة الفكرية والسياسية لا يُبنى عبر قرارات فوقية، بل يتطلب مشاركة جماعية واعية بين الدولة والمجتمع المدني والإعلام والمدرسة. وهو في جوهره استثمار في الإنسان، باعتباره الحصن الحقيقي لأي وطن في مواجهة التهديدات، الصامتة منها والمعلنة. وكما يُقال: “بناء الأوطان يبدأ ببناء الإنسان، والاستثمار في وعي المواطن هو أقوى استثمار لمستقبل الوطن‪.”‬‬