هكذا يجب التعامل مع نتائج البكالوريا لتفادي الأسوأ
يتجدد الحديث كل سنة، مع الإعلان عن نتائج شهادة البكالوريا، حول الصدمة النفسية التي يعيشها التلاميذ الراسبون، نتيجة التعامل القاسي من قبل بعض الأولياء، الذين يلجأون إلى العنف اللفظي أو الجسدي، ما تسبب في حالات مأساوية كالهروب من البيت أو محاولات انتحار، كما شهدته بعض العائلات الجزائرية في السنوات الأخيرة. وفي هذا السياق، خصّت الأستاذة …

يتجدد الحديث كل سنة، مع الإعلان عن نتائج شهادة البكالوريا، حول الصدمة النفسية التي يعيشها التلاميذ الراسبون، نتيجة التعامل القاسي من قبل بعض الأولياء، الذين يلجأون إلى العنف اللفظي أو الجسدي، ما تسبب في حالات مأساوية كالهروب من البيت أو محاولات انتحار، كما شهدته بعض العائلات الجزائرية في السنوات الأخيرة.
وفي هذا السياق، خصّت الأستاذة والباحثة “هاجر طاهري” جريدة الوسط” بتصريح مطول، تناولت فيه الظاهرة من مختلف الجوانب، مقدمةً جملة من الإرشادات للأولياء حول كيفية احتواء أبنائهم وتوجيههم بشكل سليم في مثل هذه المواقف الحساسة.
الدعم النفسي أولى من العقاب… والرسوب ليس نهاية العالم
تقول الأستاذة طاهري “إن العائلة تلعب دورًا محوريًا في التوجيه النفسي والتربوي للأبناء، خصوصًا في مرحلة إعلان النتائج، معتبرة أن التعلق المفرط بشهادة البكالوريا وتحويلها إلى معيار وحيد للنجاح هو تصور خاطئ وخطير.
وتضيف: “للأسف، تُغرس في ذهن التلاميذ فكرة أن الرسوب نهاية العالم، ما يدفع بعضهم إلى الدخول في نوبات اكتئاب حادة، وربما التفكير في الانتحار. لذا من الضروري أن يتعامل الأولياء مع النتيجة بعقلانية، وأن يدركوا أن الفشل جزء من التجربة التعليمية والحياتية.”
وتشدد الأستاذة على أهمية الدعم النفسي والتوعية الصحية، داعية الأولياء إلى تجاوز نظرة المجتمع والأقارب، وعدم جعل الرسوب مصدرًا للعار أو وسيلة للتوبيخ، قائلة: “نجاح ابنك أو فشله لا يجب أن يكون معيار حبك له، بل هو ابنك في كل الأحوال، وقد يكون بذل مجهودًا كبيرًا ولم يُوفق.”
“جلد الذات” و”العقاب الجماعي” سلوكان مدمران
انتقدت الأستاذة طاهري السلوكات السلبية التي يلجأ إليها بعض الأولياء بعد الرسوب، كحرمان الأبناء من الخروج، أو منعهم من المصروف، أو إجبارهم على الدروس الخصوصية مباشرة بعد صدور النتائج دون أخذ حالتهم النفسية بعين الاعتبار.
ودعت في المقابل إلى استثمار عطلة الصيف في الترفيه والتخطيط الجيد للموسم المقبل، مؤكدة أن الرسوب قد يكون درسًا ثمينًا يعزز من نضج التلميذ ويحثه على التخطيط والعمل منذ بداية السنة الدراسية.
النجاح أيضا يحتاج إلى وعي… لا للبهرجة والمظاهر
لم تغفل الباحثة طاهري الحديث عن ظاهرة أخرى بدأت تطفو على السطح، وهي المبالغة المفرطة في الاحتفال بالنجاح، والتي وصفتها بـ”البهرجة غير المبررة”، قائلة: “أنا ضد تحويل فرحة النجاح إلى أعراس ومبالغات ككراء القاعات وإطلاق الألعاب النارية. الأولى أن تُصرف تلك الأموال في تنظيم رحلات تعليمية أو توفير متطلبات المرحلة الجامعية.”
واقترحت أن تستغل العائلات الميسورة هذه المناسبة في إرسال أبنائها إلى رحلات لغوية أو ثقافية، لما لها من أثر إيجابي على الشخصية والمعرفة، وأضافت: “جزائرنا أيضًا بلد سياحي جميل ويمكننا الاكتفاء باستكشافه.”
اختيار التخصص مسؤولية مشتركة لا مجال فيها للإكراه
من جهة أخرى، وجهت الأستاذة طاهري رسالة قوية إلى الأولياء بخصوص اختيار التخصص الجامعي، مؤكدة أن الرغبة الحقيقية للتلميذ يجب أن تحترم، بعيدا عن إسقاط طموحات الأهل عليه.
وقالت: “ليس من العدل أن تُجبر ابنتك على أن تصبح مهندسة فقط لأنك لم تحققي حلمك الشخصي. دعيها تختار أن تكون معلمة إن كانت هذه رغبتها.”
النجاح والرسوب وجهان لتجربة الحياة
وفي ختام حديثها، ذكّرت الأستاذة طاهري “بأن الحياة مبنية على التناقضات، مثلما هناك ليل ونهار، هناك نجاح ورسوب، فرح وألم. داعية الأولياء إلى التعامل مع النتيجة كيفما كانت بروح واعية:
“استقبلوا أي نتيجة برضى، وكونوا بجانب أبنائكم، فالتجارب تصنع الإنسان، وما الحياة إلا سلسلة من المحاولات والتعلم المستمر.”
أحسن مرزوق