الأستاذ الدكتور عبد المجيد مباركية.. المسيرة والآثار
بقلم: أ.د. مسعود فلوسي في يوم السبت السابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1442هـ، الموافق للسادس والعشرين من شهر جوان من سنة 2021م، فقدتُ أخا كريما وصديقا عزيزا وجارا طيبا، هو أخي وزميلي الأستاذ الدكتور عبد المجيد مباركية أستاذ الحديث وعلومه بكلية العلوم الإسلامية في جامعة الوادي، وكنتُ في ذكراه الأولى قد كتبت عنه …

بقلم: أ.د. مسعود فلوسي
في يوم السبت السابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1442هـ، الموافق للسادس والعشرين من شهر جوان من سنة 2021م، فقدتُ أخا كريما وصديقا عزيزا وجارا طيبا، هو أخي وزميلي الأستاذ الدكتور عبد المجيد مباركية أستاذ الحديث وعلومه بكلية العلوم الإسلامية في جامعة الوادي، وكنتُ في ذكراه الأولى قد كتبت عنه مقالا نشرته “الوسط” بعنوان “أخي الدكتور عبد المجيد مباركية.. وذكريات لا تُنسى”، تحدثت فيه عن معرفتي به والعلاقة التي جمعتنا. وبمناسبة ذكراه الرابعة التي مرت بنا منذ بضعة أيام، أكتب عنه هذا المقال الجديد الذي أركز فيه على مسيرته في الحياة العملية وآثاره العلمية.
نشأته وتكوينه:
هو “أبو منصف” عبد المجيد “المدعو كمال” بن عبدالله مباركية، ولد في قرية “تابندوت” التابعة لبلدية “تيغانمين” في دائرة أريس بولاية باتنة، يوم الأحد الثامن والعشرين من ذي الحجة للعام ألف وثلاثمائة وستة وثمانين للهجرة (1386هـ)، الموافق للتاسع من أبريل سنة سبع وستين وتسعمائة وألف للميلاد (1967م)، في بيئة فقيرة فُرص العمل والكسب فيها قليلة، حيث كانت أسرته – كغيرها من أسر المنطقة – تعيش مما تجنيه من ممارسة الفلاحة في البساتين التي تمتلكها والواقعة على ضفتي الوادي الأبيض ذي المياه الوافرة طيلة السنة في تلك المرحلة، وكان والده الشيخ عبدالله رحمه الله من أعيان القرية ومصلحيها، فكان الناس يستفتونه فيما يُواجههم من مسائل ويقصدونه ليفصل في ما يثور بينهم من منازعات.
عندما بلغ عبد المجيد سن التمدرس ألحقه أبوه بكُتاب قريته حيث تعلم القراءة والكتابة وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، كما ألحقه بمدرسة “ابن صحيح” الابتدائية في مسقط رأسه أين درس ست سنوات، انتقل بعدها إلى أريس حيث درس السنوات الأربعة للمرحلة المتوسطة “الإعدادية” في متوسطة البنات كما كانت تسمى حينئذ، وبعد حصوله على شهادة التعليم المتوسط التحق بثانوية محمد الغسيري في أريس والتي درس فيها تخصص الاقتصاد ليحصل على البكالوريا سنة 1986. سجل إثر ذلك بجامعة باتنة، ملتحقا بمعهد العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير والذي درس فيه أربع سنوات تخرج بعدها بشهادة الليسانس في العلوم الاقتصادية دورة جوان 1990.
حياته المهنية:
بعد تخرجه بشهادة الليسانس، انخرط في الحياة المهنية، والتي بدأها مدرسا مستخلفا في إحدى الثانويات لبضع سنوات، ثم التحق ببنك التنمية المحلية (BDL) لمدة اثنتي عشرة سنة (من سنة 1997 إلى سنة 2009)، وكانت بدايته بالفرع الرئيس لمدينة باتنة كمكلَّف بالدراسات، لينتقل بعد ذلك إلى مدينة الوادي التي أقام فيها خمس سنوات مشتغلا في المنصب نفسه ثلاث سنوات، ثم مديرا بالنيابة لوكالة البنك بالوادي مدة سنتين، رُقي بعدها مديرا لوكالة مروانة بولاية باتنة لمدة ست سنوات، ليعود من جديد إطارا في الوكالة الرئيسية بباتنة مطلع عام 2009.
