الإسلام وسعادة الأسرة
د. عبدالقادر بوعقادة */ جاء الإسلام ليقدم الحلول لبشرية غرقت في وحل التفكك والتمييز واغتصاب الحقوق والتعدي بكل أشكاله – وهي سمة الجاهلية الأولى- وكان من مقاصد الشريعة الحفاظ على الكليات وتحقيق سعادة الفرد والمجتمع، وإنّ مفهوم السعادة في الإسلام لا يقتصر على الحياة الدنيا -كما هو معروف لدى الملاحدة- وإنّما أعطاه البعدين «سعادة الدنيا …

د. عبدالقادر بوعقادة */
جاء الإسلام ليقدم الحلول لبشرية غرقت في وحل التفكك والتمييز واغتصاب الحقوق والتعدي بكل أشكاله – وهي سمة الجاهلية الأولى- وكان من مقاصد الشريعة الحفاظ على الكليات وتحقيق سعادة الفرد والمجتمع، وإنّ مفهوم السعادة في الإسلام لا يقتصر على الحياة الدنيا -كما هو معروف لدى الملاحدة- وإنّما أعطاه البعدين «سعادة الدنيا والآخرة» باعتبار أنّ الإنسان يعيش حياتين «الفانية والباقية». وإذا كان من سمات السعادة لدى الفرد والمجتمع هي تحقيق الطمأنينة والسكينة والقناعة، فإنّ الشريعة اعتنت بتحقيق الغرض في إطار عنايتها بالفرد والأسرة والمجتمع، فجعلت لكل إطار عوامل تحقيق السعادة ملخصة في تعاليم إذا سار عليها الفرد أو الأسرة أو المجتمع تحقق المراد، فكيف اعتنت الشريعة بتحقيق ذلك لدى الأسرة؟ وما هي خلاصة سرّ السعادة الأسرية التي قدمها الشارع للأفراد؟ إنّ ما نستخلصه من التعاليم الإسلامية لبناء السعادة الأسرية أنها تنبني على مجموع سلوكات قبل الزواج وخلاله، ومن بينها:
أولا: عناية الشريعة بالأفراد «الذكر والأنثي» منذ المرحلة الجنينية إلى الطفولة فالبلوغ ثم مرحلة الزواج، لأنّ تكوين الفرد السوي على الشريعة الواحدة المتسمة بالسماحة والتعاون والرحمة من شأنه أن يحقق التوافق بين الأفراد فيقربهم من بعضهم حتى تنحصر عوامل الاختلاف والنفور، حيث جاءت الشريعة لكل الأفراد على اختلاف جنسهم فلا فرق بين ذكر وأنثى، ولا بين شاب بالغ وآخر كبير مسنّ.
ثانيا: مفهوم الأسرة لدى المسلمين مجاله واسع فلا يقتصر على قران شاب وشابة، وإنّما يحوز الأبوين مهما علو والأبناء مهما سفلوا والأقارب «أعمام وأخوال وأصهار»، وهؤلاء كلهم يقفون لمساعدة الأسرة الفتية بالإرشاد والتوجيه، في إطار البر بالوالدين والأخذ بنصائحهم، والرحمة بالأبناء والنصح لهم، وحضور الولي عند اختيار الشريكين والخطبة ضرورة تلح عليها الشريعة عبر نصوص.
ثالثا: قناعة الشريكين بعضهما ببعض فلا غصب ولا إجبار ولا حواجز «..ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء…»، بل يتم حتى عن طريق النظر بينهما «..عسى أن يؤدم بينكما..»
أما آليات السعادة بعد البناء والزواج فقد جاءت النصوص لتحث على تحقيق النموذج الراقي للسعادة الأسرية ومنها:
أولا: تحقيق أسباب المودة والرحمة من قبل الزوجين، والتماس الأعذار والرفق أثناء الطوارئ والأمراض، والقيام على شؤون بعضهما بما يحقق الانسجام والتعاون، وكل هذا تحت مبدأ « المعاشرة بالمعروف» وقد جاءت السيرة النبوية والأحاديث الشريفة بكل تفاصيل الحياة الزوجية التي رسمت معالم السعادة، فالرسولﷺ في بيته ومع أهله وبين أحفاده يجسد الكثير من معاني البيت السعيد من حيث التوجيه والممازحة واللعب والمشاركة في أعباء البيت، حتى قالﷺ:» ..وفي بضع أحدكم صدقة..»
ثانيا: تكريس مبدأ القوامة، فبمثل ما للرجل من تكاليف القوامة من حيث واجب الانفاق بالمال، والحماية بالدفاع، والستر بالمسكن « الرجال قوامون على النساء..»، فإنّ على المرأة واجب الرعاية للرجل والأبناء وتحقيق المودة داخل بيت الأسرة «..كلكم راع…والمرأة راعية في بيت زوجها..»، فجعل لكل مهامه بحسب الفطرة والقدرة من باب « لا يكلف الله نفسا إلا وسعها..» وكل هذا سيؤدي حتما إلى تحقيق عنصر الانسجام والمودة داخل البيت.
ثالثا: ولكي تزداد الأسرة متانة وتؤدي وظيفتها الاجتماعية في تحقيق الانسجام في محيط الأسرة، جاء الشريعة لتوسع مفهوم المودة والألفة إلى العناية بصلة الرحم بين الأقارب الذين هم صمام أمان الأسرة عند الاختلاف، ففرضت الشريعة حقوقا للآباء على الأبناء، كما جعلت «البر بالوالدين»من صميم الشريعة، واعتبرت صلة الرحم موصولة بالرحمن «…أنا الرحمن وهذه الرحم..» وهكذا يكون التآصر وقت الأفراح والتكاتف زمن الأقراح.
رابعا: آليات تجاوز الخلاف وتحقيق الوئام، ففي أثناء المعاشرة والحياة اليومية تحدث المشاغبات والمناوشات والخلاف، وهو أمر طبيعي بين بني البشر، ولكي تحافظ الشريعة على بقاء الأسرة لاستكمال وظيفتها في سعادة الزوجين والأبناء والأقارب أقرت مجموعة من الآليات لضبط الخصام وتجاوز النشوز في بداياته ومنها : الصبر والموعظة والهجر في المضاجع فالضرب الخفيف غير المبرح، فإذا اشتد الأمر يستدعى الحكمان، ليأتي الطلاق كآخر الأليات إذا تعسّر الأمر، ولن تبرح الزوجة بيت الزوجية حتى تستكمل العدة عسى أن يتراجعا، فإذا انقضت العدة كان الطلاق بالتراضي، وتحرص الشريعة على أن يحافظ المطلقين على بعضهما بكتمان الأسرار واحتساب العشرة حتى وإن لم تقع المعاشرة « ولا تنسوا الفضل بينكم..».
هكذا جاء الإسلام ليحقق أسمى معاني السعادة للفرد والمجتمع، وكانت الأسرة هي راعي الوداد ومنبت الوئام وسر تحقيق مفهوم السعادة التي قد يفقدها الفرد خارج البيت لاختلاف الأمزجة والأنفس، فيأتي إلى البيت ليجد السكينة، وقد سمي البيت بالمسكن لتوافر السكينة، وهي سر السعادة التي كرّسها الإسلام من خلال نصوص الوحي العديدة خدمة للبشرية جمعاء.
* جامعة البليدة2-