غار جبيلات.. الوجه الآخر لاقتصاد النزعة الوطنية
من المنجزات الاستراتيجية التي ستفتح آفاقا واسعة للاقتصاد الجزائري هو القرار الوطني بالاستثمار في منجم غار جبيلات، بعد أن ظل عقودا طويلة ثروة نائمة في غرب البلاد، مع أنه يختزن ثالث أكبر احتياطي عالمي من خامّ الحديد بقيمة 3.5 مليارات طنّ، حسب الأرقام الرسمية. وتشير تقديرات الخبراء إلى أنّ ما بات يُعرف بـ”مشروع القرن” في […] The post غار جبيلات.. الوجه الآخر لاقتصاد النزعة الوطنية appeared first on الشروق أونلاين.


من المنجزات الاستراتيجية التي ستفتح آفاقا واسعة للاقتصاد الجزائري هو القرار الوطني بالاستثمار في منجم غار جبيلات، بعد أن ظل عقودا طويلة ثروة نائمة في غرب البلاد، مع أنه يختزن ثالث أكبر احتياطي عالمي من خامّ الحديد بقيمة 3.5 مليارات طنّ، حسب الأرقام الرسمية.
وتشير تقديرات الخبراء إلى أنّ ما بات يُعرف بـ”مشروع القرن” في الجزائر، بالنظر إلى إمكاناته الاقتصادية الهائلة، سيكون قادرًا في وقت لاحق على ضخّ نحو 15 مليار دولار سنويّا من صادرات الحديد، أي ما يعادل 20 بالمائة من قيمة صادرات المحروقات حاليًّا، ومن ثمّة القفز بالصادرات الوطنية خارج المحروقات إلى عتبة 30 مليار دولار في غضون السنوات القليلة المقبلة، وتحويل الجزائر من بلد مستورد إلى مصدر عالمي لمادة الحديد.
يضاف إلى ذلك، فتح ورشات منجمية أخرى هائلة، للاستثمار في استخراج واستغلال ثروات طبيعية ومعادن ثمينة، على غرار الفوسفات والذهب والزنك والرّصاص.
وفي جانب آخر، بلغ عدد المشاريع المرتبطة بالأجانب، سواء كاستثمارات أجنبية مباشرة أو بالشراكة، 270 مشروع مسجَّلة لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، بقيمة 9 مليار دولار، مقابل تسجيل إجمالي 15508 مشروع بما يقارب 51 مليار دولار، وهو مؤشر واضح على حالة الديناميكية الاقتصادية للبلاد.
لم تنتج تلك المكاسب الاقتصادية الجوهرية من فراغ في واقع الأمر، خاصة أنها جاءت متزامنة مع تحسّن عدة مؤشرات وتقدّم ترتيب بلادنا إقليميّا ودوليّا في مستويات الدخل الإجمالي الوطني والفردي، بل كان ضمن أحد العوامل الأساسية، نتيجة تلقائيّة لسياسة اقتصاديّة قائمة على النزعة الوطنيّة.
بمعنى أوضح أنّ الرئيس عبد المجيد تبون جعل من رفع الإنتاج الوطني في كافة القطاعات أولوية جادة على أجندة العمل الحكومي وتابع مهمة الجهاز التنفيذي بشكل يومي عبر التعليمات الإجرائية، مقابل التقليص إلى أقصى حدّ من الاستيراد العشوائي، حفاظا على موارد الدولة من العملة الصعبة من جهة، وتحفيزا للمتعاملين المحليين على تغطية السوق الوطني من جهة أخرى.
هذه السياسة كانت واضحة منذ إعداد البرنامج الانتخابي نهاية 2019، ثم برزت بقوة في رؤية رئيس الجمهورية وخطابه مع الأشهر الأولى لتقلده شؤون البلاد، إذ ظهر عازمًا، فعلاً وقولاً، على خوض معركة الأمن الغذائي على وجه الخصوص، مهما كلّفه الأمر في ظل مقاومة مراكز المصالح المنتفعة طيلة عقود من اقتصاد “البازار”.
لذلك انطلق الرئيس باكرا مع الوزارات المعنية في دفع الاستثمار الفلاحي نحو الشُّعب الزراعية الاستراتيجية المرتبطة بقوت الجزائريين، للتخلُّص من التبعية الغذائية وتقليص فاتورة الواردات المرهِقة للخزينة العمومية، وقد نجح حتى الآن في نقل الجزائر إلى ثاني أكبر المنتجين للقمح الصلب في إفريقيا بإنتاج إجمالي بلغ 7 ملايين طنّ.
كما وظف الرئيس تبون علاقات الجزائر القوية مع الإيطاليين والقطريين لاستقطاب استثمارات أجنبية في الصحراء الكبرى، ستسمح لبلادنا، موازاة مع الاستثمارات الوطنية، بتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب في غضون 2027، وفق تقديرات دقيقة لوزارة الفلاحة، وهذا ما يخفّف عن الخزينة العمومية واردات في حدود 2.7 مليار دولار سنويًّا.
وعندما نتحدث عن إنتاج القمح الصلب فهو يعني سلسلة طويلة من المنتجات الغذائية الأساسية، يعتمد عليها المواطنون في استهلاكهم اليومي، ما يجعل تأمينه محليّا، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية الدولية، من ركائز الأمن الغذائي.
ويأتي ذلك موازاة مع إصرار الرئيس على إنتاج زيت المائدة والسكّر محليّا عبر الاستثمار الزراعي في الجنوب، لرفع الاحتكار الممارَس منذ عقود ولتقليص فاتورة الواردات، وقد أوشكنا حاليّا على تحقيق الهدف المرسوم، بعدما كانت أطرافٌ كثيرة تعتبره غير ممكن بدواع غير موضوعيّة.
عندما نتحدّث عن سياسة الرئيس الوطنية في الاقتصاد، فإنّ الملف لا يخص فقط الزراعة بل الإنتاج المحلي عمومًا، إذ تحولت بلادنا في ظرف قياسي، بالنظر إلى ظروف الوباء الذي اجتاح العالم، من بلد مستورد إلى منتج ومصدّر لكثير من المنتجات، وعلى رأسها مواد البناء، حتى بلغت قيمة الصادرات الجزائرية خارج المحروقات 7 مليارات دولار بنهاية 2024، وفق الإحصاءات الرسمية.
بفضل تلك الإجراءات في ضبط الواردات، مقابل تحفيز الإنتاج الوطني، تمكنت الحكومة من تخفيض الاستيراد إلى 40 مليار دولار، مقابل 60 مليار دولار قبل 2020، وهو ما جنّب الدولة الجزائرية ذُلّ الاستدانة الأجنبية ورهْن قرارها الوطني، ليفتح أمامها المجال واسعًا للمناورة الخارجية واتخاذ مواقفها السيادية بكل أريحيّة.
بهذا الصدد، نحن نتكلم عن مكاسب جديدة ناجمة عن روح وطنية ونديّة جزائرية في إدارة الاقتصاد والإنتاج والتجارة، بعيدا عن موارد الريع النفطي المتعلقة برفع مداخيل الخزينة العمومية من العملة الصعبة وفارق الميزان التجاري ولا زيادة الإنفاق العمومي.
صحيح أن هذه السياسة قد تكون لها آثارها المؤقتة على التضخُّم، وإحساس المستهلك بغلاء المعيشة في بعض المنتجات، بفعل قاعدة العرض والطلب المختلّة، لكن الوضع يسير تلقائيًّا وبصفة سريعة نحو التجاوز الإيجابي، إذ سيؤدي تراكم الإنتاج والتنافسية المحليّة إلى توفير أكبر لكل السلع المطلوبة في السوق الوطنية.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post غار جبيلات.. الوجه الآخر لاقتصاد النزعة الوطنية appeared first on الشروق أونلاين.