البطل الشهيد زيغود يوسف في مرآة إبراهيم شيبوط
د. محمد سيف الإسلام بوفلاقة*/ كتاب«زيغود يوسف الذي عرفته» للمجاهد ووزير المجاهدين الأسبق إبراهيم سلطان شيبوط يعد مساهمة ثمينة وجادة في إضاءة العديد من الجوانب المهمة من شخصية الشهيد البطل زيغود يوسف، حيث يُقدم لنا المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط شهادة ثمينة عن أحد رجال الجزائر الأفذاذ الذين لعبوا دوراً ريادياً و رائعاً في الجهاد المسلح …

د. محمد سيف الإسلام بوفلاقة*/
كتاب«زيغود يوسف الذي عرفته» للمجاهد ووزير المجاهدين الأسبق إبراهيم سلطان شيبوط يعد مساهمة ثمينة وجادة في إضاءة العديد من الجوانب المهمة من شخصية الشهيد البطل زيغود يوسف، حيث يُقدم لنا المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط شهادة ثمينة عن أحد رجال الجزائر الأفذاذ الذين لعبوا دوراً ريادياً و رائعاً في الجهاد المسلح ضد الاستدمار الفرنسي.
وقد كانت سيرته وجهاده وعبقريته وما تزال نوراً يسطع ويتجدد عبر الأجيال ليؤكد عظمة هذا الشهيد البطل الذي يذهب الكثير من الدارسين والمؤرخين إلى التأكيد على أنه هو الذي غير مجرى تاريخ الثورة الجزائرية بتصميمه لخطة هجومات 20أوت1955م التي شكلت مرحلة حاسمة في الكفاح التحريري الجزائري، ومنعرجاً رئيساً لاكتساب الثورة الجزائرية المباركة طابعها الشعبي، وأعطت ضربة قاصمة للاحتلال الفرنسي الذي حاول القضاء على الثورة المجيدة في عامها الأول حتى لا تشمل مختلف أنحاء القطر الجزائري، كما منحت (هجومات20أوت1955م) بعداً دولياً للثورة الجزائرية وعجلت بدخولها إلى الأمم المتحدة،وكانت هزيمة كبرى لا تُنسى لكبار جنرالات فرنسا.
يوحي عنوان الكتاب بأن المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط يريد أن يقدم رؤيته عن الشهيد البطل زيغود يوسف كما عرفه، حيث يلقي الضوء على شخصيته الفذة، فالغرض العام من الكتاب هو التعريف بشخصية الشهيد البطل زيغود يوسف وإبراز أعماله وتضحياته، وتحليل شخصيته وتتبع مسيرته، ولا يملك المطلع على هذا الكتاب الهام الذي صدر عن وزارة المجاهدين في طبعة خاصة في إطار منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر1954م، وتولت ترجمته إلى اللغة العربية الأستاذة قندوز عباد فوزية إلاّ أنّ يصفه بأنه مصدر تاريخي هام لا يمكن أن يستغني عنه كل دارس ومهتم بشخصية الشهيد البطل زيغود يوسف كونه شهادة موثقة ودقيقة قدمها أحد المجاهدين الأفذاذ الذين خاضوا المعارك إلى جانبه، ورافقوه في كفاحه ونضاله البطولي ضد المستدمر الفرنسي حيث عينه زيغود يوسف شخصياً في مارس سنة:1956م ملازماً ثانياً،وفضلاً عن القيمة التاريخية للكتاب من جانب رصد نضال وكفاح زيغود يوسف وجهوده الجبارة، فالكتاب له أهمية بالغة فيما يتصل بالمعلومات التي يُقدمها عن تفاصيل حياته وانتقاله من مرحلة إلى أخرى كون المجاهد إبراهيم شيبوط قد استقى معلوماته من عائلة الشهيد زيغود يوسف، حيث نجد في الصفحة الأولى من الكتاب كلمة شكر يقدمها المؤلف لعائلة الشهيد إذ يقول (أقدم ولائي وشكري لعائلة زيغود يوسف التي ساعدتني على جمع المعلومات المتعلقة بالشهيد)،كما نجد في ختام الكتاب شهادة زوجة الشهيد البطل زيغود يوسف وابنته، وجدولاً مفصلاً عن العمليات التي حدثت بالشمال القسنطيني منذ الفاتح من نوفمبر 1954م إلى غاية سبتمبر 1956م.
