في ذكراه الأولى الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك.. المسيرة والآثار
د. مسعود فلوسي/ في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر جوان من السنة الماضية (2024)، الموافق للثالث عشر من شهر ذي الحجة 1445هـ، فقدنا أخا عزيزا وزميلا فاضلا، جمعتنا به علاقة المودة والمحبة والتعاون على البر والتقوى، فقدناه وهو في ربيع العمر، بعد أن عانى مدة من مرض ألم بجسده فأنهكه وأضعف قواه وقلل من …

د. مسعود فلوسي/
في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر جوان من السنة الماضية (2024)، الموافق للثالث عشر من شهر ذي الحجة 1445هـ، فقدنا أخا عزيزا وزميلا فاضلا، جمعتنا به علاقة المودة والمحبة والتعاون على البر والتقوى، فقدناه وهو في ربيع العمر، بعد أن عانى مدة من مرض ألم بجسده فأنهكه وأضعف قواه وقلل من نشاطه، إنه الأخ والصديق والزميل الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك رحمه الله أستاذ الفقه والأصول بكلية العلوم الإسلامية في جامعة باتنة1.
إلمامة بمسيرة تكوينه
الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك رحمه الله من مواليد بلدية المريج بولاية تبسة، سنة 1970. التحق بالمدرسة الابتدائية في مسقط رأسه سنة 1976، وفي سنة 1982 نال شهادة التعليم الابتدائي، لينتقل بعدها إلى مدينة الونزة التي انتظم فيها بمتوسطة ابن سينا ودرس فيها أربع سنوات مستفيدا من النظام الداخلي، وقد تمكن خلال هذه المرحلة من حفظ القرآن الكريم حفظا متقنا. وفي سنة 1986 حاز شهادة التعليم المتوسط، ليصبح بعدها طالبا بثانوية مالك بن نبي في مدينة تبسة، حيث قضى ثلاث سنوات توجت بنيله شهادة البكالوريا شعبة الرياضيات سنة 1989.
سجل بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، التي درس فيها أربع سنوات وحصل منها على شهادة الليسانس في الفقه وأصوله، عام 1993. ثم شارك في مسابقة الالتحاق بالدراسات العليا بنفس الجامعة، وكان من بين الناجحين، وقد أثمر جده واجتهاده وعلو همته حصوله على شهادة الماجستير عام 1999. ثم سجل الدكتوراه في كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية بجامعة باتنة1، وحصل عليها سنة 2005.
تدرجه الوظيفي
بالتوازي مع دراسته في جامعة الأمير عبد القادر، انتسب إلى المعهد التكنولوجي لتكوين أساتذة التعليم الأساسي الطور الأول والثاني تخصص فيزياء، وبعد سنتين من التكوين تم توظيفه كأستاذ لمادة الفيزياء بالمرحلة المتوسطة في ولاية قسنطينة، وهو المنصب الذي ظل يشغله خلال تسع سنوات من سنة 1991 إلى سنة 2000.
وبعد حصوله على شهادة الماجستير، التحق بقسم العلوم الإسلامية في كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية بجامعة باتنة كأستاذ مساعد سنة 2000، ثم أصبح أستاذا محاضرا صنف (ب) بعد حصوله على الدكتوراه سنة 2005، وفي سنة 2008 أصبح أستاذا محاضرا صنف (أ). وبعد خمس سنوات، أي سنة 2013، تمت ترقيته إلى رتبة أستاذ التعليم العالي.
علاقتي به
كان الدكتور نجيب بالنسبة لي أخا عزيزا وزميلا فاضلا وصديقا كريما، جمعتني به علاقة الأخوة والمحبة في الله منذ التحاقه بهيئة التدريس في كليتنا سنة 2000م، أي مدة ربع قرن تقريبا.
