مدرسة أم القرى للقرآن الكريم بأولاد جلال صَرح فَريد أُقيم بالجُهد والصبر والـمُثابرة

متابعة من إعداد: أ. أبو إياد كمال بن عطاءالله/ الناظر الـمتـمعن بعين الموضوعية في تاريخ الجزائر وبالخصوص من جاهد عنها في سبيل الله وفداها بـمـاله ونفسه منذ احتلالها سنة 1830م من مقاومات شعبية إلى الـمكابدة والنضال السياسي في بداية القرن العشرين إلى تأسيس الجمعية في 1931م ووصولا إلى الثورة التحريرية الخالدة ونيل الاستقلال، إلاّ وهو …

يوليو 8, 2025 - 15:12
 0
مدرسة أم القرى للقرآن الكريم بأولاد جلال صَرح فَريد أُقيم بالجُهد والصبر والـمُثابرة

متابعة من إعداد:
أ. أبو إياد كمال بن عطاءالله/

الناظر الـمتـمعن بعين الموضوعية في تاريخ الجزائر وبالخصوص من جاهد عنها في سبيل الله وفداها بـمـاله ونفسه منذ احتلالها سنة 1830م من مقاومات شعبية إلى الـمكابدة والنضال السياسي في بداية القرن العشرين إلى تأسيس الجمعية في 1931م ووصولا إلى الثورة التحريرية الخالدة ونيل الاستقلال، إلاّ وهو طالب وتلميذ في كتاتيب وزوايا الحَـضر والريف و مَغارات الجبال، فهم خريّجو تلك الـمعاهد الربّانية التي عُـجنت أنفاسهم وأرواحهم وقلوبهم بـحُبّ الدّين والعِرض والوطن.
ومن أهم ركائر وغايات «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» منذ تأسيسها إلى اليوم ومستقبلا بإذن الله، الاهتمام بالقرآن وأهله حفظا ومتابعة وتنفيذا لأحكامه، لحماية بيضة الأمّة ومُرافقة الأجيال وصَوْنها من الانـحراف و الانـجرار وراء الأفكار الهَدّامة الـمُمَيِّعة، تحقيقا لعبودية الله الـمأمورين بها ديانة لله وحده وتـحقيقا لسعادة الدارين.

 
وسيرا على ذاك الـمنهج العتيد إخوانكم في أولاد جلال، أسّسُوا صرحا عظيما بـمساعدة الـمحسنين الواعين بأهمية دورهم، يجمع شمل طلاّب العِلم الشغوفين بحفظ القرآن الكريم وحُسن تلاوته، ومعلمين مُربّين أنفقوا وقتهم وجُهدهم لأجل ذلك وأولياء متعاونين مغتنمين فرصة لا تُعوّض للاعتناء والاهتمام بفلذات أكبادهم، فاجتمعت الإرادات وكان هذا الصرح الذي بين أيدينا بتوفيق من الله وحده.
أولاد جلال ولاية جديدة أُنْشِئت سنة 2019م، وكانت قبل ذلك تابعة لولاية بسكرة والتي تبعد عنها بحوالي 100كم غربا، تقع في الزاب(1) الغربي(2) يحدّها شرقا ولاية بسكرة، وجنوبا ولايتا المغير وتقرت، وغربا ولاية الجلفة وشمالا ولاية المسيلة، تبلغ مساحتها (11298كلم مربع) وتِعداد سُكانها أكثر من (240 ألف نسمة)، وبلدياتها: (مركز الولاية، الدوسن، سيدي خالد، الشعيبة، البسباس، رأس الميعاد)، فهي منطقة فلاحية ذات مساحات شاسعة واعدة لم تستغل بعد، قطعة من الجزائر الـمتنوعة ذات تاريخ عريق بـمكوناتها الـمتعددة الـمتجانسة والـمتعايشة والحمدلله، ذات نِتاج ثقافي