يشير المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط في مقدمة الكتاب إلى أن الهدف المرجو من هذا الكتاب هو محاولة إفشاء بعض المعلومات الدقيقة عن شخصية الشهيد زيغود يوسف وعائلته المقربة، يصف المؤلف الشهيد زيغود يوسف في تقديمه بالقول «زيغود يوسف مناضل بحزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، عضو بالجمعية السرية عضو الاثنين والعشرين (22) ثم قائد الولاية الثانية.كان أولاً طفلاً ثم تلميذاً ليصير بعد ذلك صانعاً،ليس ليقوم بمجرد صنعة وإنّما ليصير خاصة واحداً من أهم صانعي الاستقلال الوطني.
عضو بالمنظمة السرية هذه المنظمة الشبه عسكرية لحزب الشعب الجزائري-حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي علّمته قواعد حرب العصابات التي طبّقها بدقة.
حرص زيغود يوسف من أول نوفمبر 1954 إلى 23 سبتمبر 1956 على احترام المثل (الحياة وسط الشعب كحياة الحوت وسط الماء) وهو ما طبقه حزب جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني إلى غاية 19 مارس 1962، وهذا رغم الضباط الفرنسيين المختصين في الحرب الثورية الذين حاولوا دون جدوى تجفيف الماء بإنشاء تجمعات عسكرية…
تحت أوامر زيغود يوسف فإن جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني كلّفوا بتوقير وتقدير سكان الشمال القسنطيني. كل من جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني احتراماً لهؤلاء السكان كانوا ينصاعون لآرائهم عندما يريدون القيام بعمليات عسكرية أو فدائية مما جعل السكان ينضمون إلى الثورة المسلحة. بتطبيق أوامر زيغود يوسف تمكنت عمليات الفدى والكمائن من إقامة جو انعدام الأمن الذي ضايق ظاهرة (إعادة السلم) الشهيرة.
من هو زيغود يوسف؟ ما أن يذكر هذا الاسم إلا وتستحضر ذاكرة الجزائريين اسم الوطني الذي كان مجموعة (22)، اسم ذلك الذي زعزع أمن المحتل بالشمال القسنطيني، اسم الذي نظم الأيام الثلاثة 20 -21 22 أوت 1955. هذه الأيام التي سمحت للشعب الجزائري بأن يغوص في المقاومة التحريرية ليبين لفرنسا الاستعمارية أن عهد الشغب المحلي انقضى بدون رجعة.
ولد زيغود يوسف بقريدة كندي سمندو (حالياً بلدية زيغود يوسف) عاش طفولته قرب والدته وجده (والد أمه). غرابي محمد الطاهر بكندي سمندو. لقد كان يتيم الأب، حيث قضى طفولته بمدرستها القرآنية ثم بالمدرسة البلدية الفرنسية للأهالي. اجتاز امتحان الشهادة الابتدائية بمركز الحروش بامتياز. بكندي سمندو بدأ حياته كرجل بجانب عائلته إذ صار صانعاً. وانطلاقاً من هذه القرية كندي سمندو كتب زيغود يوسف صفحة تاريخية ينبغي أن نعرفها ونتأملها…» (ص:9 وما بعدها).
