الجزائر المستقلة بخطى واثقة.. مواصلة تعزيز السيادة الاقتصادية وتكريس لرؤية اجتماعية راسخة
ظّل مشروع استرجاع السيادة الاقتصادية منذ أن استعادت الجزائر استقلالها في عام 1962 أحد أبرز رهانات الدولة، جنبا إلى جنب مع ترسيخ السيادة السياسية، فقد لا يختلف إثنان أن الجزائر ورثت عقب حقبة الاستعمار الغاشم التي دامت لأكثر من 132 سنة، اقتصادا هشا ومرتهنا لدوائر الاستعمار، يعتمد على تصدير المواد الخام ويعاني من غياب شبه […] The post الجزائر المستقلة بخطى واثقة.. مواصلة تعزيز السيادة الاقتصادية وتكريس لرؤية اجتماعية راسخة appeared first on الجزائر الجديدة.

ظّل مشروع استرجاع السيادة الاقتصادية منذ أن استعادت الجزائر استقلالها في عام 1962 أحد أبرز رهانات الدولة، جنبا إلى جنب مع ترسيخ السيادة السياسية، فقد لا يختلف إثنان أن الجزائر ورثت عقب حقبة الاستعمار الغاشم التي دامت لأكثر من 132 سنة، اقتصادا هشا ومرتهنا لدوائر الاستعمار، يعتمد على تصدير المواد الخام ويعاني من غياب شبه كلي لقاعدة إنتاجية وطنية.
لمواجهة هذا الإرث الثقيل، تبنّت الدولة نموذجا اقتصاديا قائما على التأميم، والتخطيط المركزي، وبناء قطاع عمومي قوي، باعتباره سبيلا للتحرر من التبعية وبناء مجتمع متماسك تسوده العدالة الاجتماعية.
وبعد مرور ثلاثة وستين عاما على الاستقلال الوطني، خصوصا في السنوات الأخيرة أعادت السلطات العليا بالبلاد تحت إشراف وحرص شخصي من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون فكرة “السيادة الاقتصادية” وتكريس “العدالة الاجتماعية ” إلى الواجهة حيث عكف الرئيس إلى تعزيز المكانة المركزية للاقتصاد بنفس الأهمية للمكانة السياسية على الصعيد الدولي.
تمثل الذكرى الـ63 للاستقلال فرصة لتقييم التحولات الاقتصادية العميقة التي شاهدتها الجزائر، واستشراف مستقبل يُبنى بالاعتماد على الذات، واقتصاد المعرفة، وتكريس العدالة الاجتماعية كقيمة ثابتة في كل مرحلة من مراحل التنمية، حيث تبرز الجزائر وفي ضوء هذه التحولات، سلسلة من الإنجازات الاقتصادية المحققة مؤخرا، تعكس إرادة العميقة للدولة في كسر التبعية للمحروقات، وتحقيق تنمية شاملة تمس الإنسان والمجال على حد سواء.
ومع اقتراب نهاية النصف الأول من عام 2025، بات واضحا أن البلاد تضع أسسا صلبة لنمو مستدام ومكانة متقدمة على الخريطة الاقتصادية القارية، حيث تشهد الجزائر خلال السنوات الأخيرة تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة، تؤشر إلى مرحلة جديدة من النمو القائم على التنويع الاقتصادي والانفتاح الاستثماري، بعيدا عن الاعتماد شبه المطلق على عائدات المحروقات.
تنويع الصادرات… من النفط إلى الإنتاج المتكامل
بخطى ثابتة، ووفق رؤية استراتيجية واضحة، تمكنت الجزائر من توسيع قاعدتها التصديرية غير الهيدروكربونية، حيث بلغت صادراتها خارج قطاع المحروقات نحو 5.1 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بـ1.8 مليار دولار فقط قبل سبع سنوات، شملت هذه الصادرات منتجات من قطاعات متعددة، أبرزها: الأسمدة، الحديد، الإسمنت، والمنتجات الزراعية.
كما سجل الميزان التجاري فائضًا بنحو 7 مليار دولار، بينما تتجه الحكومة نحو مضاعفة هذا الرقم بفضل برنامج طموح لتصدير ما يفوق 11 مليار دولار من المنتجات غير النفطية بحلول 2025.
بنى تحتية حديثة… استثمار في المستقبل
أطلقت الجزائر مشاريع بنى تحتية ضخمة شملت الطرق، السكك الحديدية، والموانئ، بهدف تعزيز الربط بين الشمال والجنوب وتهيئة مناخ جاذب للاستثمار.
تم استكمال مشروع الطريق السيار شرق-غرب الممتد على 1,216 كلم، كما تم تدشين خط سكة الحديد “بوقزول–الجلفة–الأغواط”، الذي يعد اللبنة الأولى ضمن مشروع استراتيجي لربط الجزائر العميقة بالشبكة الوطنية للنقل.
وأما في مجال التمويل، وقعت الجزائر اتفاقا مع بنك التنمية الإسلامي يقضي بمنحها 3 مليارات دولار لتمويل مشاريع في البنى التحتية والطاقة والرقمنة على مدى ثلاث سنوات.
إصلاحات مؤسساتية وهياكل الاستثمار هامة
يشهد مناخ الأعمال في الجزائر طفرة نوعية، خاصة بعد إطلاق المنصة الرقمية “النافذة الوحيدة” عبر الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار، والتي سمحت بإحصاء أكثر من 11,000 مشروع استثماري بتكلفة إجمالية تجاوزت 32.5 مليار دولار.
