الجزائر تُنهي عقودًا طويلة من هيمنة الحليب الفرنسي

قرّرت الجزائر الاستغناء عن فرنسا في تموينها بمادة بودرة الحليب الفرنسي، في أعقاب تدهور العلاقات بين البلدين، موجهة أنظارها إلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لتعزيز التعاون الغذائي، وبالتحديد أوغندا التي تعتبر أحد أكبر المنتجين للألبان في المنطقة، حيث تم إطلاق أول شحنة من مسحوق الحليب الأوغندي نحو السوق الجزائرية، في خطوة تعكس تحوّلاً استراتيجيًا في […] The post الجزائر تُنهي عقودًا طويلة من هيمنة الحليب الفرنسي appeared first on الجزائر الجديدة.

يونيو 2, 2025 - 14:03
 0
الجزائر تُنهي عقودًا طويلة من هيمنة الحليب الفرنسي

قرّرت الجزائر الاستغناء عن فرنسا في تموينها بمادة بودرة الحليب الفرنسي، في أعقاب تدهور العلاقات بين البلدين، موجهة أنظارها إلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لتعزيز التعاون الغذائي، وبالتحديد أوغندا التي تعتبر أحد أكبر المنتجين للألبان في المنطقة، حيث تم إطلاق أول شحنة من مسحوق الحليب الأوغندي نحو السوق الجزائرية، في خطوة تعكس تحوّلاً استراتيجيًا في خارطة واردات البلاد من هذا المنتج الحيوي.

وجاءت هذه الخطوة بعد سنوات من الاعتماد الكثيف على الحليب الفرنسي، والذي شهد تراجعًا حادًا في وارداته خلال عام 2024، نتيجة التوترات السياسية بين الجزائر وباريس، مما دفع السلطات الجزائرية إلى البحث عن شركاء جدد أكثر مرونة وتجاوبًا مع احتياجات الأمن الغذائي. وفي هذا السياق، أعلنت الرئاسة الأوغندية نهاية ماي الماضي، تصدير أول شحنة جزائرية من مسحوق الحليب الكامل بقيمة إجمالية تبلغ 2100 طن، في إطار اتفاق تجاري متعدد السنوات يمتد لثلاثة أعوام على الأقل.

وأطلقت الجزائر رسميًا عملية استيراد الحليب من أوغندا، في خطوة تعكس رغبتها المتواصلة في تقليص الاعتماد على السوق الأوروبية، وتنويع مصادر تموينها بهذا المنتج الحيوي الذي يمس الأمن الغذائي الوطني.

وجاء هذا الإعلان في وقت يشهد فيه سوق الحليب الجزائري ضغوطًا متزايدة نتيجة تقلبات التموين الخارجي، خاصة بعد تراجع حاد في واردات الحليب من فرنسا خلال عام، على خلفية تدهور العلاقات السياسية الثنائية، مما دفع الجزائر إلى البحث عن أسواق بديلة في إفريقيا وآسيا. وتشير المعطيات إلى أن الشحنة الأولى التي سيتم تصديرها نحو الجزائر تبلغ 2100 طن من مسحوق الحليب الكامل. وهو منتج ظل يُستورد تقليديًا من دول مثل فرنسا وهولندا ونيوزيلندا.

مشتريات جزائرية بقيمة نصف مليار دولار

وكشف الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني أن الجزائر أبدت اهتمامًا بشراء كميات من الحليب تصل قيمتها إلى 500 مليون دولار، معتبرًا أن هذا التعاقد يشكل فرصة استراتيجية لبلده بعدما رفضت كينيا، في وقت سابق، استقبال الحليب الأوغندي بسبب تأثيره السلبي على السوق المحلية، ما دفع كمبالا إلى فتح قنوات تجارية جديدة مع شركاء غير تقليديين على غرار الجزائر.