تحت عناوين متنوعة عن «الحياة الاجتماعية، الحياة العائلية، تعلم مهنة، الحياة السياسية مدخل إلى العمل المسلح»رصد المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط مسيرة الشهيد زيغود يوسف بدقة من جوانب مختلفة، ففي حديثه عن حياته الاجتماعية أشار إلى أن زيغود يوسف ولد في:18 فبراير 1920 وهو ابن زيغود سعيد بن أحمد وغرابي يمينة بنت محمد الطاهر، وقد ولد بعد أربعة أشهر من وفاة والده يوم: 24أكتوبر 1920.وقد سجل اسمه في الحالة المدنية تحت اسم أسرة زيغوت حسبما ارتآه المكلف الأوروبي، ويشير إلى أن عائلة زيغود يعود نسبها إلى قلب دائرة كندي السمندو، والبعض منهم كان فلاحاً في إقليم بلدية كندي سمندو وبدوار الخرفان، وكان غرابي محمد الطاهر والد أم زيغود يوسف يمتهن حرفة خياطة الملابس التقليدية.
وفي هذا الشأن يتساءل المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط «أليس ذلك باكورة من بواكير دوره الثوري خلال الحرب المسلحة؟ إذ رغم ضيق بيته المتكون من غرفة واحدة فقد كان يعقد جلسات ليلية، فعندما يكون المجاهدون من أقارب العائلة فإن السيدة زيغود تنفرد في جانب من الغرفة حتى لا تزعج المجاهدين، وتحضّر لهم القهوة. وعندما يحضر الجلسات غريب عن العائلة فإن السيدة زيغود تتجه نحو بيت خالتها التي تسكن القرية» (ص:28).
بعد أول نوفمبر 1954 أصبح كل من الدرك والجيش والشرطة يتدخلون معاً في البحث عن المخفيين خاصة بعد وفاة الشهيد ديدوش مراد.إنه التمشيط الذي ينجم عنه إحراق الأراضي، إتلاف المؤونة، تكسير الأمتعة، تقتيل عشوائي ينفّذ حسب مزاج ضباط جيش العدو.
السيدة زيغود عاشت أياماً صعبة، ولكن إقامتها بالحروش كانت أقل ضرراً فصاحب البيت الذي تسكنه عائلة طرايفة كان أحد معطوبي الحرب العالمية الأولى (1918-1914)، فقد كان كلّما حل الدرك ببيت عائلة طرايفة لانتمائها إلى حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية يتدخل بصدره وهو مملوء بالأوسمة ولا يسمح بإيذاء مستأجريه.تدخلات السيد بولبرشان كانت مجدية وحالت دون المحن والاعتقالات لأعضاء عائلة طرايفة والسيدة زيغود يوسف.
نظم زيغود يوسف مظاهرة 8 ماي 1945م وترأسها، ولحسن الحظ لم يكن هناك ضحايا وقد تم إيقاف سبعة أشخاص ادعى جيش الاحتلال أنهم حطموا أختام محل الكشافة، وقد تأثر زيغود يوسف أيما تأثر بمجازر 8 ماي 1945م، واختير في المنظمة السرية من طرف مسؤوليها ومن بينهم محمد بوضياف لرئاسة ناحية كندي سمندو.
وبعد حادثة تبسة الشهيرة واكتشاف المنظمة السرية من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي ألقي القبض على زيغود يوسف بمنزله يوم: 22 مارس 1950م، حيث اتجهت الشرطة الفرنسية بقسنطينة نحو مسكنه حيث كان يقطن عند عمه زيغود سعد عند مخرج القرية على الطريق الذي يؤدي إلى سكيكدة، وقامت بتحطيم وإتلاف كل المؤونة بالبيت، وتم تعذيب زيغود يوسف تعذيباً شديداً، وبعدها نقل إلى عنابة ووضع تحت الحجز بتاريخ: 28مارس1950م. وفي السجن التقى زيغود يوسف بكل الذين اعتقلوا بمنطقة قسنطينة وعنابة وقالمة وسوق أهراس وتبسة وتكونت صداقة بينه وبين عبد العزيز بولحروف.
تطرق المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط إلى قصة فرار الشهيد زيغود يوسف من السجن، حيث جاء في روايته «…كلّ هؤلاء المساجين حوكموا يوم: 30جوان 1951 من طرف المحكمة التي من بين أعضائها فقليماسي القادم من سكيكدة (فيليب فيل) زيغود يوسف،ب ن عودة كمال، بركات سليمان، بكوش عبد الباقي حوكموا غيابياً لأنهم تمكنوا من الفرار. هذا الفرار كان بفضل الحفاظ على السر من طرف الشركاء في السجن ومهارة زيغود يوسف الذي صنع مفتاحاً عاماً. هذه الأداة استعملت لفتح مخدع النّوم الفاصل للغرفة رقم (18) والتي تستعمل كمرقد للسجناء.هذا المخدع للنوم كان للأم العليا، إذ أن السجن في حقيقة الأمر كان في الواقع ديراً للراهبات. بفضل الحصائر التي لفها،فإن زيغود يوسف تمكن من الوصول إلى سقف مخدع النوم ليقوم بثقبه، وفي اليوم الموعود خرج زيغود يوسف، بركات، بن عودة،بكوش عبد الباقي عبر السقف من خلال ذلك الثقب وبفضل الحبائل التي ظفرها بالمادة التي كانت الحصائر محشوة بها.تمكنوا من إيجاد منفذ نحو ملحقة للمحكمة والتي كانت تستعمل لحفظ الأرشيف…
ها هو زيغود يوسف يفتح باب هذه الغرفة التي تمتد إلى ردهة المحكمة، البواب الذي كان مسكنه مضاء لم ينتبه إلى أي شيء فقطع الفارون رواق المحكمة ووصلوا إلى المخرج. حيث كان زيغود يوسف ينتظر مرور سيارة كي لا يسمع الصوت الذي سوف يحدثه فتح الباب. وها هي ذي سيارة تمر صدفة في الوقت المناسب وباب المحكمة يفتح دون ضجة. ويتجه السجناء الأربعة نحو الشاطئ محاذين إياه إلى أن وصلوا إلى بيجو (سرايدي).
خلال شهر أفريل وماي كانوا مقيمين عند المناضل بودرسة عمار والذي كان أحد أقارب زيغود يوسف. في 02 جوان 1951 قرر الحزب التحاق الهاربين الأربعة بالأوراس.زيغود وبن عودة اتجها نحو دوار عين كار، بكوش وبركات نحو دوار عين كباش. في شهر أوت 1951 قام الجيش الفرنسي بعملية عسكرية بالأوراس.
وبالنسبة للأهداف المرجوة التي ينبغي تحقيقها فقد أوجزها المجاهد إبراهيم شيبوط في:
1 – شرح وإقناع سكان المنطقة بأن الحرب المسلحة تحت قيادة جبهة التحرير الوطني وسندها المسلح الجيش الوطني الشعبي تهم الشعب الجزائري كله والذي ينبغي إذن أن يتحد لأن هذه الوحدة ضرورية لنجاح الثورة. تم انخراط السكان وتبين ذلك بمنح أسلحة الصيد للجيش الشعبي الوطني وأحياناً منحهم بنادق قديمة حصل عليها أصحابها من عند جنود الحلفاء خلال مرورهم بالجزائر عام:1942.
2 – بفضل هذا الانخراط تكونت مراكز اتصال (بريد) أو سلسلة يقوم عليها جنود أو مسبلون الذين عن طريقهم يتم النقل السريع للأوامر أو المعلومات كما أنهم يسهلون تنقل وحدات جيش التحرير الوطني. في شهر جويلية 1955 إدارة الاحتلال لم تكن حاضرة بالبوادي واعتزلت المخيمات العسكرية المتواجدة بالأماكن التي يمكن من خلالها مراقبة حركات سكان الريف وجيش التحرير الوطني.
3 – إقامة انعدام الأمن:أعمال استهدفت منشآت الطرق، الخطوط الهاتفية،الخطوط الكهربائية» (ص:65).
* كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر