بين حكمة الدولة ووعي المجتمع
بقلم: آلاء أسيل بوالانوار إن الحفاظ على الجزائر واجب وطني، يتطلب حكمة سياسية، وحنكة مجتمعية، وجرأة إصلاحية. وليس من الوطنية أن نرهن مستقبل الأجيال القادمة لمخططات مشبوهة أو شعارات عاطفية.” في زمن التحولات السياسية والاجتماعية العميقة التي تعرفها المنطقة المغاربية والعالم العربي عمومًا، تبرز الجزائر كبلد محوري تتقاطع فيه تحديات داخلية …

بقلم: آلاء أسيل بوالانوار
إن الحفاظ على الجزائر واجب وطني، يتطلب حكمة سياسية، وحنكة مجتمعية، وجرأة إصلاحية. وليس من الوطنية أن نرهن مستقبل الأجيال القادمة لمخططات مشبوهة أو شعارات عاطفية.”
في زمن التحولات السياسية والاجتماعية العميقة التي تعرفها المنطقة المغاربية والعالم العربي عمومًا، تبرز الجزائر كبلد محوري تتقاطع فيه تحديات داخلية مع ضغوط خارجية متنامية. وفي خضم هذا المشهد المعقد، يُطرح التساؤل المشروع: كيف نحافظ على الجزائر؟ وكيف نُحصِّن الدولة والمجتمع من منزلقات الفوضى ودوائر التبعية؟
إن الإجابة على هذا السؤال تستدعي فهمًا عقلانيًا للواقع، وتجاوزًا للشعارات العاطفية، واعتمادًا على مقاربة متوازنة تُراعي ثوابت الأمة ومصالحها الاستراتيجية.
أولًا: الحفاظ على الجزائر واجب وطني لا يحتمل التأجيل
إن الوطنية الحقّة لا تُقاس بالشعارات أو الهتافات، بل تُقاس بالفعل المسؤول والواعي الذي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. فالجزائر ليست مجرد جغرافيا، بل هي كيان سياسي وتاريخي ومجتمعي، حافظ عليه أجدادنا بدمائهم، وتحمّل الآباء تبعات بنائه وسط التحديات، وعلينا نحن أن نصونه لأجل الأجيال القادمة.
ومن هنا، فإن الحفاظ على الجزائر ليس خيارًا ظرفيًا، بل مسؤولية مستمرة، تُترجم عبر حماية الاستقرار، وتعزيز مؤسسات الدولة، ومواجهة كل ما يهدد وحدة المجتمع وسلمه الأهلي.
ثانيًا: الحكمة السياسية كصمام أمان
إن الحكمة السياسية ليست ترفًا نظريًا، بل هي أداة عملية لإدارة الأزمات، وتوجيه الطاقات نحو البناء بدل الهدم. وتقتضي هذه الحكمة:
الاستماع لصوت الشعب لا فقط من خلال الانتخابات، بل عبر فتح فضاءات التعبير والحوار المدني.
موازنة بين الإصلاح والاستقرار، فالإصلاح الجذري لا يعني الهدم الكامل، بل التغيير التدريجي الممنهج.
الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، لا سيما تلك التي انزلقت في مستنقع الفوضى باسم التغيير، فدُمرت الدولة وضاع المجتمع، كما حدث في سوريا وليبيا واليمن.
ثالثًا: الحنكة المجتمعية وبناء الوعي الجماعي
المجتمع الجزائري يتميز بتنوعه الثقافي والجغرافي، وهو ما يُعد مصدر ثراء لا تهديد، إذا ما أُحسن تدبيره. وهنا تبرز أهمية الحنكة المجتمعية:
في تحصين الشباب من الشعارات الشعبوية التي تغريهم بالخروج إلى الشارع دون فهم أعمق للمآلات.
وفي دعم مبادرات المجتمع المدني لتأطير الحراك الاجتماعي ضمن مسارات قانونية ومؤسساتية.
وكذلك في محاربة الإشاعات والأخبار المضللة التي تُبث عبر مواقع التواصل الاجتماعي لخدمة أجندات خارجية.
رابعًا: الجرأة الإصلاحية كمدخل للتجديد
الإصلاح الجريء لا يعني المساس بالثوابت، بل يعني:
مواجهة الفساد بكل أشكاله داخل المؤسسات، دون انتقائية أو مساومة.تجديد لعقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن، بما يعزز الثقة ويعيد الاعتبار للشرعية الشعبية.
تحقيق العدالة الاجتماعية، عبر سياسات اقتصادية منصفة، تكافح التفاوت وتضمن تكافؤ الفرص.
إصلاح المنظومة التربوية والإعلامية لتكون أداة بناء لا هدم، وأداة وعي لا تعبئة عاطفية فارغة.
خامسًا: بين الشعارات العاطفية والمخططات المشبوهة
لقد أثبتت التجارب أن التغيير الحقيقي لا يتم تحت تأثير الغضب وحده، ولا بخلفية خطاب شعبوي لا يحمل مشروعًا متكاملًا، بل عبر عمل هادئ ومتدرج يتطلب تضحيات وواقعية سياسية.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل أن بعض الدعوات “النضالية” تُوظَّف من قِبَل جهات لها مصالح في إضعاف الجزائر داخليًا أو عزلها خارجيًا، إما لحساب قوى دولية، أو لمخططات أيديولوجية لا تخدم الوطن ولا المواطن.
الجزائر وطن الشهداء، ووصية التاريخ، ومسؤولية الأجيال. والحفاظ عليها واجب يتطلب توازنًا دقيقًا بين الوعي والواقعية، بين الطموح الوطني والقدرة المؤسساتية، وبين الإرادة الشعبية والحكمة القيادية.
لن نُحافظ على الجزائر بالانفعال، بل بالعقل. ولن نرسم مستقبلها بالشعارات، بل بالمشاريع. وعلينا جميعًا، من مختلف المواقع، أن نُدرك أن الوطنية الحقيقية هي أن نُضحي من أجل الوطن، لا أن نُقامر به.