وفكري ثري ومتميز من خلال الحِراك الـمشهود الفردي والاجتماعي والـمناسباتي منذ سنين، هي محطة تاريخية منذ قرون باعتبارها نقطة من طريق تجمّع والتقاء حـُجّـاج الغرب الإسلامي ثم ورجلان(ورقلة حاليا) مرورا بمنطقة السودان(3) الغربي وصولا إلى مكة والمدينة شرفهما الله. وتتميز بـمساجدها الكثيرة وجامعتها العتيقة «الزاوية المختارية»(4)، وللمدينة أعلام منهم الشيوخ: بوزيد بن عبد القادر اسماتي المصري (1915-2012)، محمد العابد اسماتي (1890-1967)، نعيم النعيمي(1909-1973)، أحمد بسطامي (1890-1980)، لخضر تتاي (1921-2003)، عبد الحميد بن محمد تتاي (1926-2004)، محمد الصغير المختار بومدين (1925-1996)، حمّة قدور زهانة (1909-2009) … ؛ ومجاهدون في الثورة التحريرية أشهرهم القائد زيان عاشور (1919-1956)، محمد بن يحي دهان (1915-1958)،…، رحمهم الله جميعا وأسكنهم الفردوس الأعلى صُحبة المصطفى صلى الله عليه وسلم والصحب الكرام والشهداء والصالحين.
تأسّست مدرسة أم القرى للقرآن الكريم في أوّل الأمر بعدد قليل من الأقسام في -حي409- مقابل متوسطة أبي ذر الغفاري في سبتمر2014م، وبعد سعي حثيث للتوسّع ومساعدة الـمُحسنين تمّ التحوّل للمقر الحالي في سبتمبر 2018م (حي19 مارس) حوالي -2كم- عن مركز المدينة، مساحتها(210متر مربع) مبنية من طابقين أحدهما أرضي وآخر أول وسطح مهيأ لها واجهة واحدة، وُهبت بعقد رسمي-2022م- من أحد الـمحسنين جزاه الله خيرا وجعلها في ميزان حسناته وأضيف لها اسم ابنه الشاب الذي توفي في حادث رحمه الله (محمد كمال مصطفى لصطب)، تحتوي على ستّ (06)حجرات للدراسة وجناحين(02) صحيين أحدهمـا للإناث والآخر للذكور، وفي المدخل جناح إداري للاستقبال وبه مكتب به الـملفات والوثائق ومديرها المتفرغ لها الأستاذ الفاضل» لخضر قويدري- نور الدين-»، وهناك جناح إداري للأساتذة بالطابق الأول، مزودة بالتكييف صيفا، والتدفئة شتاءً، وهناك مشروع مكتبة سيُنجز قريبا، وهيئة التدريس والتحفيظ تتكون من ست(06) معلمين وخمس(05) مساعدين ذكور و(05) معلمات، وإداريين اثنين وعامل نظافة.
عدد الأفواج الدراسية: بلغ (31فوجا) بتعداد متفاوت لكل فوج، العدد الإجمالي (سبعمائة 700) طالب وبعدد متقارب من الجنسين، ويضم مراحل الابتدائي والمتوسط والثانوي بالإضافة لفوج خاص لربّات البيوت والجامعيات.
نظام الدراسة: طلبة المتوسط والثانوي – ذكور- توقيتهم من 18 إلى 20 ليلا ثلاث مرات في الأسبوع من السبت إلى الخميس، كل معلم يدرس ساعتين يوميا لثلاث أيام من الأسبوع.
أما الإبتدائي ذكورا و إناثا وبنات المتوسط والثانوي فأيام التدريس (الجمعة والسبت صباحا للذكور والإناث مساءً)، وهناك برنامج خاص للعطلة الصيفية، كمـا تتعطل الدراسة أثناء الامتحانات الفصلية والرسمية المدرسية.