وقد شهد له زميله وصديقه الحميم الدكتور إبراهيم أوراغ الذي عمل معه في بنك التنمية المحلية، “بتفانيه في عمله وحرصه الشديد على رعاية مصالح البنك والسهر الدائم على قضاء حوائج الزبائن والمواطنين عمومًا. كما كان قدوةً لكثير من زملائه ومثالًا يُحتذى في خفة الروح ورجاحة العقل وسمو الخُلق ورفعة الشأن بالبنك، إذ كان عدد من الإطارات السامية للبنك يستشيرونه في كثير من المسائل المرتبطة بتسيير شؤون الوكالات البنكية، وهذا ما أهله ليكون عضوا بارزا في لجنة التأديب للمديرية الجهوية بباتنة، وقد سعى جاهدا من خلال تواجده بالمجلس في تقريب وجهات النظر والعمل الدؤوب على إصلاح الوضع بما يحفظ حقوق البنك والموظفين على حد سواء.. من جانب آخر تمكن رحمه الله بفضل تكوينه النوعي وخبرته الواسعة في مجالات المالية والمحاسبة والتسيير من الحصول على اعتماد محافظ الحسابات من المصف الوطني للمحاسبة، وكذا اعتماده كخبير محلف ومعتمد في المالية والمحاسبة لدى المحاكم والمجالس القضائية”.
دراسته للعلوم الإسلامية بجامعة باتنة:
بالتوازي مع عمله في بنك التنمية المحلية بمروانة، قرر عبد المجيد العودة إلى مقاعد الدراسة الجامعية للحصول على تكوين جديد في تخصص عير تخصصه الأول، فانتمى إلى كلية العلوم الإسلامية بجامعة باتنة طالبا في السنة الأولى خلال السنة الجامعية 2003-2004، وبعد النجاح في الجذع المشترك تخصص في فرع الكتاب والسنة، وحصل على الليسانس في دورة جوان 2007.
شارك بعد ذلك في مسابقة الدخول إلى السنة الأولى ماجستير في نفس الفرع، وكان من الناجحين. وبعد دراسة نظرية امتدت سنة ونصف سنة، سجل موضوع مذكرته لنيل شهادة الماجستير في علوم الحديث تحت إشراف زميلنا الأستاذ الدكتور مصطفى حميداتو، وكانت بعنوان “الصناعة الحديثية عند ابن بطال من خلال شرحه لصحيح البخاري”، وقد انتهى من إعدادها وجرت مناقشتها سنة 2010، ونالت درجة حسن جدا.
وبعد حصوله على الماجستير، ولتسجيل أطروحة الدكتوراه جاءني يطلب مني قبول الإشراف عليه، وكان الموضوع الذي اختاره للدراسة هو “مقاييس نقد متن الحديث عند الألباني من خلال كتابه سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة”، وقدمنا المشروع للهيئات العلمية بالكلية فحظي بالقبول، ليشرع بعد ذلك في إعداد أطروحته، وبعد أربع سنوات من العمل الجاد والمضني، انتهى من إعدادها، وتمت مناقشتها يوم الأربعاء السادس والعشرين من رمضان سنة 1435هـ الموافق للخامس عشر من جويلية سنة 2014م، ونالت تقدير مشرف جدا.
توظيفه أستاذا بجامعة الوادي:
في بداية السنة الجامعية 2014-2015 أعلنت جامعة الوادي عن فتح مناصب لتوظيف أساتذة مساعدين في مختلف التخصصات ومنها تخصصات العلوم الإسلامية، فقدم الأخ عبد المجيد ملفه ولقي القبول الذي يستحقه، فتم توظيفه أستاذا مساعدا في معهد العلوم الإسلامية، وكلف بتدريس عدد من المواد المرتبطة بتخصصه علوم الحديث، كما كلف بتدريس مواد في الاقتصاد الإسلامي باعتبار خبرته المهنية والعلمية في الموضوع. وبعد مرور عام على توظيفه تم ترسيمه وترقيته إلى رتبة أستاذ محاضر صنف “ب”، لينطلق من جديد في رحلة البحث العلمي لنشر أبحاث تمكنه من التأهيل والترقية إلى المراتب الأعلى فيما بعد، فقام بإنجاز عدة أبحاث كانت سندا له في تأهيله إلى رتبة أستاذ محاضر”أ” بعد مناقشة الملف الذي تقدم به لهذا الغرض، وكانت المناقشة يوم السبت 9 رجب 1437هـ الموافق 16 أبريل 2016م.
