ذو الحجّة.. فطرة الخير ولُجاج الشرّ!

يومان، ويأفُل هلال شهر ذي القعدة المحرّم، ليبزغ بعده هلال ذي الحجّة رابع الأشهر الحرم وخاتم أشهر السّنة الهجرية، وأحبّ الشهور إلى عباد الله المؤمنين بعد شهر رمضان. وإذا كان الشهر الفضيل يقع فيه ركن الصيام، فإنّ شهر ذي الحجّة تقع فيه أعمال ركن الحجّ وتزدان فيه مكّة المكرّمة بمئات الآلاف، بل الملايين، من عباد […] The post ذو الحجّة.. فطرة الخير ولُجاج الشرّ! appeared first on الشروق أونلاين.

مايو 24, 2025 - 17:11
 0
ذو الحجّة.. فطرة الخير ولُجاج الشرّ!

يومان، ويأفُل هلال شهر ذي القعدة المحرّم، ليبزغ بعده هلال ذي الحجّة رابع الأشهر الحرم وخاتم أشهر السّنة الهجرية، وأحبّ الشهور إلى عباد الله المؤمنين بعد شهر رمضان.

وإذا كان الشهر الفضيل يقع فيه ركن الصيام، فإنّ شهر ذي الحجّة تقع فيه أعمال ركن الحجّ وتزدان فيه مكّة المكرّمة بمئات الآلاف، بل الملايين، من عباد الله المسلمين الذين جاؤوا من كلّ فجّ عميق ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات، ويُظهروا له غاية الذلّ والفقر، ويجدّدوا العهد مع مولاهم ويتذكّروا العهد الذي أخذه منهم وهم في عالم الذرّ، في عرفة، حين قال سبحانه: ألست بربّكم؟ فقالوا: بلى، شهدنا.
ذو الحجّة هو شهر تجديد الميثاق والعهد، شهر العودة إلى فطرة الخير التي فطرت عليها النفوس حينما كانت بيضاء نقية، لا تعرف غير خالقها وبارئها إلها ومعبودا. ولذلك حينما يجتمع المسلمون قريبا من عرفات، المكان الذي شهدوا فيه أنّ الله هو ربّهم وخالقهم، فهم يصدعون بالتلبية قائلين: “لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك”.
نفوس البشر -في أصلها- طاهرة نقية، متعلّقة بخالقها تحبّه وتهفو شوقا إلى لقائه، ولكنّهم مَن يخرجها عن فطرتها ويدسّيها بالغفلة والمعاصي، فتنسى الميثاق الذي أخذ عليها، وترتكسُ إلى الأرض، وتتّخذ الدّنيا إلها مع الله، والمال والشهوات معبودات معه جلّ في علاه.
فما أحرانا أن نتذكّر هذه الحقيقة ونحن نستقبل شهر ذي الحجّة! وينظرَ كلّ واحد منّا في نفسه، إن كانت لا تزال على فطرة الخير، أم إنّها قد أصبحت نفسا دنيوية دونية تعشق الدّنيا ولا تذكر الآخرة إلا قليلا.. ما أحرانا أن نجلس مع أنفسنا في هذا الشّهر لنحاسبها ونعاتبها ونأخذ بتلابيبها لنجبرها على العودة إلى فطرتها، فتتخلّص من التعلّق بالدنيا الفانية وتقبل على التعلّق بالآخرة الباقية، وتتطهّر من الحقد والبغضاء لعباد الله المسلمين وتحبّ الخير لعباد الله المؤمنين!
معنًى عظيم وجليل تحمله أشهر الحجّ ومناسكه، وتحمله تلك البقاع الطاهرة، التي يفترض أن تبقى نقية طاهرة، تذكّر المسلمين بحقيقة دينهم، وتعطي النّموذج الأسمى للإسلام.. تلك البقاع يفترض أن تعطي أنصع صورة وأبهاها للعالمين، يراها كلّ من يريد أن يعرف الإسلام، ويعجب بها كلّ منصف يتطلّع لمعرفة حقيقة هذا الدّين.
هذا هو المفترض، لكنّ الأمّة بدأت تفجع في السّنوات الأخيرة بمن يزحف بـ”الترفيه” نحو تلك البقاع الطّاهرة، ويريد تحويل رسالتها من تذكير المسلمين بعهدهم وميثاقهم ودينهم، إلى إلهائهم عن دينهم وأمّتهم وقضاياهم.. وقد رأينا كيف أنّ فئاما من النّاس لم يرعوا خصوصية شهري شوال الخير وذي القعدة المحرّم، الشهرين الأولين للحجّ، ولا حرمة جدّة بوابة الحرم، كما لم يرعوا ما يقع على المسلمين في أرض فلسطين من بلايا وأهوال، وأبوا إلا أن ينافسوا وفود الحجّ والتلبية بوفود الرّقص والتمايل!
إذا كان هناك في هذا العالم من تغيظه صور ملايين الحجيج المتزاحمين في تلك البقاع الطّاهرة، لأنّه يرى من خلالها كابوس انبعاث الوحدة الإسلامية الذي يؤرّق المحتلّين، فهذه مشكلته التي ينبغي أن يجد لها حلا، وليس واجبا على المسلمين أن يرعوا مشاعر الحانقين، ويجاملوا من يبغونها عوجا. ومن كانت نفسه توّاقة إلى الشّهوات فليبحث عنها في مظانّها ولا يسعَ في إشاعتها بين المؤمنين.
قديما كان الاستعمار الغربيّ يدعم ما يسمّيه “السياحة الدينيّة” في صورة زردات ووعدات وزيارات سنوية تقام عند الأضرحة والمزارات، لتكون ندا ومنافسا للحجّ، وها هو الآن يحرّض على سياحة أخرى يراد لها أن تنافس الحجّ في أرضه! ولذلك فالقضية أخطر من وصفها بـ”انفتاح” ترعاه هيئة، إنّما هو مشروع متكامل الأركان، بهدف واضح يخطّط لبلوغه في أجل لا يتعدى 5 سنوات قادمة! والله من ورائهم محيط.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post ذو الحجّة.. فطرة الخير ولُجاج الشرّ! appeared first on الشروق أونلاين.