قراءة في ظاهرة الخطف والقتل في الجزائر: مقاربة شرعية ومجتمعية
مساهمة :أ. كريمة عشيري */ تُعدّ ظاهرة الخطف والقتل التي تصاعدت في المجتمع الجزائري – وآخرها جريمة مقتل الطفلة مروة بوغاشيش رحمها الله – مؤشرًا خطيرًا على خلل عميق في منظومة القيم والردع المجتمعي. وما يزيد الفاجعة ألمًا أن الضحية كانت تلميذة مجتهدة، في نهاية عامها الدراسي، لتُغتال أحلامها بدم بارد على يد من تجرد …

مساهمة :أ. كريمة عشيري */
تُعدّ ظاهرة الخطف والقتل التي تصاعدت في المجتمع الجزائري – وآخرها جريمة مقتل الطفلة مروة بوغاشيش رحمها الله – مؤشرًا خطيرًا على خلل عميق في منظومة القيم والردع المجتمعي. وما يزيد الفاجعة ألمًا أن الضحية كانت تلميذة مجتهدة، في نهاية عامها الدراسي، لتُغتال أحلامها بدم بارد على يد من تجرد من إنسانيته.
أولًا: الجذور العميقة للظاهرة
لا يمكن عزل هذه الجرائم عن سياقها العام؛ فالمجتمع يعيش اضطرابًا قيميًا نتيجة التحولات السريعة في أنماط الحياة، وتراجع الوازع الديني، وضعف دور الأسرة والمدرسة والحي. كما أسهم انفلات الإعلام ومواقع التواصل في تبلّد الإحساس بحرمة الجريمة، وترويج نماذج سلبية مؤثرة، في ظل غياب مرجعية رشيدة.
ثانيًا: غياب الردع الحازم
الشرع الإسلامي واضح في وجوب إقامة حدّ الحرابة على القتلة والمفسدين في الأرض. قال الله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ…» [المائدة: 33].
لكن الواقع يشهد تراخيًا أو بطئًا في الردع القضائي، مما يشجع بعض النفوس المريضة على التمادي دون خوف من العقوبة.
ثالثًا: غياب الخطاب الدعوي الميداني
كثير من الخطاب الديني ينشغل بالجزئيات، ويغيب عن مواجهة الأزمات الأخلاقية في الميدان. نحن بحاجة إلى خطاب يزرع في النفوس حرمة الدماء، وقدسية الأمان، ويغرس في الناشئة معاني الرحمة والتكافل، مستلهِمًا من السيرة النبوية نماذج حية.
رابعًا: مقترحات عملية
1. تعديل القوانين: دعم مطلب تشديد العقوبات، وإقرار الإعدام بحق مختطفي وقتلة الأطفال، لحماية السلم المجتمعي.
2. برامج تحصينية في المدارس: مناهج تزرع القيم والتعاطف، وتكشف خطورة العنف مبكرًا.
3. حملات إعلامية هادفة: توعية الأطفال والأسر بإجراءات الحماية، وتسليط الضوء على عواقب الجريمة.
4. حراك مجتمعي دائم: تفعيل دور الجمعيات، المساجد، ووسائل الإعلام في رفع الوعي ومواجهة التبلد الاجتماعي.
5. مراكز الإصغاء والدعم: توفير فضاءات آمنة للمراهقين لرصد الانحراف مبكرًا، وتقديم الدعم النفسي والتربوي.
خاتمة
إن مروة بوغاشيش ليست مجرد ضحية، بل صرخة في وجه الغفلة الجماعية. علينا أن نتحرك كمجتمع ودولة ومؤسسات دينية وتربوية، حتى لا تصبح الجريمة عادية، والألم بلا أثر.
كلّنا مسؤول أمام الله، وأمام هذا الوطن الجريح.
* باحثة في العلوم الإسلامية