وأوضح موسيفيني أن المباحثات التي جمعته برئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قبل عامين تضمنت محورًا خاصًا بتعزيز التبادل التجاري في المنتجات الغذائية، وعلى رأسها الحليب ومشتقاته. وقد أسفرت هذه الاتصالات عن اتفاق بين الجانبين يمهد لتعاون يمتد لثلاث سنوات على الأقل، حيث فازت ثلاث شركات أوغندية كبرى، وهي Pearl Dairy Farms وBrookside Uganda وAmos Dairies Uganda، بعقود تصدير الحليب نحو الجزائر خلال الفترة القادمة.

ولضمان جودة المنتوج المستورد، أرسلت الجزائر عدة بعثات تفتيش إلى الأراضي الأوغندية، كان آخرها في يناير 2025، حيث زار وزير الفلاحة والتنمية الريفية يوسف شرفة العاصمة الأوغندية كمبالا، ودعا خلالها المصنعين إلى تسريع وتيرة التصدير ومطابقة المنتجات للمواصفات الجزائرية. وتندرج هذه الخطوة ضمن استراتيجية وطنية أوسع تهدف إلى تأمين سلسلة تموين مستقرّة بمادة الحليب، في ظل تأخر نتائج المشاريع الاستثمارية المحلية في هذا القطاع، خاصة تلك المتعلقة بالمزارع العملاقة المقامة في عمق الصحراء الجزائرية.

اعتماد بنسبة 60 %على السوق الدولية

ورغم رهان الحكومة الجزائرية على مشاريع الإنتاج المحلي، إلا أن الواردات من الحليب المجفف ظلت مستقرة خلال عام 2024، ومن المتوقع أن تبقى على نفس النسق في سنة 2025، وفق ما أورده تقرير مجلس المحاسبة الذي نُشر نهاية السنة الماضية.

ويؤكد التقرير أن الاعتماد على السوق الدولية لا يزال يقدّر بـ60% من إجمالي الحاجيات الوطنية من الحليب كمادة أولية، وترتفع هذه النسبة إلى 80% في حال استثناء السوق الموازية، وتصل إلى 85% إذا ما احتُسبت المدخلات الأخرى المستوردة من الخارج.

ويعد هذا الواقع تحديًا حقيقيًا لمساعي الدولة الجزائرية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحليب خاصة أن سلسلة التموين المحلية ما تزال تعاني من اختلالات في الإنتاج والتوزيع. وتأتي الاتفاقية مع أوغندا كمحاولة لضمان مرونة أكبر في تأمين حاجيات السوق، بعيدًا عن التحولات السياسية التي قد تُعطل واردات الحليب من الدول الأوروبية. كما أن الخطوة تُجسّد بعدًا استراتيجيًا في السياسة التجارية الجديدة للجزائر القائمة على تعزيز الشراكات مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء.

استيراد 266 مليون أورو من الحليب الفرنسي 

وتوضح معطيات رسمية، أن الجزائر استوردت من فرنسا ما يعادل 266 مليون أورو من الحليب سنة 2023، بعد أن بلغت وارداتها في 2022 حوالي 190 مليون يورو، قبل أن تتراجع بقوة خلال 2024 بنسبة قاربت 25%، ما عمّق الحاجة إلى تغيير نمط التوريد الخارجي. وقد أكدت تقارير صحفية أن الجزائر كانت الوجهة الأولى لصادرات الحليب الفرنسي خارج الاتحاد الأوروبي، بنسبة بلغت 53% في عام 2017، غير أن هذه النسبة تقلّصت إلى 18% فقط خلال سنتي 2023 و2024، بسبب التوجه الجزائري لفتح أسواق جديدة والتقليص من نفوذ الشركاء التقليديين.

ولا يُستبعد أن تفتح هذه الاتفاقية مع أوغندا الباب أمام تعاقدات جديدة مع دول إفريقية أخرى، في وقت تسعى فيه الجزائر إلى لعب دور ريادي في الأمن الغذائي الإقليمي، مستفيدة من موقعها الجغرافي وقدرتها على التفاوض بشروط سيادية، مع المحافظة على جودة المنتجات المستوردة وتنافسية أسعارها.

 عبدو.ح

The post الجزائر تُنهي عقودًا طويلة من هيمنة الحليب الفرنسي appeared first on الجزائر الجديدة.