العالم يكشف عن وجهه الحقيقي اليوم..

لم يسبق أن عرف النّاس العالم على حقيقته كما أصبحوا يعرفونه اليوم.. كانت القوة تحكم بشكل خفي، فأصبحت علنا يتباهى أصحابها بها، كانت النظرة الاحتقارية والدونية للضعفاء مموّهة بمساحيق المنظمات الأممية والاعتراف بحق الآخرين في الوجود، فإذا بها تتحوّل اليوم إلى سلوك مباشر تتناقله وسائل الإعلام عبر البث الحي ولا تخفي شيئا على أحد. كان […] The post العالم يكشف عن وجهه الحقيقي اليوم.. appeared first on الشروق أونلاين.

يوليو 12, 2025 - 20:01
 0
العالم يكشف عن وجهه الحقيقي اليوم..

لم يسبق أن عرف النّاس العالم على حقيقته كما أصبحوا يعرفونه اليوم.. كانت القوة تحكم بشكل خفي، فأصبحت علنا يتباهى أصحابها بها، كانت النظرة الاحتقارية والدونية للضعفاء مموّهة بمساحيق المنظمات الأممية والاعتراف بحق الآخرين في الوجود، فإذا بها تتحوّل اليوم إلى سلوك مباشر تتناقله وسائل الإعلام عبر البث الحي ولا تخفي شيئا على أحد.

كان الوقوف إلى جانب الظالم يغلَّف بأغطية من حرير لا تكشف عن عنصريته وانحيازه اللاّأخلاقي، فإذا به يتحوّل اليوم إلى مواقف علنية يتباهى بها الظَّلمة فيما بينهم! كانت الحكومات تتعامل مع الأجانب بشيء من العنصرية الخفية واللاقانون غير المعلن، فإذا بها اليوم لا تتردّد في إعلان رفضها العلني للأجانب وطردها لمن تغرب من دون مراعاة لا للأعراف ولا القوانين ولا التقاليد ولا القيم التي تسمّيها هي إنسانية…
لم يوجد قبل اليوم رئيس دولة، مهما كانت قوة دولته، يعلن جهارا نهارا أنه يريد ضم إقليم دولة أخرى له وهي بعيدة بآلاف الكيلومترات عنه أو جارة تتقاسم معه الحدود، ولا وجد رئيس دولة قام بتأييد إبادة شعب بكامله إن هو لم يرض بالتهجير القسري من أرضه من دون الخوف من التعرض لأي حساب أو عقاب.. لم يوجد قبل اليوم من يشن عدوانا على دولة أخرى فقط لأنه يتوهم أنها ستشكّل خطرا عليه ذات يوم وعندما تدافع هذه الدولة على نفسها، تتّهم بدعم الإرهاب وتوصف بالمعتدية مقابل وصف المعتدي بالمدافع عن النفس! لم يوجد قبل اليوم من يمنع على دولة ذات سيادة امتلاك سلاح تدافع به عن نفسها، بل ويسبق إلى تحطيمه لكي تخضع وتذعن وتقبل بشروط الاعتراف به من دون أن يكون لها حتى حق الحياد أو الامتناع في الدخول في علاقة. لم يوجد قبل اليوم رئيس دولة يعلن صراحة أن باستطاعة قواته قتل زعيم لدولة أخرى لكنه لم يفعل، مستدركا أنه يستطيع فعل ذلك متى شاء…
لم يوجد قبل اليوم من لا يكتفي بالامتناع عن نصرة أخيه المظلوم ولو بالكلمة، وهو يراه يظلم ويقهر، بل يقف إلى جانب جلاّده يوفّر له المال والدعم اللاّزمين لكي يستمر في ظلمه وغيّه وطغيانه! وفوق ذلك هو سعيد بذلك! لم يوجد قبل اليوم مثل هذا العالم الفظيع الذي لا يكتفي بالعدوان على بعضه البعض – كما كان يحدث في العصور الغابرة – بل ويفتخر بذلك ويصوّره وينشره على أوسع نطاق…
لقد حدثت بشاعات فيما مضى من التاريخ وكان هناك ظلم واستعباد وقهر وتهجير واحتلال لأراضي الغير، وظنّ العالم أن تلك حقبة قد ولّت، فإذا بها لا تكتفي بالعودة، بل يتم كل يوم تصوير مشاهدها المرعبة وتوزيعها على أوسع نطاق، ليخاف من يخاف ويعتبر من يعتبر، وكأنها رسالة لمن بقي في مأمن – لحد الآن ـ من هذا العالم المخيف: إننا قادمون…
هكذا، يبدو الوجه الحقيقي لعالم اليوم، إخافة من لا يخاف، وظلم من لا يستطيع الدفاع عن نفسه، واحتقار من خانته إمكاناته وقوته، وتصوير ذلك وبثّه على نطاق واسع… لم يكن هذا يحدث قبل ربع قرن من الآن، كانت الجريمة تتم في الخفاء، وكان المجرم ينكر فعلته في الكثير من الأحيان، أو لا يطلع الناس عليها… أما اليوم، فإنك تظلم ويعتدى عليك وتحتقر وتهدّد ويتم التعامل معك بأبشع الوسائل، وفوق ذلك، يتم تصويرك ليجعلوا من هزيمتك موضوع تسلية أو تكون أنت بالذات عبرة للآخرين…
لذلك، لم يبق أمام من مازال يسعى للحفاظ على سلامته وكرامته وحريته وكبريائه سوى أن يستعد ويأخذ كافة احتياطاته قبل فوات الأوان، ومن استبق الخطر تجنّبه.. وتلك مساحة الأمل الباقية…

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post العالم يكشف عن وجهه الحقيقي اليوم.. appeared first on الشروق أونلاين.