التجويع كسلاح حرب وأداة إبادة جماعية
مصطفى محمد حابس: جينيف / سويسرا. تتابع جاليتنا المسلمة في أورورا بقلق عميق واشمئزاز شديد ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية، تتجلى اليوم بأبشع صورها عبر سياسة تجويع همجية ممنهجة تستهدف الأطفال والنساء والمرضى، في انتهاك صارخ لكل الأعراف الإنسانية والقانونية.. وقد بات واضحًا أن ما يجري …

مصطفى محمد حابس: جينيف / سويسرا.
تتابع جاليتنا المسلمة في أورورا بقلق عميق واشمئزاز شديد ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية، تتجلى اليوم بأبشع صورها عبر سياسة تجويع همجية ممنهجة تستهدف الأطفال والنساء والمرضى، في انتهاك صارخ لكل الأعراف الإنسانية والقانونية..
وقد بات واضحًا أن ما يجري في غزة ليس مجرد عدوان عسكري، بل حرب تجويع متعمدة، تهدف لكسر إرادة الشعب الفلسطيني عبر حرمانه من أبسط مقومات الحياة، وهي الغذاء، الماء، الدواء، والكهرباء، ليُترك أكثر من مليوني إنسان فلسطيني لمصير الجوع والمرض، في ظل حصار خانق وقصف لا يتوقف ليل نهار!!
وقد أدان خطباء المساجد الأوروبية بأشد العبارات هذه الجرائم اللاأخلاقية واللاإنسانية، مؤكدين تضامنهم المطلق مع أهلنا في غزة، محملين الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن معاناة المدنيين، داعين المجتمع الدولي للتحرك العاجل لوضع حد لهذه السياسات الإجرامية، خاصة الدول التي تزعم أنها تحترم الإنسان وتدافع عن حقوق البشر.
أجساد أشبه بهياكل عظمية !!..
كما وزعت في مداخل بعض مساجدنا، بيانات ومنشورات، تشرح فيها ما آل إليه وضع أهلنا في أرض القدس الشريف، مبينين، في أحد المناشير بقولهم، ما ترجمته للعربية: ” .. فعلا، قد استفحلت المجاعة مؤخرا داخل قطاع غزة بشكل مهول، أين أظهرت صور ومقاطع فيديو متداولة، فلسطينيين بالقطاع وقد بدت أجسادهم أشبه بهياكل عظمية جراء الجوع الشديد، فضلا عن إصابتهم بالغثيان والإعياء وفقدان الوعي، مما أثار موجة سخط كبير لدى المؤسسات الإغاثية والإنسانية عبر العالم”. مبينين بالأرقام ما حذر منه برنامج الأغذية العالمي، ” أن ثلث فلسطيني غزة لم يأكلوا منذ عدة أيام بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع وإغلاق معابر غزة أمام شاحنات مساعدات مكدسة على الحدود”.
وقالت هيئات أممية أخرى ” أنه منذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 203 آلاف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف من النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين منهم”.
بيان الأزهر الشريف يلهب المواقع الأوروبية
تداول ناشطون في مواقع التوصل الاجتماعي مشكلة قرار حكومة مصر بحذف بيان الأزهر الشريف و استبداله ببيان فاتر باهت لا يمت لشيخ الأزهر و بيانه الأول بصلة، رغم ذلك أعادت نشر البيان الأصلي الأول حرفيا هيئات و مواقع إسلامية في أوروبا كما قرئت مقاطع البيان في خطب المساجد، أين أطلق شيخ الأزهر أحمد الطيب، نداءً عالميًا يستصرخ أصحاب الضمائر الحية للتحرك فوريًا لإنقاذ أهل غزة من المجاعة القاتلة، التي يفرضها الاحتلال في قُوَّةٍ ووحشيةٍ ولا مبالاة لم يعرف التاريخُ لها مثيلًا من قَبل، ” ونظنه لن يعرف لها شبيهًا في مستقبل الأيام” على حد تعبيره.