لم يتوقف إصرار الأخ عبد المجيد وطموحه عند هذا الحد، بل قرر أن يتهيأ للترقية إلى رتبة أستاذ في أقصر مدة لها، فشرع في كتابة عدد من البحوث وإرسالها للنشر في المجلات العلمية المحكمة، كما أعد عددا من المطبوعات البيداغوجية في المواد التي يُدرسها للطلبة، وكذا الإشراف على مذكرات الماستر وأطروحات الدكتوراه، وما إن أتم المدة اللازمة وفتحت دورة الترقية حتى سارع إلى تقديم ملفه الذي نال القبول وتمت ترقيته إلى رتبة أستاذ التعليم العالي في دورة جوان 2019م.
هذا ملخص مسيرته في التكوين والعمل، أما آثاره العلمية من رسائل جامعية وبحوث أكاديمية فهي التي نسردها فيما يلي:
رسالتاه العلميتان:
أعد رسالتين علميتين، إحداهما لنيل درجة الماجستير، والثانية لنيل درجة الدكتوراه، وهما:
1- الصناعة الحديثية عند ابن بطال من خلال شرحه لصحيح البخاري: وهي رسالته التي حصل بها على درجة الماجستير، من كلية العلوم الإسلامية بجامعة باتنة سنة 2010م، وتقع في 192 صفحة. تكونت من مقدمة، وفصل تمهيدي حول علم أصول الحديث ونشأته والمصنفات فيه والأدوار التي مر بها، وكذا التعريف بابن بطال وشرحه على صحيح الإمام البخاري. ثم فصل أول عن الخبر المتواتر وخبر الآحاد، وفصل ثان عن الخبر المقبول بأنواعه، وفصل ثالث عن الخبر المردود بأنواعه، وفصل رابع أخير حول أحوال الرواية الحديثية وكيفية ضبطها وصفة أهلها وعلاقة ذلك بنقد الرجال، كل ذلك عند ابن بطال من خلال شرحه على صحيح البخاري.
2- مقاييس نقد متن الحديث عند الألباني من خلال كتابه سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وهي أطروحته التي نال بها درجة دكتوراه العلوم من كلية العلوم الإسلامية بجامعة باتنة، في شهر جويلية 2014م، وتقع في 363 صفحة. وقد تكونت من مقدمة، ثم فصل تمهيدي تناول ترجمة الشيخ الألباني رحمه الله وجهوده في خدمة السنة وكتابه “سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة”، ليأتي الفصل الأول متعلقا بنقد المتن عند المحدثين قبل الألباني، ثم الفصل الثاني الذي أبرز منهج الألباني في تضعيف الحديث ونظرته إلى نشأة علل المتون وأنواعها. أما الفصل الثالث والأخير فتعلق بمحاكمة الألباني لمتن الحديث إلى الأصول العامة.
بحوثه العلمية:
وإلى جانب هاتين الرسالتين العلميتين، أنجز الدكتور عبد المجيد مجموعة من البحوث العلمية، التي أعد بعضها منفردا، وأعد بعضها الآخر بالاشتراك مع بعض طلبته، وعلى رأسهم الدكتور زكريا قادي، وهذه البحوث أكثرها نشر في المجلات العلمية، وأقلها نشر ضمن أعمال بعض الملتقيات الدولية التي نظمتها كلية العلوم الإسلامية بجامعة الوادي، وفيما يلي عرض لعناوين هذه البحوث مرفقة ببياناتها:
1- مناهج التصنيف في أصول الحديث ومصطلحه عند المحدثين، بحث منشور في مجلة الإحياء، كلية العلوم الإسلامية، جامعة باتنة، المجلد 14، العدد 1، ديسمبر 2013م، الصفحات: 185-200.
2- نشأة وتطور نقد متن الحديث عند علماء المسلمين، بحث منشور في مجلة البحوث والدراسات، جامعة الوادي، المجلد 12، العدد 2، جوان 2015م، الصفحات: 113-132.