خلال هذه المدة، ما عرفت عن الأخ نجيب إلا كل خير، فما رأيته يوما في موقف سوء، وما سمعت منه كلمة غير لائقة، وما أحسست منه يوما أنه يحمل ضغينة لأحد أو يضمر سوءا لزميل من الزملاء. بل لقد كان أخا للجميع، يعامل الجميع بأدب جم، ولا يتحدث إلا بالكلام الطيب، ولا يخاطب أحدا إلا بأعذب الألفاظ وأجمل العبارات. وإذا وجد نفسه في موقف محرج أو في مجلس لا يرضى ما يجري فيه، اكتفى بالصمت وعدم التعليق، ولم يخض مع الخائضين، وإذا وجد سبيلا للانسحاب فإنه ينسحب بهدوء.
وأنا شخصيا مدين له بما كان يأتيني به من كتب تنشرها جامعة الأمير عبد القادر، التي دأبتْ على إعداد كتاب جماعي كل سنة بمناسبة تخرج دفعة جديدة من طلابها، يضم بحوثا ومقالات يحررها أساتذة من الجامعة وغيرهم حول شخصية من الشخصيات الوطنية تسمى بها الدفعة، وقد شاركت في كتابين منها؛ أحدهما عن الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله، والثاني عن الأستاذ مولود قاسم نايت بلقاسم رحمه الله. وقد كنت حريصا على أن أحصل على أي كتاب تصدره الجامعة في نهاية السنة الدراسية، ولذلك كنت أكلف الأخ نجيب رحمه الله أن يطلب لي الكتاب، فكان لا يتردد في الاستجابة لطلبي، فيذهب إلى الجامعة ويطلب الكتاب ويأتيني به. وأنا متأكد أنه لولا حرص الأخ نجيب رحمه الله لما حصلت على هذه الكتب.
مناقشتي له في الدكتوراه
عندما قدَّمَ الأخ نجيب أطروحته للحصول على الدكتوراه إلى الهيئات العلمية في كليتنا، تم اختياري لعضوية لجنة المناقشة إلى جانب كل من رئيس اللجنة أستاذنا الشيخ الدكتور إسماعيل يحيى رضوان رحمه الله، والمشرف على الأطروحة الأستاذ الدكتور سعيد فكرة، والزملاء الأعضاء المناقشين الأساتذة صالح بوبشيش وكمال لدرع ومحمد بوركاب. وبعد تقديم كل الأساتذة لتقارير إيجابية عن الأطروحة تمت مناقشتها يوم الخميس 15 شوال 1426هـ، الموافق 17 نوفمبر 2005م. وفي أثناء المناقشة وعندما أحيلت لي الكلمة لإبداء ملاحظاتي على الأطروحة، ونظرا لصراحتي المعهودة ولِمَا بدا لي حينئذ من مآخذ على العمل المُقدَّم، شددت على الأخ نجيب نوعا ما في المناقشة وانتقدت بعض الجوانب في الأطروحة نقدا اعتبره البعض تحاملا مني عليه شخصيا، وتوقعوا أن تكون هذه المناقشة منطلق عداوة تنشأ بيني وبينه وتستمر إلى ما لا نهاية، لكن الذي حدث أننا بعد المناقشة هنأته بحرارة وتعانقنا وتبادلنا عبارات المودة والمحبة، ولم يكن لتلك المناقشة أي أثر في نفسه لأنه كان يعرف صدقي معه وإخلاصي في النصيحة له، بل إن علاقتنا قد ازدادت توطدا وتوثقا ولم تهتز يوما ولم تتوقف سوى بوفاته رحمه الله.
وأذكر بالمناسبة أنه بعد المناقشة، حوالي سنة 2006، عُقِدَ مؤتمر دولي حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بمدينة أم البواقي، حضره عدد من العلماء البارزين في هذا المجال منهم الأستاذ الدكتور زغلول راغب النجار والأستاذ الدكتور رفعت العوضي، وكلاهما من مصر، وحضرتُ أنا كواحد من الجمهور المهتم، وكان المنظمون للمؤتمر قد أسندوا للأخ نجيب مهمة التسيير العلمي لأشغاله، فلما رآني في القاعة دعاني على الملأ للصعود إلى المنصة وإدارة الجلسة الأساسية للمؤتمر والتي حاضر خلالها العالمان المذكوران، وعلى الرغم من تمنعي واعتذاري أصر على أن أتولى هذه المهمة من دون أن يستشير المنظمين إن كانوا يوافقون على ذلك أو لا. وقد دل ذلك الموقف منه على صفاء نفسه وشفافية روحه وسموّ أخلاقه رحمه الله.