معلنا أنَّ ” الضمير الإنساني اليوم يقف على المحكِّ وهو يرى آلاف الأطفال والأبرياء يُقتَلون بدمٍ باردٍ، وأنَّ مَن ينجو منهم من القتلِ يَلْقَى حتفه بسببِ الجوع والعطش والجفاف، ونفاد الدواء، وتوقف المراكز الطبية عن إنقاذهم من موتٍ مُحقَّقٍ”.
” تجويعٍ قاتلٍ ومُتعمَّد جريمةُ إبادةٍ جماعيةٍ “
شدد شيخ الأزهر على أن “ما يُمارسه هذا الاحتلال البغيض من تجويعٍ قاتلٍ ومُتعمَّد لأهل غزَّة المُسالمين، وهم يبحثون عن كسرة من الخُبز الفُتات، أو كوب من الماء، ويستهدف بالرصاص الحي مواقع إيواء النازحين، ومراكز توزيع المساعدات الإنسانيَّة والإغاثيَّة لهو جريمةُ إبادةٍ جماعيةٍ مُكتملة الأركان، وأنَّ مَن يمد هذا الكيان بالسلاحِ، أو يُشجِّعه بالقرارات أو الكلمات المنافقة، فهو شريكٌ له في هذه الإبادة، وسوف يحاسبهم الحَكَم العدل، والمنتقم الجبَّار، يومَ لا ينفعُ مال ولا بنون، وعلى هؤلاء الذين يساندونهم أن يتذكَّروا جيدًا الحكمة الخالدة التي تقول: “أُكلنا يوم أُكِل الثور الأبيض.”
الأزهر الشريف يغالب أحزانه وآلامه
مبينا بقوله ، ” أن الأزهر الشريف وهو يغالب أحزانه وآلامه، ليستصرخ القوى الفاعلة والمؤثرة أن تبذل أقصى ما تستطيع لصدِّ هذا الكيان الوحشي، وإرغامه على وقف عمليات القتل الممنهجة، وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية بشكلٍ فوريٍّ، وفتح كل الطرق لعلاج المرضى والمصابين الذين تفاقمت حالتهم الصحية؛ نتيجة استهداف الاحتلال للمستشفيات والمرافق الطبية، في انتهاك صارخ لكل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية”.
مناشدا بندائه التاريخي هذا ضمائرنا بقوله” إنَّ الأزهر الشَّريف ليبرأ أمام الله من هذا الصَّمت العالمي المُريب، ومِن تقاعسٍ دوليٍّ مخزٍ لنُصرةِ هذا الشَّعب الأعزل، ومن أي دعوة لتهجير أهل غزة من أرضهم، ومن كل مَن يقبل بهذه الدعوات أو يتجاوب معها، ويحمِّل كل داعم لهذا العدوان مسؤولية الدماء التي تُسفك، والأرواح التي تُزهق، والبطون التي تتضوَّر جوعًا في غزة الجريحة، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾.
مختتما بقوله أنَّ الأزهر الشريف يدعو كل مسلم أن يواظب على الدعاء لنصرة المظلوم بدعاء نبينا الذي تحصَّن به: “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَاب، ومُجْرِيَ السَّحَاب، وهَازِمَ الأحْزَاب، اهْزِمْهُمْ وانْصُرنا عليهم”..”.
متظاهرون في أوروبا بالقرع على الأواني
وتفاعلا مع هذا الوضع المأسوي، وسكوت دول العالم العربي والغربي عن هذا القتل البطيء للأبرياء في غزة خاصة من دولنا الإسلامية والعربية، شهدت العواصم الأوروبية نهاية هذا الأسبوع الأخير، مظاهرات حاشدة مناهضة لسياسة التجويع الممنهج المتعمد الذي تقوم به الدولة العبرية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وقد نشطتها هيئات وشخصيات من مناصري القضية الفلسطينية من جهات وتوجهات شتى.
حيث جلب المتظاهرون معهم على غير العادة بعض الأواني من صحون وطناجر ومعالق، وقاموا بالقرع عليها خلال المظاهرات كل مساء وحتى من شرفات بيوتهم ليلا، للتنديد بمنع إسرائيل من إدخال المساعدات الغذائية إلى غزة وسياسة التجويع التي تنتهجها ضد الفلسطينيين في القطاع، منذ 7 أكتوبر مع بداية الحرب على غزة.
