وقفة مع حياة الشيخ الحفصي فرحات جدري أخ العلامة العربي التبسي من خلال شهادة العلاّمة أحمد حماني
أ. سمير زمال */ لا زال أهل العلم والفضل يُثني بعضهم على بعض ويعرّفون الأجيال بمنازل ومناقب رجال عايشوهم وأسهموا خلال مسيرتهم في نواحي الحياة بمختلف نواحيها ، ببيان مزاياهم الأخلاقية ومكتسباتهم العلمية والعملية . ومن ذلكم ما نقدمه لقراء البصائر الغرّاء في هاته العُجالة الموجزة المتمثلة في تزكية مكتوب من طرف الشيخ العالم أحمد …

أ. سمير زمال */
لا زال أهل العلم والفضل يُثني بعضهم على بعض ويعرّفون الأجيال بمنازل ومناقب رجال عايشوهم وأسهموا خلال مسيرتهم في نواحي الحياة بمختلف نواحيها ، ببيان مزاياهم الأخلاقية ومكتسباتهم العلمية والعملية .
ومن ذلكم ما نقدمه لقراء البصائر الغرّاء في هاته العُجالة الموجزة المتمثلة في تزكية مكتوب من طرف الشيخ العالم أحمد حماني أحد رجالات ورؤساء جمعية العلماء التاريخيين ،وكذا رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في زمانه ،الفقيه المفتي المالكي في حقّ الشيخ المصلح الحفصي جدري الأخ الأصغر للعلامة العربي التبسي ،ذكر فيها جملة من مقوماته ومؤهلاته وكذا خصاله، فكما قيل لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل.
الوثيقة عبارة عن تزكية رسمية صادرة عن المجلس الإسلامي الأعلى للجزائر، إحتفظت بها مع صورة خاصة بالشيخ الحفصي جدري لما تحمله من قيمة تاريخية تتضمن منزلة المُزكّى وبيان لمساره العلمي والنضالي الوطني ،ومن جهة أخرى تكشف حرص الشيخ حماني على نفع المسلمين وتعريفهم بمن هوأهل للإمامة والتصدّر في المجالس ،وهي طريقة سلفية إعتاد أهل العلم عليها ،فكما قيل «لولا الإسناد في الدين لقال من شاء ما شاء».
فيما تعلق بمولد الشيخ الحفصي فقد ذكر الدكتور أحمد عيساوي أنه من مواليد الشريعة مدينة تبسة بتاريخ 15_02_1910 مـ ، ويعد الأخ الأصغر غير الشقيق للشيخ العربي التبسي – أخوه من جهة أمه-، تربى في أسرة محافظة متدينة معادية للإدارة الإستعمارية.
تذكر الوثيقة بأن الشيخ الحفصي جدري، وقد ورد لقبه فيها فرحات ولعله الصحيح ،إذ من المعلوم أن العربي التبسي إعتمد لقب جدري في وثائقه الرسمية ليبتعد من مضايقات إدارة الإحتلال التي أدرجت عائلة فرحات في لائحة المغضوب عليهم نظرا للخطر الذي كان يمارسه أفرادها تجاه كل ما تعلق بفرنسا.
بعد تلقيه مبادئ العلوم في كُتّاب قريته ،رحل لطلب العلم فحفظ القرآن الكريم وأتقنه وكذا جملة من العلوم الدينية بالجريد (الجنوب التونسي) في مدينة نفطه التي انتقل اليها عام 1925مـ ،ليعود بعد ثلاث سنوات لمدينة تبسة ولزم الشيخ العربي التبسي رحمه الله لا يفارقه حيث تلقى على يديه دروسا في الفقه منها متن الرسالة وشرحها، وفي التفسير والحديث، وفى العربية قطر الندى وغير ذلك ، ولم يفارقه إلا حينما انتقل الشيخ العربي إلى مدينة الجزائر ..
ليؤكد الشيخ حماني أن الحفصي كان من المعلمين في مدرسة تهذيب البنين في سلك جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ تأسيسها 1934مـ إلى يوم اغلاقها من طرف المستدمر سنة 1957م .
شارك في صفوف الثورة التحريرية منذ أشهرها الأولى 1955م، وأسهم في دعمها بقلمه وخطابته، ثم انظم بعد غلق مدارس الجمعية لأجهزة الثورة المختلفة على غرار بقية منتسبي ورجالات الجمعية .
بعد إسترجاع السيادة الوطنية في سنة 1962مـ بـ المدارس الرسمية للدولة الجزائرية برتبة (مدرس) وبقى معلما ومربيا الى سنة 1976م. لينتقل بعد ذلك إلى إمامة المصلين والقيام بمهمة الصلوات والدروس والوعظ والإرشاد والخطابه، فكان إماما خطيبا بـ مسجد العربي التبسي – المعروف بالمدرسة – بتبسة ثم انتقل إلى مسجد الهجرة بنفس المدينة بعد تأسيسه فعمل خطيبا فيه أيضا، وهو الآن- في زمنه- في جامع بلال بن رياح المعروف بـ جامع البساتين يؤدى نفس المهمة.
بالإضافة إلى أنه كان خادما العلم وأهله من خلال إشرافه على مكتبة المدينة وعنايته بها رفقة إخوانه المصلحين، والتي تأسست مطلع الإستقلال حيث أشار إلى ذلك المؤرخ محمد علي دبوز في كتابه الموسوعي’ أعلام الإصلاح في الجزائر’ خلال حديثه عن العربي التبسي رحم الله الجميع.
ليشهد له حمــاني رحمهما الله بأنه في كل حياته قبل الاستقلال وبعده كان يؤدي واجبه في كفاءة واستقامة راضيا عن عمله مرضيا عند جماعة المسلمين.
وافته المنية ذات يوم من شهر فيفري من سنة 1999م، حيث شيعه جموع غفيرة من أهل تبسة وأحبابه ومجموعة من تلاميذه وزملائه من المعلمين والعلماء من ربوع الجزائر.
كانت هاته نبذة يسيرة ، وفيضا من غيض تروي سيرة جزائري ٱاتخذ من مجال الفكر والثقافة وسيلة لمقاومة الإحتلال ثم خدمة دينه ووطنه، ساهم في تكوين شخصيته ملازمته للعلامة العربي التبسي رحمه الله الذي أخذ منه معاني النخوة والحب لدينه ووطنه.