طريقة التدريس بالمدرسة: توزيع مستويات الحفظ على خمس سنوات، بالإضافة إلى المتون العلمية المقررة خلال الدوام والعطل.


والتحفيظ في الحصص الأسبوعية المبرمجة يكون من الـمصحف بمتابعة المعلم المشرف وتكون المراجعة بين يديه من طرف الطالب ويسهر على متابعته من حيث الأداء والأحكام ونُصحه وتشجيعه ومراقبته على التكملة في المنزل.
المتابعة والتصويب: هناك دفتر باسم كل طالب مسؤول عنه الـمعلم الـمربي الـمحفّظ للمتابعة التفصيلية، بالإضافة إلى تقديم تقرير شهري عن كل الطلبة بالفوج به الجوانب السلبية والإيجابية وملاحظات حول مسيرة الـمتعلم.
طريقة التقييم لحفظ القرآن الكريم والانتقال من مستوى إلى الأعلى، يكون بعد اجتياز الامتحان، فكل طالب يُتم محفوظه من مستواه ومعلمه يبلّغ إدارة المدرسة ليتكفل معلمان آخران بامتحانه أحدهما للحزب الأول والثاني للثاني (من الجزء)، تملأ استمارة بها جميع الجوانب من طرف المعلمين المشرفين على الامتحان(تقييم الحفظ- تقييم الأحكام – العلامة – الملاحظات-…) وتُـحفظ في ملفه، ولابد للطالب من الحصول على العلامة عشرة من عشرين(10/20) لكي ينتقل، وفي حالة عدم الحصول على هذه العلامة يُكلّف معلم ثالث ليستدرك مع هذا الطالب مدةً لإصلاحه وتقويته حتى يتحسّن حفظه، وعند الانتقال يكرّم رمزيا الطالب المجاز كبقية زملائه المنتقلين.
وهناك نشاطات تكميلية ترفيهية كالمخيمات الصيفية كانت في (بومرداس – جيجل – مستغانم-) دامت من أسبوع إلى أسبوعين، دون نسيان برنامج مميز لحفظ القرآن الكريم، وأجريت دورة في الحفظ المكثّف لتبادل التجارب بـ «عين تاجموت -ولاية الأغواط- عند الأستاذ المعروف -بلقاسم كيرد-»، كما أنجزت مخيمات ربيعية وخرجات ترفيهية ليوم واحد، بل شارك أبناء المدرسة في الـمسابقات الخارجية التي تُـجريها الهيئات الخارجية المختلفة، تم تحفيظ وإجازة أربعين حافظا لكتاب الله حفظا متقنا بالأحكام منذ افتتاح المدرسة، والآن العديد من الطلبة قريبون من الختم بإذن الله.
للمدرسة فرع بالحي الغربي من المدينة يحوي فوجين دراسيين وفي عطلة الصيف يصل إلى أربعة أفواج وهو خاص بالنساء فقط.
زُرت المدرسة لأجل لقاء الأحبّة وأقف بنفسي على أحوالها فوجدتها والحمدلله خلايا نحل لا تتوقف الحركة بها، بل تفتح أبوابها في هذه الأيام بعد الانتهاء من الامتحانات الرسمية وبداية العطلة الصيفية على الساعة الخامسة صباحا(05)، وتجد في استقبال الطلبة المسيّر(الأستاذ نورالدين) والأخ الشاب النشط المداوم(عبدالله قرار) وهم يتعاملون مع الداخلين والخارجين من الطلبة والطالبات بعد انتهاء الحصص وكذا وضع هاتف نقّال للاتصال بالأولياء، وشاهدت معاملة تليق بأهل القرآن الكريم، بل توزيع لمجة على الطلبة وخاصة الصغار، كما لاحظت توافد الأولياء لتسجيل أبنائهم، وأثناء حواري مع الأخوين المدير والمداوم بمكتب الاستقبال انتبهت لوجود شاشة كبيرة مرتبطة بعدد من الكاميرات جامعة لكل زوايا وأروقة وأبواب حجرات المدرسة، وسِجّلا للحُضور ومُستندات وقوائم على الحاسوب تُنْبؤك بالإحصائيات في كل حين وأثناء نقاشي ظهر بأنّها محيّنة ومنظمة ومؤرشفة، وظهر لي على الشاشة كشوف للطلبة عليها المعلومات والمتابعة ونقاط الطالب المتحصل عليه في الامتحان.
الحمدلله وقفت على نموذج رائع ومتميز به ما يتمنّاه كل مؤمن برسالة تعليم القرآن الكريم وما تهدف له «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» من المساهمة في بناء المواطن الصالح الذي يبتعد عن الانحرافات ويتمسك ويتربى على دينه والحفاظ على هويته المبنية على حفظ القرآن الكريم وتطبيقه في حياته الشخصية والاجتماعية من خلال تمثّله في سكناته وحركاته متبعا ومقتديا بما وصفت به عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حينما سُئلت عن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت:» كان خُلقه القرآن»(5)، نعم من كان مستثمرا في أمن البلاد والعباد وعِصمتها من العمالة وبيع الأوطان فما عليه إلاّ بالمساهمة في مثل هذه الصروح ومساعدتها أو على الأقل الدعاء لها وعدم تشويهها كما يفعل المثبطون هداهم الله.
وصيتنا عهد اتخذه «علماء الجمعية» في كتاباتهم وطبّقوه عمليا من خلال مواقفهم و سلوكهم رحمهم الله ونجحوا فيه نجاحا باهرا عنوانها آية بيّنة من كتابه الكريم، قال عزّ وجل: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [سورة هود88].

أسماء الأساتذة المعلمون الـمربّون جزاهم الله خيرا:
1- نعيمة كشكار
2- نعيمة عباسي
3- مليكة عزوز
4- فطيمة بن ريالة
5- قرينات العمرة
6- وليد بوبكر
7- الطاهر عوينة
8- عبد العزيز حمادة
9- خالد هياق
10- بلقاسم صوالح
11- كمال سلطان
المساعدون : ياسين قويدري – صلاح بوجملين – سالم هياق – أحمد ياسين ديقش.

 

الهوامش:
(1)- الزاب مفرد الزيبان، منطقة تقع في الشمال الشرقي للصحراء الجزائرية أسفل سفوح جبال الأطلس الصحراوي، وقد تمتد إلى الحضنة بالمسيلة حاليا، فهي كما وصفها ابن خلدون:» وطن كبير يشتمل على قرى متعددة متجاورة جمعا و كثيرة النخيل يُعرف كل واحد منها بالزاب وأولها زاب الدوسن و أولاد جلال و يسمّى – الزاب الغربي-»[ابن خلدون ص 585 ط2000].
(2)- حسب تصنيف الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله عندما صحّح وراسل الموسوعة البريطانية.
(3)- يقصد بالسودان الغربي تاريخيا تلك المناطق الصحراوية التي تقع جنوب شمال إفريقيا لتتصل بالسودان الشرقي (الحالي).
(4)- أسّسهاسنة1815م الشيخ الـمختار بن عبد الرحمـان الجلّالي (1784-1862) بأمر من شيخه محمد بن عزوز البرجي الطولقي(توفي1233ه/1818م).
(5)- حديث رواه مسلم في صحيحه.