البر و المودة بين الولاء و البراء
الشيخ نــور الدين رزيق/ المجتمع المسلم يقوم على عقيدة الولاء والبراء، الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من كل من حاد الله ورسوله واتبع غير سبيل المؤمنين. يقول جلّ في علاه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة: 51]. وقال تعالى: …

الشيخ نــور الدين رزيق/
المجتمع المسلم يقوم على عقيدة الولاء والبراء، الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من كل من حاد الله ورسوله واتبع غير سبيل المؤمنين.
يقول جلّ في علاه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة: 51].
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة }.
و في نفس السورة أيضاً قال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم }
فهل هناك فرق بين «المودة» و «البر»؟!
-البر يكون بعمل الجارحة و هو إيصال الخير إلى الغير مع قطع النظر عن محبتك له أو كراهيتك إياه ويكون هذا للمسلم وغير المسلم (لمن كفر بدينك).
والبر على ثلاثة أنواع، بر الوالدين بحسن الطاعة لهما ولين الجناح وبذل المال، وبر الأولاد بحسن التأديب لهم والدلالة على الخير، وبر جميع الناس بطلاقة الوجه وحسن المعاشرة.
من صور البر والإحسان إلى غير المسلمين: تحيتهم بكل كلام يمكن أن تُحسن به إليهم، كتحية الصباح والمساء والسؤال عن الحال والأهل والأبناء، والدعاء بالتوفيق والسعادة والخير، والثناء على خصال الخير في هذا الكافر، ونحو ذلك من جميل الملاطفات، ولطيف المجاملات.
جاء في «المجموع» (4/487) للإمام النووي: «أن يقول: هداك الله، أو أنعم الله صباحك، هذا لا بأس به، إن احتاج إلى تحيته لدفع شره أو نحوه، فيقول: صبحك الله بالخير، أو بالسعادة، أو بالعافية، أو بالمسرة، ونحوه» انتهى.
بل من صور البر بهم والإحسان في المعاملة كما يقول علماؤنا: مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم الدنيوية، أما أفراحهم الدينية المتمثلة في أعيادهم فتجتنبها، وما سوى ذلك فلا بأس عليك في مشاركتهم وزيارتهم والاتصال بهم للتهنئة أو التعزية، كأحوال النجاح، أو الرجوع من سفر، أو الشفاء من مرض، أو وفاة قريب أو عزيز، فإن لمثل هذا التواصل الأثر النافذ في القلب ولا شك، وبمثله تثبت لهم الجوانب الإنسانية الرحيمة في ديننا الكريم، وتستغلها في الدعوة إلى الإسلام،
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ: (أَسلِم)، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ لَه: أَطِع أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُولُ: (الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ).
ومن صور المعاملة الحسنة: منحهم مكانتهم اللائقة بهم، وتقدير منزلتهم في العمل أو في قومهم، فالمدير منهم يخاطب بلقبه الوظيفي اللائق به، والزميل منهم كذلك، فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هرقل في كتابه بأنه (عظيم الروم) رواه البخاري ومسلم.
ومن ذلك: قبول شفاعة أهل الخير والإحسان والمنزلة فيهم، لاسيما إن كانت له هيئة ومكانة ومنزلة في قومه، ولعل هذا أن يكون أرجى لإسلامه، أو إسلام من وراءه؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر عن الأسرى والقتلى: (لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِىٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلاَءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ) رواه البخاري، لأنه كان أجار النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف، وهو الذي أمر بتمزيق الصحيفة التي حاصرت بني هاشم.
ومن ذلك التهادي بين المسلم والكافر، فقد قبل عليه الصلاة والسلام الهدايا التي وردته من ملوك العرب والعجم، وألبس ثوبه عبد الله بنَ أبي بن سلول، وكفَّنه فيه حين مات؛ لأنه قد كسى العباس بن عبد المطلب يوم بدر وهو أسير عريان، فجازاه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وأهدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأخيه المشرك في مكة حلة أهداها إليه النبي صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري.
كانت هذه بعض صور البر مع غير المسلم وقد قال الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
– أما المودة: فهي عمل القلب محضاً فهي لا تكون إلا لمسلم، و هي الموالاة القلبية تتعلق بالنصرة والموالاة.
وقد أمرنا الله تعالى بالبراءة من الكفر وأهله:
قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة:4].
وقال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة: 22].
إذاً هناك فرق فعلاً بين الاثنين، أمرنا بالبر ونهينا عن المودة وهذا لغير المسلمين أي لمن كفر بدين محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل.