هل يوقف نزيف حوادث الحافلات في الجزائر؟
فتح باب الاستيراد وتجديد الحظيرة أعلنت وزارة النقل عن قرارات جديدة تهدف إلى تجديد حظيرة الحافلات المهترئة، بعد سلسلة من الحوادث المروعة التي شهدتها الطرق الجزائرية خلال الفترة الأخيرة، والتي تورطت فيها حافلات لنقل المسافرين مخلفة عشرات القتلى ومئات الجرحى. هذا الإجراء الذي طال انتظاره جاء في وقت حساس، بعد أن …

فتح باب الاستيراد وتجديد الحظيرة
أعلنت وزارة النقل عن قرارات جديدة تهدف إلى تجديد حظيرة الحافلات المهترئة، بعد سلسلة من الحوادث المروعة التي شهدتها الطرق الجزائرية خلال الفترة الأخيرة، والتي تورطت فيها حافلات لنقل المسافرين مخلفة عشرات القتلى ومئات الجرحى.
هذا الإجراء الذي طال انتظاره جاء في وقت حساس، بعد أن تحولت حوادث النقل الجماعي إلى كابوس يؤرق الجزائريين، وسط تساؤلات حول ما إذا كان هذا القرار كفيلًا بإنهاء المأساة أم مجرد خطوة محدودة في مواجهة أزمة عميقة.
فتح باب الاستيراد وتجديد الحظيرة
أكد وزير النقل، السعيد سعيود، أن استيراد الحافلات الجديدة والأقل من خمس سنوات مفتوح أمام الناقلين، في إطار خطة شاملة أطلقتها الوزارة منذ يناير الماضي لتجديد حظيرة النقل تدريجيًا.
وأوضح الوزير، خلال إشرافه على إطلاق أول رحلة تجارية لشركة الخطوط الجوية الداخلية بين الجزائر وتمنراست، أن الحظيرة الحالية للنقل بين الولايات تُعد جيدة مقارنة بالنقل الحضري وشبه الحضري، لكنها بحاجة إلى تحديث شامل.
وأضاف المسؤول الأول عن القطاع أن القانون الجديد يسمح للناقلين باستيراد الحافلات مع تسديد الرسوم الجمركية واستكمال الإجراءات الإدارية، مشيرًا إلى أن مقترح الإعفاء من هذه الرسوم قيد الدراسة من طرف فريق عمل مشترك بين وزارات النقل والصناعة والتجارة، وقد يدرج ضمن قانون المالية المقبل.
بين القرار والواقع… لماذا هذا الإجراء الآن؟
لم يأتِ هذا القرار من فراغ، بل جاء على خلفية تزايد حوادث المرور المميتة التي تورطت فيها الحافلات، بعد أن شهدت الجزائر حوادث مرعبة، من بينها حادث وادي الحراش الأخير الذي أودى بحياة 18 سخصا وحادث تمنراست الذي أودى بحياة 35 شخصًا، وحادث ولاية البيض الذي خلف أكثر من 17 قتيلًا في اصطدام حافلتين بشاحنة وسيارة أجرة، إضافة إلى عشرات الحوادث الأسبوعية على الطرق الوطنية والطرق السريعة.
هذه الكوارث وضعت السلطات أمام حتمية التدخل لمعالجة الأسباب الجذرية، وأبرزها تهالك الحظيرة الوطنية للنقل التي تضم آلاف الحافلات القديمة التي تجاوز عمرها التشغيلي 20 سنة في بعض الحالات، وغالبًا ما تفتقر إلى أبسط شروط السلامة الميكانيكية.
الحظيرة المهترئة… قنابل على العجلات !
يؤكد خبراء النقل أن جزءًا كبيرًا من الحوادث القاتلة سببه الحالة الميكانيكية السيئة للحافلات، حيث تسير على الطرقات مركبات فقدت صلاحيتها منذ سنوات، لكن تستمر في العمل بسبب غياب الرقابة الصارمة وتكلفة التجديد العالية بالنسبة للناقلين.
ولا يمكن أن نتحدث عن الحد من حوادث الحافلات ما دامت مركبات عمرها أكثر من ربع قرن ما تزال تسير على طرق سريعة بسرعة تفوق 100 كلم/سا، دون أن تخضع لصيانة حقيقية أو مراقبة تقنية صارمة.”
هذه الوضعية جعلت الوزارة تطلق مخططًا تدريجيًا لتجديد الحظيرة، لكن التحدي يكمن في قدرة الناقلين على تمويل استيراد حافلات جديدة في ظل الأزمة الاقتصادية، ما جعل مطلب الإعفاء من الرسوم الجمركية في صدارة أولوياتهم.
هل يكفي تجديد الحظيرة لوقف نزيف الدم؟
رغم أهمية القرار، يرى خبراء أن تجديد الحظيرة وحده لا يكفي للحد من حوادث النقل الجماعي، إذ تبقى هناك عوامل أخرى لا تقل خطورة، أبرزها العامل البشري حيث أن تهور السائقين، الإرهاق، والسرعة المفرطة بسبب المنافسة غير الصحية بين الناقلين، أيضا غياب الرقابة الذكية بسبب ندرة الرادارات على الطرق الطويلة، وضعف المراقبة الليلية، إلى جانب ضعف البنية التحتية مادام أن طرق وطنية متهالكة، منعرجات خطيرة بلا إشارات كافية، وانعدام الحواجز الوقائية.
بالتالي، فإن خطة تجديد الحظيرة يجب أن تكون جزءًا من إستراتيجية متكاملة تشمل تشديد الرقابة، تعزيز السلامة الميكانيكية، وإدراج التكنولوجيا الحديثة مثل الصندوق الأسود في الحافلات لمراقبة السرعة وساعات العمل.
التكلفة بين دعم الدولة وقدرة المواطن
فتح باب استيراد الحافلات الجديدة يُعدّ خطوة مهمة لتطوير خدمات النقل الجماعي، غير أن هذا القرار قد يحمل معه تداعيات اقتصادية على المواطن. فوفقًا لآراء خبراء النقل، فإن أسعار تذاكر الرحلات بين الولايات مرشحة للارتفاع في حال غياب آليات دعم واضحة أو إعفاءات ضريبية تخفف العبء عن الناقلين.
وفي ظل الوضع المعيشي الصعب الذي يواجهه المواطن الجزائري، فإن أي زيادة في أسعار التذاكر قد تثير جدلاً واسعًا وتدفع شريحة كبيرة من المسافرين إلى البحث عن بدائل أقل كلفة، رغم المخاطر التي قد تنطوي عليها.
من جهة أخرى، يشدد الناقلون على أن إعفاءات الرسوم الجمركية أو على الأقل تخفيضها تعدّ شرطًا أساسيًا لإنجاح خطة تجديد الحظيرة، خاصة وأن أسعار الحافلات الجديدة بالعملة الصعبة تشكل عبئًا كبيرًا على المستثمرين في قطاع النقل.
ويرى هؤلاء أن الدولة مطالبة بتقديم تسهيلات مالية أو قروض ميسرة تضمن تحقيق التوازن بين تحسين خدمات النقل وضمان سلامة المسافرين دون أن ينعكس ذلك سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين. هذا التحدي يضع وزارة النقل أمام مسؤولية كبيرة في إيجاد صيغة عادلة تراعي مصالح جميع الأطراف.
بين كلفة التجديد وهاجس السلامة !
يرى الناقلون العاملون في الخطوط الطويلة أن قرار فتح باب استيراد الحافلات الجديدة يمثل خطوة إيجابية طال انتظارها، لكنهم يواجهون تحديات مالية كبيرة قد تحول دون تطبيقه فعليًا.
أحد الناقلين الناشطين على خط الجزائر–وهران عبّر لجريدة الوسط عن قلقه قائلاً: “نحن مع تجديد الحظيرة، لأننا أول المتضررين من الحوادث، لكن كيف نشتري حافلة جديدة بزيادة الرسوم؟” وأضاف أن معظم الناقلين يعملون في ظروف اقتصادية صعبة، تجعل من المستحيل استيراد حافلة حديثة دون تسهيلات مالية أو دعم حكومي مباشر، مؤكدًا أن الاستمرار في فرض الرسوم الجمركية المرتفعة قد يدفع العديد من الشركات الصغيرة إلى الإفلاس أو رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه.
في المقابل، يؤكد الناقلون أن غياب آليات تمويل واضحة يهدد بتأخير عملية تجديد الحظيرة، رغم أن معظمهم يدرك أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر في ظل تصاعد حوادث الحافلات التي أصبحت حديث الشارع الجزائري. ويطالب الناقلون بإعفاءات من الرسوم الجمركية أو قروض ميسرة بفوائد منخفضة، باعتبار أن الاستثمار في حافلات جديدة لن ينعكس فقط على نشاطهم الاقتصادي، بل سيضمن سلامة المسافرين ويقلل من الخسائر البشرية التي تحصد الأرواح يوميًا على الطرقات الوطنية.
هؤلاء يشددون على أن نجاح خطة الوزارة مرهون بدعم مالي فعّال يخفف الأعباء عن الناقلين بدل تحميلهم التكلفة كاملة.
الإصلاحات المنتظرة… نحو منظومة نقل آمنة
وزارة النقل تراهن على خطة تجديد الحظيرة لتقليص عدد الحوادث القاتلة، لكنها تدرك أن هذه الخطوة وحدها لن تكفي ما لم تُدعّم بإجراءات صارمة تضمن التطبيق الفعلي لمعايير السلامة.
ومن بين أبرز هذه الإجراءات إلزامية الفحص التقني الدقيق قبل تجديد رخصة الاستغلال، للتأكد من الحالة الميكانيكية للمركبات ومنع أي حافلة غير مطابقة للمواصفات من السير على الطرقات. هذا الإجراء من شأنه الحد من الحافلات المهترئة التي تمثل خطرًا دائمًا على حياة المسافرين.
وإلى جانب ذلك، تسعى الوزارة إلى إدخال نظام التتبع الذكي المتمثل في الصندوق الأسود لجميع الحافلات، لمراقبة السرعة وسلوك السائق أثناء القيادة، إضافة إلى تفعيل فرق المراقبة المتنقلة على الطرقات السريعة لضمان احترام القوانين في الميدان، وليس فقط على الورق. كما يشكل إطلاق برامج تكوين إلزامية للسائقين المحترفين خطوة محورية، إذ يساهم في رفع مستوى الوعي والانضباط لدى السائقين، مما يقلل من السلوكيات المتهورة التي تعد من الأسباب الرئيسية وراء الكوارث المرورية.
سلامة النقل رهينة خطة شاملة
قرار فتح باب استيراد الحافلات الجديدة خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها ليست الحل السحري لوقف نزيف الدم على الطرقات. فالسلامة المرورية في الجزائر تحتاج إلى خطة شاملة تعالج كل جوانب الأزمة، من تجديد الحظيرة، إلى إصلاح البنية التحتية، وتشديد الرقابة، وتغيير سلوك السائقين.
وبدون ذلك، ستبقى الحافلات، مهما كانت جديدة، تهدد الأرواح إذا وجدت على طرقات غير آمنة، في يد سائقين يفتقرون إلى الانضباط، وبمنظومة نقل لا تضع حياة المواطن في المرتبة الأولى.
أمين بن لزرق