عقل الدولة الاستراتيجي.. ومستقبل الجزائر للتنمية والإصلاح
لم يعد خافيا أن مسار التقدم وتحقيق التطور لم يكن مجرد اجتهادات فردية معزولة أو مساع بسيطة عفوية، بل هو ثمرة تخطيط محكم، ورؤية إستراتيجية يقودها عقل وطني جماعي، مدعوم بمؤسسات فعالة ومترابطة تقيّم وتقوّم، تحدّث وتعزّز الأداء وفق ما تفرضه التحولات والمتغيرات الإقليمية والدولية. كل أمة نجحت في الانتقال من الهامش إلى الصدارة، إنما […] The post عقل الدولة الاستراتيجي.. ومستقبل الجزائر للتنمية والإصلاح appeared first on الشروق أونلاين.


لم يعد خافيا أن مسار التقدم وتحقيق التطور لم يكن مجرد اجتهادات فردية معزولة أو مساع بسيطة عفوية، بل هو ثمرة تخطيط محكم، ورؤية إستراتيجية يقودها عقل وطني جماعي، مدعوم بمؤسسات فعالة ومترابطة تقيّم وتقوّم، تحدّث وتعزّز الأداء وفق ما تفرضه التحولات والمتغيرات الإقليمية والدولية.
كل أمة نجحت في الانتقال من الهامش إلى الصدارة، إنما فعلت ذلك بفضل مشروع وطني واضح، وشعب ونخب تملك الرؤية والوعي التاريخي بضرورة التحوّل، كما حدث في التجربة اليابانية والألمانية التي تحدَّث عنها المفكر الكبير مالك بن نبي بأنها كانت تملك “عالم الأفكار” وذلك لم يمنعها بعد دمار الحرب ببناء “عالم الأشياء” من “عالم الأفكار” الذي لا ينضب، أو التجربة الصينية مع “دنغ شياو بينغ” الذي اسلهم نهضة بكين من جزيرة سنغافورة التي كانت معدومة الموارد، ضمن مسار “الإصلاح والانفتاح، أو في ملحمة التحول السنغافوري ذاتها بقيادة “لي كوان يو” من دولة نامية إلى نموذج عالمي في التنمية.
لقد أردت تناول هذا الموضوع اليوم، والجزائر تواجه تحديات جسيمة وتبدي إرادة سياسية واضحة للتحول الاستراتيجي، لكنها مع ذلك لم تنجح منذ عقود في تحقيق التحوّل الفعلي من نموذج الدولة الريعية إلى الدولة التنموية، لهذا فإنه من الضروري -بل من العاجل- تأكيد أهمية وجود عقل استراتيجي مؤسسي يعمل على التحليل والتخطيط والتقييم، ويقود التحول الوطني الشامل باجتهادات أفضل العقول الجزائرية، داخل الوطن وخارجه، وهو العقل الذي يجب أن يُترجم إلى مؤسسات تفكير وتحليل وتخطيط، مركزية ولا مركزية، تؤدّي دورا محوريا في توجيه التخطيط والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما، برؤى واقعية، وبدائل مبتكرة، وخطط تتماشى مع السياقات المحلية وتواكب الديناميكيات العالمية المتسارعة، حتى تصبح الجزائر في موقع متقدّم وسط عالم يعيد تشكيل موازينه باستمرار.
الدولة المفكِّرة
في أغلب دول العالم، توجد خطط للإصلاح أو التنمية، لكن في بعض الدول لا يمكن لهذه الخطط أن تُرى إلا كوصفة طبيب لم يفهم مريضه بما يكفي، أو لم يتقن بعد فنّ العلاج الذي يستأصل جذور أمراض التخلّف، وربما يرجع ذلك إلى خلل أعمق يتمثل في نقص فادح وفاضح في الرؤية أو غياب الفهم الواعي لمعادلة بالغة التعقيد هي فن قيادة الدولة وصناعة السياسات المتقدمة وتنفيذها بالشكل الأمثل أو وضع الخيارات الإستراتيجية الحاسمة.
وهنا أشار المهندس الفلاحي والمفكر الفرنسي ريني دومون، صاحب كتاب “إفريقيا والبدايات الخاطئة”، الذي كتبه في عام 1966 إلى هذه الإشكالية بدقة، حين حلّل كيف أن كثيرا من بلدان الجنوب -وفي مقدمتها دول إفريقيا- دخلت مرحلة ما بعد الاستعمار من دون مشروع وطني ناضج، ولا تصوُّر استراتيجي متكامل، بل بخرائط مؤسسات موروثة، وذهنيات إدارية مأزومة، وتعليم تقني مفكَّك بلغة غريبة عن روح المجتمع أو منطق العصر (لغته الإنجليزية)، وفكر سياسي لم يتجاوز منطق اللحظة والانفعال.
وما زاد الأمر تعقيدا هو افتقاد هذه الدول إلى منظومات تفكير وتخطيط مؤسسية تتمتع بالكفاءة، والقدرة على بلورة رؤى مستقبلية عابرة للدوائر الوزارية والفترات السياسية؛ أي إلى ما يُعرف في الأدبيات الحديثة بالدولة المفكّرة “Think Tank State” ذات المشروع المستدام العابر للرؤساء والمراحل السياسية، وهي الدولة التي لا تكتفي بإدارة الشأن العامّ بشكل روتيني أو انفعالي، بل تؤسس لنفسها بُنى تفكير مؤسسية وأدوات تقييم وتخطيط تجمع البيانات والسياسات وتُخضعها للتحليل العميق لترتد بعد ذلك إلى حلول على الأرض وخيارات للإصلاح والتطوير مع تحليل الاتجاهات، واستشراف المستقبل، وبلورة البدائل الإستراتيجية.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post عقل الدولة الاستراتيجي.. ومستقبل الجزائر للتنمية والإصلاح appeared first on الشروق أونلاين.