3- جهود علماء المغرب الإسلامي في خدمة صحيح البخاري (ابن بطال القرطبي المالكي أنموذجا)، بحث منشور في مجلة المنهل، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الوادي، جوان 2015م، المجلد 1، العدد 1، الصفحات: 87-100.
4- شرح الحديث النبوي بين المحدثين والفقهاء، بحث منشور في مجلة الشهاب، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الوادي، المجلد 1، العدد 1، نوفمبر 2015م، الصفحات: 9-30.
5- الفرد والغريب من الحديث في ميزان التفرد، بالاشتراك مع حمزة بوروبة، بحث منشور في مجلة الشهاب، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الوادي، المجلد 3، العدد 2، جوان 2017م، الصفحات: 171-186.
6- مطاعن المستشرقين على مناهج المحدثين، بالاشتراك مع زكريا قادي، بحث منشور في مجلة المنهل، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الوادي، المجلد 3، العدد 2، جوان 2017م، الصفحات: 109-130.
7- الوسطية من منظور أعلام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بالاشتراك مع زكريا قادي، بحث قدم في الملتقى الدولي: الوسطية في الغرب الإسلامي وأثرها في نشر الإسلام في إفريقيا وأوروبا، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الوادي، 14-15 ربيع الأول 1439هـ، 03-04 ديسمبر 2017م، منشور ضمن أعمال الملتقى، الصفحات: 473-490.
8- عبد الرحمن الثعالبي محدثا، بحث منشور في مجلة الشهاب، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الوادي، المجلد 4، العدد 1، ماي 2018، الصفحات: 125-148.
9- نقد المحدثين بين المدرسة العقلية الحديثة والمدرسة الحداثية، بالاشتراك مع زكريا قادي، بحث منشور في مجلة الإحياء، كلية العلوم الإسلامية، جامعة باتنة، المجلد 18، العدد 1، جوان 2018م، الصفحات: 59-88.
10- الزنا الإلكتروني: أسبابه – أخطاره – وطرق الوقاية منه للحفاظ على الأسرة، بالاشتراك مع زكريا قادي، بحث قدم في الملتقى الدولي الثاني: المستجدات الفقهية في أحكام الأسرة، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الوادي، 15-16 صفر 1440هـ، 24-25 أكتوبر 2018م، ونشر ضمن أعمال الملتقى، الصفحات: 1395-1422.
11- نقد السنة عند الحداثيين، بالاشترك مع زكريا قادي، بحث قدم في الملتقى الدولي الثالث: القراءات الحداثية للعلوم الإسلامية – رؤية نقدية، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الوادي، 04-05 ربيع الآخر 1440هـ، 12-13 ديسمبر 2018م، ونشر ضمن أعمال الملتقى، الصفحات: 1121-1150.
12- الفصول المنتخبة في الأحاديث الملّقّبة، بالاشتراك مع بلال لعرج، بحث منشور في مجلة الإحياء، كلية العلوم الإسلامية، جامعة باتنة، المجلد 19، العدد 2، ديسمبر 2019م، الصفحات: 157-192.
13- مفهوم واستخدام مصطلح السنة عند أئمة المدارس الفقهية الأربع، بحث منشور في مجلة البحوث والدراسات، جامعة الوادي، المجلد 17، العدد 1، مارس 2020، الصفحات: 11-42.
14- أدوات معالجة مخاطر التمويل قصير الأجل في المصارف الإسلامية – التمويل بصيغة السلم أنموذجا، بالاشتراك مع فاروق بن بلاط، منشور في مجلة الإحياء، كلية العلوم الإسلامية، جامعة باتنة، المجلد 22، العدد 1، جانفي 2022م، الصفحات: 593-612.
وكما هو ملاحظ من هذه العناوين، فإن الأخ عبد المجيد كرس جل دراساته لتخصص علمي محدد وهو علم الحديث، هذا العلم الذي انبهر به وتعلق به كل التعلق، خاصة من خلال جهود وآثار علميه البارزين في هذا العصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (1914-1999) والشيخ أبو إسحاق الحويني (1956-2025) رحمهما الله.
تغمد الله أخانا عبد المجيد “كمال” برحمته الواسعة، وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.