جِده واجتهاده في العمل والبحث
عُرف الأخ الدكتور نجيب بجده واجتهاده في العمل وإفادة الطلبة بما فتح الله عليه من العلم، وخاصة في المادة التي تخصص فيها أكثر من غيرها، وهي مادة المواريث التي أتقنها ودرَّسَها سنوات طويلة، وعنه تلقاها آلاف الطلبة من الدفعات المتوالية التي تخرجت من الكلية.
وإلى جانب جده واجتهاده في التدريس، كان كذلك جادا في البحث؛ فكان حريصا على أن تكون له إسهاماته في المؤتمرات الدولية والملتقيات العلمية الوطنية والأيام الدراسية، وقد أثمر ذلك إنتاجا علميا أغلبه ذو طابع فقهي.
ويتمثل التراث العلمي الذي وقفت عليه لأخي الدكتور نجيب رحمه الله، في رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراه وأحد عشر بحثا، إضافة إلى مطبوعتين أعدهما للطلبة؛ إحداهما في علم المواريث، والثانية في تاريخ المذاهب الفقهية. وقد تكون له آثار أخرى لم أطلع عليها.
رسالتاه العلميتان
1- رسالة الماجستير: وعنوانها «الأمر ودلالته على الأحكام من خلال سورة البقرة». وقد أعدها تحت إشراف الأستاذ الدكتور نصر سلمان، وناقشها في جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة سنة 1998م، وقد بلغ عدد صفحاتها 333 صفحة. ولم يتسن لي الاطلاع على محتواها.
2- أطروحة الدكتوراه: وعنوانها «مسائل العدد في الفقه الإسلامي – دراسة مقارنة في الحكم والحكمة». وقد أعدها تحت إشراف الأستاذ الدكتور سعيد فكرة، ونوقشت بكلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية في جامعة باتنة، سنة 2005. بلغ عدد صفحاتها 566 صفحة، وقد تكونت من مقدمة، وفصل تمهيدي، وبابين احتوى كل منهما على ثلاثة فصول، وخاتمة.
أبحاثه العلمية
أنجز الأستاذ الدكتور نجيب عدة أبحاث علمية، بعضها كتبه للنشر في المجلات الأكاديمية، وبعضها أعده للمشاركة به في بعض المؤتمرات العلمية، وقد بلغ عدد الأبحاث التي تمكنت من الوقوف عليها أحد عشر بحثا، وقد تكون هناك أبحاث أخرى لم أتوصل إلى معرفتها والاطلاع عليها. وفيما يلي ذكر الأبحاث المتوفرة، حسب الترتيب الزمني لظهورها:
1- «ولوغ الكلب بين استنباطات الفقهاء واكتشافات الأطباء»، بحث من 47 صفحة، قدمه رفقة زوجته الدكتورة سلاف القيقط، في المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، المنعقد في دبي بالإمارات العربية المتحدة، في شهر مارس 2004م. ونشر ضمن أعمال المؤتمر.
2- «رُؤى من القرآن مبشرة بمستقبل الإسلام»، مقال منشور في مجلة الإحياء التي تصدرها كلية العلوم الإسلامية بجامعة باتنة، العدد 6، 1425هـ، 2004م، الصفحات: 513-526.
3- «الضوابط السليمة في اختيار الزوجة ومدى حصانتها»، بحث منشور في مجلة المعيار، الصادرة عن جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، العدد 9، 1425هـ، 2004م، الصفحات: 534-567.
4- «الإعجاز التشريعي من فريضة الزكاة وشروط أصناف أموالها ومقاديرها وأنصبتها والترابط الدقيق الحاصل بينها»، بحث قدمه رفقة زوجته الدكتورة سلاف القيقط في المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، المنعقد في الكويت ما بين 5 و8 ذو القعدة 1427هـ، الموافق ما بين 26 و29 نوفمبر 2006م. وصدر ضمن أعمال المؤتمر، الجزء الثالث، الصفحات: 157-190.