ويُتوقع أن تخلق هذه المشاريع نحو 270,000 منصب شغل مباشر، ما يرسّخ التوجه نحو اقتصاد إنتاجي يحفز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
قطاع الطاقة .. سلسلة الاتفاقيات مع كبريات الشركات العالمية
رغم توجه الجزائر إلى التنويع الاقتصادي، يظل قطاع الطاقة محوريا، وهو ما تؤكده سلسلة الاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر مؤخرا مع كبريات الشركات العالمية.
فقد وقّعت سوناطراك مذكرات تفاهم مع كل من “أوكسيدنتال” الأمريكية و”شيفرون” لتطوير مشاريع استكشاف وإنتاج النفط والغاز، إضافة إلى اتفاق تاريخي مع إيني الإيطالية التي أعلنت عن استثمار 8 مليارات يورو في السوق الجزائرية خلال أربع سنوات.
كما أطلقت الجزائر أكبر مشروع للطاقة الشمسية في البلاد، يشمل بناء 15 محطة بطاقة إجمالية تصل إلى 2,000 ميغاواط، ما يعزز تحول البلاد نحو الطاقات المتجددة.
الأمن الغذائي… رهان استراتيجي
نجحت الجزائر في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب، كما ارتفعت صادرات المنتجات الزراعية لتتجاوز 1.2 مليار دولار، بينما بلغ الناتج الفلاحي أكثر من 37 مليار دولار سنة 2024.
وفي خطوة لافتة، أُعلن عن إنشاء أكبر مزرعة ألبان في العالم بالشراكة مع مستثمرين خليجيين، على مساحة 117 ألف هكتار، بإجمالي استثمارات بلغت 3.5 مليار دولار.
قطاع التعدين والصناعة.. مشاريع كبرى في الواجهة
تتجه الجزائر بقوة نحو تطوير ثرواتها المعدنية، إذ باشرت مشاريع كبرى مثل منجم بلاد الحادبة للفوسفات ومشروع غار جبيلات للحديد، إلى جانب توقيع عقود لتطوير قطاع البتروكيماويات باستثمارات فاقت 1.1 مليار دولار.
رغم التحديات المختلفة.. الجزائر تحافظ على طابعها الاجتماعي
ويرى خبراء الاقتصاد أن الجزائر تمتلك حاليا مزيجا من الاستقرار المالي، والاستثمارات الإنتاجية، والإرادة السياسية الكفيلة بجعلها أحد أبرز الاقتصادات الصاعدة في القارة، ما عكس ايجابيا على الهوية الاجتماعية للدولة التي تسعى من خلال هذه الانجازات الاقتصادية إلى تثبيت وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتوسيع الطبقة الوسطى، وتوفير التعليم والصحة والعمل كحقوق مكفولة لا كامتيازات، وهكذا، تشكلت ملامح “الدولة الاجتماعية” التي ظلت سمة بارزة.
فرغم التحديات الاقتصادية والتحولات الإقليمية، حافظت الجزائر على طابعها الاجتماعي كأحد أعمدة الهوية الوطنية منذ الاستقلال، وفي السنوات الأخيرة، عززت الدولة هذا التوجه من خلال سياسات ملموسة طالت الفئات الهشة والشباب والمرأة، في مشهد يعكس استمرار مفهوم “الدولة الحامية”.
في قطاع السكن، واصلت الحكومة تنفيذ أكبر البرامج السكنية في المنطقة، حيث تم توزيع مئات الآلاف من الوحدات سنويا بمختلف الصيغ، من “عدل” إلى “السكن الاجتماعي” والسكن الريفي، في خطوة تهدف إلى ضمان الحق في السكن كركيزة للاستقرار الاجتماعي.
أما على صعيد تمكين المرأة، فقد شهدت السنوات الأخيرة دعما مؤسساتيا متزايدا، تُرجم في ارتفاع نسب حضورها في الجامعة وسوق العمل، مع برامج تمويل وتشغيل موجهة خصيصا للمقاولات النسائية، إلى جانب تعزيز الحماية القانونية والاجتماعية.
وفي مبادرة غير مسبوقة، أطلقت الجزائر سنة 2022 منحة البطالة، كآلية دعم مباشر لأكثر من مليوني شاب عاطل عن العمل، وهي خطوة عدّها كثيرون تجسيدا ملموسا لفكرة “الدولة الاجتماعية المتجددة”، التي تواكب العصر دون أن تتخلى عن التزاماتها تجاه مواطنيها.
وتواصل الجزائر ترسيخ طابعها الاجتماعي من خلال سياسات داعمة للمرأة العاملة، تتجسد بوضوح في منظومة عطلة ومنحة الأمومة التي تُعد من بين الأوسع منذ الاستقلال، فبموجب قانون العمل، تستفيد المرأة من عطلة أمومة مدفوعة الأجر لمدة 14 أسبوعا، مع حماية كاملة لمنصبها الوظيفي، وضمان صرف منحة مالية تعادل 100% من راتبها المرجعي، عبر الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية، بالإضافة إلى تسهيلات بعد الولادة، كأوقات رضاعة وتقليص جزئي للدوام، بما يسمح للمرأة بالتوفيق بين التزاماتها المهنية ودورها الأسري. فهيمة بن عكروف
ف ب
The post الجزائر المستقلة بخطى واثقة.. مواصلة تعزيز السيادة الاقتصادية وتكريس لرؤية اجتماعية راسخة appeared first on الجزائر الجديدة.