الاعراس الجزائرية بين التفاخر والافتخار
قصة الاعراس الجزائرية التى تبنى على الديون. في بلادنا، هناك “مُعضلةٌ” اجتماعيةٌ تُصيبنا جميعاً بـ”حمى القلق والهستيريا ” كلما لاح في الأفق مناسبةٌ سعيدةٌ، ألا وهي “الأفراح” بكل انواعها ، حفل خطوبة ،حفل زواج ، حفل ختان ، ولادة وغيرها من الافراح التي لا تنتهي ( ادام الله علينا وعليكم الافراح). هذه الأفراح، يا سادة، […] The post الاعراس الجزائرية بين التفاخر والافتخار appeared first on الجزائر الجديدة.

قصة الاعراس الجزائرية التى تبنى على الديون. في بلادنا، هناك “مُعضلةٌ” اجتماعيةٌ تُصيبنا جميعاً بـ”حمى القلق والهستيريا ” كلما لاح في الأفق مناسبةٌ سعيدةٌ، ألا وهي “الأفراح” بكل انواعها ، حفل خطوبة ،حفل زواج ، حفل ختان ، ولادة وغيرها من الافراح التي لا تنتهي ( ادام الله علينا وعليكم الافراح).
هذه الأفراح، يا سادة، التي وُجدت لتُبهج النفوس وتُقرب القلوب وتجمع الاقارب والاحباب والاصدقاء والجيران ، تحوّلت عندنا إلى “ساحات قتالٍ” اقتصادية، ومسارح لـ”لعرض عضلات المال والجاه”، لدرجة أننا بتنا نتساءل: “لماذا نُكلف أنفسنا في الأفراح إلى هذا الحد؟”، والأهم: “هل السعادة تُقاس بضخامة العرس وفخامته؟” تصوروا معي، أيها السادة، أننا نعتبر من”أكثر الشعوب التي تبدد أموالها بحجة الفرحة” وهذا بشهادة الكثير من الاجانب الذين حضروا بعضا من هذه الافراح الاسطورية .
القاعة تشتعل بالأضواء، الموسيقى تصم الآذان، والأطباق تُقدم وكأنها لمطعمٍ بخمس نجوم. العروس بفستانٍ يشترى او يستاجر بسعر “خيالي” رغم انه يستعمل ليوم واحد او حتى سويعات قليلة ، والعريس كذلك قد يشتري بدلة قد يفوق ثمنها دخله الشهري واحيانا اكثر .
الكل يرقص ويُصفق، و”يتسابق” في التفاخر والتباهي بما لا يملك، بينما في الخفاء،أصوات “تنهدات” الآباء والامهات التي تُعبر عن ثقل فاتورةٍ لا نهاية لها. المشكل ليس في الرغبة بالفرح، فالفرح حقٌ مشروعٌ لكل إنسان. المشكل في “ثقافة المبالغة” التي غزت عقولنا.
وكأننا لا نستطيع أن نُفرح إلا إذا “أرهقنا أنفسنا” و”أفلسنا جيوبنا” و”افترضنا من القريب والبعيد” لعدة سنواتٍ قادمة. يُصبح العرس “مشروعاً اقتصادياً” ضخماً، تُحدد فيه ميزانيةٌ خرافيةٌ لقاعة الحفلات، والمطرب، والمصور، و”الديكور”، و”العشاء” الذي يُلقى نصفه في القمامة. تجد الأب يغرق نفسه في دين كبير ليزوج ابنته “بفرحةٍ لا مثيل لها”، وكأن سعادة ابنته تُقاس بفخامة صالة العرس و عدد المدعوين أو أنواع الأطباق. وتجد الأم تُجبر ابنها على اقتراض”الملايين” لشراء “طاقم ذهب” يعرض ليلة العرس او ما يسمى عندنا بالتصديرة ، ثم يدفن في الخزانة للأبد او يضهر من حين لاخر في مناسبة فرح هنا او هناك .
الكل يُشارك في هذا “الجنون المنظم”، بحجة أن “العرس لمرة واحدة في العمر”، و ان”المظاهر مهمة”، أو “لا يجب أن نكون أقل من فلان او علان !” او ربما حتى يصبح الفرح حديث القاصي والداني . وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال الجوهري: “هل السعادة تُقاس بضخامة العرس وفخامته؟” هل الزواج الذي يكلّف ثروةً هو بالضرورة أكثر سعادةً واستقراراً من زواج بسيط؟ هل الفستان الذي كلف الملايين سيجعل العروس أكثر حبًا لزوجها؟ هل العشاء الذي احتوى على عشرات الأطباق سيجعل الحياة الزوجية ألذ؟ التجربة تُخبرنا، يا سادة، أن العلاقة عكسية في كثير من الأحيان. فكم من زيجاتٍ بدأت بـ”أفراحٍ أسطوريةٍ” وانتهت بـ”طلاقٍ مريرٍ”، وكم من زيجاتٍ بدأت ببساطةٍ واستمرت بسعادةٍ وهدوء؟ إن “السعادة”، يا سادة، لا تُقاس بفخامة صالة العرس ولا بعدد المدعوين ونوعيتهم ولا بانواع الطعام الذي يرمى نصفه في القمامة بعد نهاية الفرح المزعوم . السعادة تُقاس بـ”نبض القلوب”، و”صدق المشاعر”، و”احترام الطرفين لبعضهما البعض”. تُقاس بالقدرة على بناء “عشٍ صغيرٍ” مليءٍ بالحب والتفاهم، لا “قصرٍ ” مبني بالديون والقلق والضغط الذي لا ولن ينتهي مع نهاية العرس ، بل سيدخل العريس وحده او مع اهله وكذلك اهل العروس في مرحلة سد الديون المتراكمة والتي يتطلب سدادها كلها شهورا طويلة وربما سنوات . فيا أيها المجتمع الجزائري، لنُعيد النظر في “عاداتنا” و”تقاليدنا” التي تُرهقنا وتُفرغ الأفراح من معناها الحقيقي. لنُوقف هذه “المسرحية الكوميدية” التي تُضحك علينا الأيام وتُبكي جيوبنا. ولنُعد إلى منطق “البساطة” و”البركة” و”القناعة”، فالأفراح الحقيقية ليست تلك التي تُعرض في قاعات الأفراح، بل تلك التي تُبنى في البيوت، وتُزينها السعادة الحقيقية، لا التفاخر المبالغ فيه الذي يغرق الجميع في ديون لا نهاية لها
الاستاذ بوعلام زيان .
The post الاعراس الجزائرية بين التفاخر والافتخار appeared first on الجزائر الجديدة.