الصمت شراكة في الجريمة
كما حمل المتظاهرون الأعلام الفلسطينية، ولافتات كتبوا عليها عبارات مثل “أوقفوا الإبادة الجماعية”، و”الصمت يعد شراكة في الجريمة” و” الحياد خيانة وتواطؤ مع المجرم”، “وافتحوا معبر رفح وأنقذوا المدنيين”، و”نعم للخبز، لا للقنابل”، الى ما هنالك من شعارات بلغات عديدة عربية وغربية.
كما جددت في مسيرات شعارات متداولة في عالمنا العربي، منها:” لن نتهاون أمام إبادة غزة واستباحة الأمة ومقدساتها”، العهد بمواصلة الثبات مع الشعب الفلسطيني المظلوم، والانتصار لصرخات الجياع في غزة ورفض جريمة الإبادة والتجويع، ..
وأكدَّ بيان المسيرات «استمرار الخروج انتصارا لغزة التي تتعرض لأبشع جرائم الإبادة الجماعية، قتلاً وتجويعاً وحصاراً، في ظل صمت وتخاذل عربي وإسلامي وعالمي مخزٍ ومشين”.
كما أطلق المشاركون هتافات مناهضة لإسرائيل، داعين دولهم ودول أوروبا عموما والمجتمع الدولي برمته للتحرك إزاء المجاعة في غزة التي وصلت حدا لا يمكن تحمله. وفرضت الشرطة تدابير أمنية مكثفة في أماكن التجمعات، وأغلقت العديد من الطرقات القريبة خاصة من السفارات الأمريكية وأخريات.
أكثر من 100 منظمة إغاثية وحقوقية
كما تداول متظاهرون بيانات منظمات حقوقية كمنظمة العفو الدولية، التي اتهمت “إسرائيل” باستخدام التجويع كسلاح حرب وأداة لارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة..
وقالت المنظمة في تصريحات وزعت في التجمعات،”.. إن معاناة السكان الجائعين في غزة تتفاقم بسبب نظام توزيع المساعدات الذي تستخدمه “إسرائيل” كسلاح حرب مدمر، مما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية المستمرة منذ أشهر”..
ودعت المنظمة المجتمع الدولي إلى الخروج عن صمته، واتخاذ إجراءات عاجلة للضغط على “إسرائيل” وضمان امتثالها للقانون الدولي، ووقف استخدام التجويع كأسلوب ممنهج في الحرب..
كما دعت أكثر من 100 منظمة إغاثية وحقوقية، حكومات العالم إلى اتخاذ إجراءات عاجلة مع تفاقم أزمة الجوع في قطاع غزة، مطالبةً بـ “وقف فوري ودائم لإطلاق النار ورفع جميع القيود المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية”
وفي بيان مشترك وقعته 111 منظمة دولية، من بينها ميرسي كور، والمجلس النرويجي للاجئين، وريفوجيز إنترناشونال، وفراسة السويسرية، وأخريات، حذرت الجهات الموقعة من انتشار المجاعة الجماعية في مختلف أنحاء القطاع، بينما تتكدس أطنان من المواد الغذائية والمياه النظيفة والإمدادات الطبية خارج غزة، مع استمرار منع دخول المنظمات الإنسانية أو إيصال المساعدات إلى المدنيين..”.
كما ناشدت شخصيات أخرى حكامنا، بضرورة كسر الحصار عن غزة بكل الوسائل المشروعة، من قطع للعلاقات، والعلاقات التجارية مع العدو، وإطلاق قوافل المساعدات المشتركة بين الدول، ورفع قضايا جماعية في المحاكم الدولية، بل فيهم من طالب بالصيام الجماعي- كالرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي، نصرة لشعبنا المكلوم في غزة، وقد نعود في مقال تفصيلي متمم لهذا الموضوع ريثما تصلنا تفاصيل تظاهرات أخرى أمم مقر الأمم المتحدة بجنيف نهاية هذا الأسبوع ومواقف بعض الدول الأوروبية من الوضع الصعب .للغاية في قطاع غزة.. ” وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ “، فهو حسبنا ونعم الوكيل.