5- «الذمة المالية للزوجة في الفقه الإسلامي – دراسة مقارنة»، بحث منشور في مجلة المعيار الصادرة عن جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، العدد 13، جويلية 2006م، الصفحات: 9-33.
6- «القيم الحضارية في نظرة السنة النبوية للإعاقة البشرية»، بحث قدمه رفقة زوجته الدكتورة سلاف القيقط، إلى الندوة الدولية للحديث النبوي الشريف، المنعقدة في كلية الدراسات الإسلامية والعربي في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، من 4 إلى 7 ربيع الثاني 1428هـ، الموافق من 22 إلى 25 أبريل 2007م، ونشر ضمن أعمال الندوة، الجزء الثاني، الصفحات: 137-204.
7- «أخلاقيات وآداب السفر في نصوص السنة النبوية»، مقال منشور في مجلة المعيار، التي تصدرها جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، العدد 26، جوان 2011م، الصفحات: 283-310.
8- «من حِكَم التشريع لمسائل علم المواريث»، بحث قدمه بالاشتراك مع زوجته الدكتورة سلاف القيقط، في المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، الذي أُقيم باسطنبول من 6 إلى 9 ربيع الثاني 1432هـ، الموافق من 11 إلى 14 مارس 2011م، وصدر ضمن الأعمال الكاملة للمؤتمر، الجزء الثالث، الصفحات: 185-248.
9- «نماذج من السلوك الإداري السليم في آيات القرآن وأحاديث السنة»، مقال منشور في مجلة الآداب والعلوم الإنسانية، الصادرة عن جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، العدد 12، يناير 2013م، الصفحات: 264-289.
10- «الرد على شبهة التمييز في التفاضل بين ميراث الذكر والأنثى في قوله تعالى (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ)»، بحث قدمه إلى مؤتمر مكة الرابع عشر: حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية، المنظم من قبل رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، خلال موسم الحج، من 5 إلى 7 ذو الحجة 1434هـ، الموافق من 10 إلى 12 أكتوبر 2013م، ونشر ضمن أعمال المؤتمر، الجزء الأول، الصفحات: 309-356.
11- «أثر الدلالة اللغوية في تغير الفتوى من خلال الحديث النبوي – دلالة المنطوق والمفهوم أنموذجا»، بحث قدمه مع زوجته الدكتورة سلاف القيقط، في المؤتمر الدولي حول «الفتوى بين التأثير والتأثر بالمتغيرات»، المنعقد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفر 1437هـ، نوفمبر 2015م، ونشر ضمن أعمال الملتقى، الجزء السادس، الصفحات: 271-340.
مطبوعاته البيداغوجية
وقفت للزميل الراحل رحمه الله على مطبوعتين بيداغوجيتين، هما:
1- مذكرة في علم المواريث، أعدها لطلبة السنة الثالثة ليسانس، تخصص الفقه والأصول، وتقع في 212 صفحة. وقد ضمنها جملة الموضوعات التي تدرس عادة ضمن هذه المادة. وتميزت هذه المطبوعة بالشرح التفصيلي للمسائل، مع إيراد الأدلة، إضافة إلى التطبيقات والمسائل الجزئية الكثيرة التي توضح المسائل من الناحية العملية.
2- مذكرة في تاريخ المذاهب الفقهية، أعدها لطلبة الماستر بقسم الشريعة. وجاءت في 53 صفحة. تناول فيها بالعرض المفصل حياة كل إمام من الأئمة الأربعة، كما عرف بمذهب كل منهم والأصول التي يقوم عليها وانتشاره في مختلف البلاد الإسلامية.
في الختام، لا يسعني إلا الترحم على روح أخينا وزميلنا الحبيب الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك، في الذكرى الأولى لوفاته، سائلا الله العلي القدير أن يجمعنا به في جنات النعيم يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم.